حينما نتأمل قوله تعالى " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم"، لا بد ـن ندرك ان هذا الطقس الديني مارسته شعوب أخرى لما يحققه من تقرب إلى الله، وما يتركه من أثر على الصحة. لذلك قال الرسول عليه السلام " صوموا تصحوا".
وقبل الإسلام مارس هذه العبادة الأقدمون، ومارسها أتباع المسيحية واليهودية وعدد من اتباع المعتقدات الدينية الأخرى.
ففي المسيحية، ورد في إنجيل "متى" عن الصوم "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين".
وفي اليهودية، كان اليهود قديما يصومون في أيام الحداد، وأوقات المخاطر، ولطلب المغفرة وإبداء الندم. ولا يزال يوم الغفران يعتبر إلى اليوم، صوما في التقويم العبري.
وخارج ما جاءت به الديانات السماوية بشأن الصيام، فقد عرفت لدى الشعوب والأمم القديمة فوائد الصوم الصحية والنفسية والاجتماعية.
أما في الإسلام فالصوم هو الركن الرابع من أركانه. وفيه نزل القرآن على النبي محمد عليه السلام.
وقبل الإسلام مارس هذه العبادة الأقدمون، ومارسها أتباع المسيحية واليهودية وعدد من اتباع المعتقدات الدينية الأخرى.
ففي المسيحية، ورد في إنجيل "متى" عن الصوم "ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين. فإنهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين".
وفي اليهودية، كان اليهود قديما يصومون في أيام الحداد، وأوقات المخاطر، ولطلب المغفرة وإبداء الندم. ولا يزال يوم الغفران يعتبر إلى اليوم، صوما في التقويم العبري.
وخارج ما جاءت به الديانات السماوية بشأن الصيام، فقد عرفت لدى الشعوب والأمم القديمة فوائد الصوم الصحية والنفسية والاجتماعية.
أما في الإسلام فالصوم هو الركن الرابع من أركانه. وفيه نزل القرآن على النبي محمد عليه السلام.
-القدماء مارسوا طقس الصوم
كان المصريون القدماء يعتقدون أن عماد الصحة هو صوم ثلاثة أيام في الشهر، كما أشاد بذلك المؤرخ "هيرودوس".
وفي اليونان القديمة، كان يعتقد أن صيام يوم واحد، هو أفضل من تعاطي العلاج. بل كان بعض الرجال الأفذاذ مثل سقراط، وأفلاطون، وفيثاغورس، يعمدون للصيام للوصول لذروة الإتقان الذهني والتخلص من طغيان الجسد.
وفي اليابان، كانت الوسيلة الوحيدة لإذلال الطغاة هي الصوم أمام أبوابهم حتى الموت. ومن ذلك انتقل الصوم إلى الهند، التي أخذت عادة الإضراب عن الطعام بين السجناء من أجل تحسين أوضاعهم والاستجابة لمطالبهم .
وعرف المنغوليون محاسن الصيام، فكانوا يتركون الطعام كل عاشر يوم.
أما السوريون القدماء والزرادشتيون، فكانوا يتركون الطعام كل خامس يوم.
وفي عصر النهضة العربية، وصف الأطباء العرب الصوم لعلاج السيفلس والجدري. وتوسع في ذلك الطبيب ابن سينا، الذي وصف الصوم لعلاج جميع الأمراض المزمنة.
وحينما احتل نابليون بونابارت مصر، اختار تطبيق الصوم في المستشفيات لاتقاء العدوى، وعلاج الأمراض التناسلية.
وحينما أضحت الموائد العامرة إحدى سمات الوجاهة في إيطاليا على عصر النهضة الأوروبية، اضطر الحكيم "لودفيك كارنارو" للحث على الصيام حيث كتب في ذلك "يا لإيطاليا البائسة، ألا ترين أن شهوة الطعام تقودك للموت أكثر من أي وباء أو حرب مدمرة".
لذلك فقد بدأ الناس يشعرون في وقتنا الحالي بأهمية الصوم على مستوى صحة البدن والعلاج من الكثير من الأمراض. لذلك تنتشر في أوروبا وأمريكا اليوم مراكز متخصصة لإستعادة الصحة والرشاقة ومقاومة الهرم. وهي مراكز تعتمد على الصوم كبند أساسي فيها.
-الصوم كعبادة
عرفت غالبية الأمم الصوم منذ أقدم العصور، حيث اتخذته بعض الشعوب القديمة طقسا من طقوس العبادة. بينما ارتبط لدى بعضها الآخر بحالة الحزن والوفاة.
فقد اعتاد القدماء عند موت عزيز لهم أن يأخذ أقارب الميت وأصحابه طعامهم لدفنه معه في قبره حتى لا يبقى لديهم طعام يأكلونه طوال فترة الحداد عليه. وهناك آراء تعتقد بوجود أسباب أخرى وراء لجوء إنسان الحضارات القديمة إلى الصيام. فقد ساد الاعتقاد قديما بأن الإمتناع عن تناول الطعام والشراب يساعد الإنسان على الوصول إلى حالة من الشفافية الروحية التي تسمح له بالاتصال بعالم الأرواح. فكان الناس يخرجون إلى الأماكن الصحراوية والجبال العالية ويمكثون هناك فترة طويلة في حالة من التأمل وهم صائمون. ثم ينامون معتقدين أن الرؤية ستأتي في الأحلام وتصلهم بالعالم الروحي، أو تنبؤهم بما سيحدث في مستقبل الأيام.
وكان بعض الناس يمتنعون عن تناول الطعام والشراب عندما يريدون التعرف إلى إجابات على ما يشغلهم من الأسئلة، اعتقاداً منهم أن الإجابة الصحيحة لن تأتي لمن امتلأت معدته بالطعام والشراب. وأن حالة الصيام تؤهل الإنسان للرؤية الصحيحة، حيث كان المتنبئون يعيشون في حالة شبه دائمة من الصيام. ومنذ ظهور الديانات الاولى أصبح الصيام سلاحا يلجأ إليه الإنسان لمساعدته في تقوية الإيمان لديه.
فقد كان الناس قديما يمتنعون عن تناول الطعام والشراب استعداداً لاستقبال حدث مهم في حياتهم، أو احتفالا بذكرى مناسبة لها اهمية خاصة لديهم.
وكان هذا الامتناع يتم عادة قبل الاعياد الدينية كطريقة من طرق التطهر، ووسيلة للابتهال والتضرع.
وفي مصر القديمة كان الكهنة يمتنعون عن تناول أي نوع من أنواع اللحوم أو شرب الخمر لعدة أيام قبل الاحتفالات السنوية، وقبل قيامهم بالافتاء في الشرائع الدينية. وقد كتب المؤرخ اليوناني "بلوتارخ" الذي زار مصر خلال القرن الميلادي الأول "عن صيام الكهنة المصريين قبل اشتراكهم في احتفالات "أوزوريس". وكانت هذه الاحتفالات تتم عند بداية الشهر الرابع من السنة المصرية بعد انحسار مياه الفيضان في مدينة "ابيدوس" بصعيد مصر، لتستمر ستة أيام سنويا. وما زالت تعرف في التقاليد المصرية باسم الستة أيام البيض، اذ كان الكهنة يقومون خلال تلك الأيام الستة بتقديم عروض درامية لمقتل "أوزوريس" وعودته إلى الحياة.
كما تضمنت العادات المصرية والبابلية القديمة صيام الكفارة عن خطيئة يرتكبها الإنسان، وخاصة أن الشعوب القديمة كانت تعتقد بأن الصيام "طلب للغفران الذي يخفف من غضب الآلهة". وهم يأملون من صيامهم أن يغفر لهم ما ارتكبوه من خطايا. فكان الآشوريون يغطون وجوههم ويبكون متضرعين إلى الرب ليغفر لهم. بينما كان الهندوس المتقشفون يقومون بالصيام في أوقات زيارة المعابد، وقبل الأعياد.
وكذلك كانت بعض الطوائف الصينية تصوم قبل تقديم الأضحية. فيما كان آخرون منهم يكتفون بالصيام الروحي، وهو الامتناع عن المعاصي كافة خلال فترة معينة، مع تناول الطعام.
أما اتباع "كونفوشيوس" في الصين واليابان، فكانوا يمتنعون عن تناول الطعام والشراب قبل مواعيد الصلاة. بينما يكتفي الكهنة والرهبان بتناول وجبة واحدة في عصر كل يوم، وكذلك في أول يوم لظهور الهلال، ويوم تكامل القمر. ولهذا فإن البوذيين يصومون أربعة أيام كل شهر يقومون خلالها بالاعتراف بخطاياهم وطلب المغفرة.
وكان "الفيثاغوريون"، وهم طائفة عاشت في بلاد اليونان والرومان وتأثرت بفكر الفيلسوف الرياضي "فيثاغورث"، يصومون بسبب الزهد والتقشف اعتقادا منهم بأن البشرية كانت في البداية حالة من التكامل، ثم فقدتها بسبب خطيئة الانسان وطغيانه إذ أن الصيام في اعتقادهم وسيلة لتحصين الإنسان ضد الخطيئة والطغيان.
واعتقد "الفيثاغوريون" أن الإنسان لا يستطيع التقرب إلى العالم الروحي إلا عن طريق الصيام والابتعاد عن ملذات الحياة.
-الصوم في الديانات الأخرى
ظل المسيحيون يعتبرون الصوم أسلوبا للعبادة والتقرب إلى الله. غير أن الكتاب المقدس لا يقدم أوقاتا أو شهورا محددة للصوم، حيث ترك الأمر للضمير الشخصي. وتبعا لنموذج الكتاب المقدس، فقد تقوم جماعة من المسيحيين أو الكنيسة بتحديد وقت للصوم من أجل أمر هام في حياة المؤمنين، أو من أجل خدمة المسيح والإنجيل. ومن أشهر الامثلة على ذلك، ما فعله "بولس وبرنابا". لكن الصوم يكون أيضا عند طوائف مسيحية في زمن معين يسبق عيد الفصح بأربعين يوما. غير أن هذا التحديد الزمني لا يرتبط بتعليم كتابي بل هو يندرج في سياق ترتيب أو تقليد كنسيٍ، وتكون الغاية منه هو الصوم كعمل إيمانيٍ يسبق موعد ذكرى موت المسيح وقيامته. أما لماذا يصوم المؤمن المسيحي، فلأن الصوم علامة مميزةٌ في حياة الإيمان، يعبر فيه المؤمن بالمسيح عن خضوعه وطاعته للرب كما يطيعه في الصلاة ووصاياه الأخرى. بالإضافة إلى كون الصوم يعتبر في المسيحية مفتاحا أساسيا للتفرغ من كل المشاغل والروتين وأمور الحياة اليومية بما في ذلك الطعام، للانصراف إلى الصلاة. كما توجد أسباب أخرى هامة للصوم، بحسب نصوص كتابية منها أن "الصوم عربون توبة، وإعلان رجوع إلى الله طلبا لغفرانه ورحمته". وأن "الصوم طلبا لاستجابة الرب طلبات وتضرعات وخاصة في الأوقات الصعبة والظروف القاسية". ثم الصوم والصلاة طلبا لقوة روحية من الله للتغّلب على الأرواح الشريرة أو على أوقات الشر، كما جاء في "إنجيل متّى. رسالة كورنثوس الأولى".
ليست للمكان أهمية في زمن الصوم عند المسيحيين. ولا يوجد تعليم كتابي يحدد المكان الذي ينبغي فيه على المؤمن أن يقضي فترة صيامه. المهم هو الصوم بحد ذاته، والنية بالالتزام به، وعدم تباهي الصائم بصومه أمام الناس لكي يكسب منهم مديحا، بل الصوم المقبول عند الله، هو الصوم الخفي المعلن لله، لأن الصوم هو أمر شخصي وليس فرصة للتظاهر. فالله يهتم باتجاهات القلب ونياته أكثر من المظاهر الخارجية، ولا يصبح للصيام أي معنى إن لم نظهر محبة لله ورحمة تجاه الآخرين في حياتنا اليومية. كما قال السيد المسيح في إنجيل متّى.
كما يصوم المؤمن بالمسيح بامتناعه أو إمساكه عن تناول الطعام أقله اثنتي عشرة ساعة في اليوم، يقضيها دون طعام ودون شراب. وتبدأ هذه الفترة الزمنية، عادة، من بداية اليوم وحتى انقضاء الاثنتي عشرة ساعة. ولكن هذه ليست قاعدة إذ يوجد مسيحيون يصومون وقتا أطول. وفي الطقوس الخاصة بالمسيحيين الشرقيين يوجد ما يسمى بالصوم الكبير، والذي يمتد طوال 55 يوما، وينقسم لثلاثة أقسام وهي أسبوع الاستعداد، والأربعين يوما المقدسة، ثم أسبوع الآلام. ففي الصوم الكبير، لا يأكل المسيحيون السمك بالإضافة لكل ما يشتق من الكائنات الحية من لحوم وألبان وغيرها.
أما الصوم الصغير الذي يتم قبل فترة أعياد الميلاد، فيمتد لمدة 40 يومًا من 25 نونبر حتى 6 من يناير. وفي الكاثوليكية لا يوجد إلا الصوم الكبير والذي يبدأ من منتصف الليل إلى منتصف النهار.
وعند اليهود، يعتبر الصوم أقدم التشريعات اليهودية.
ويتسع مفهوم الصيام في اليهودية نتيجة اجتهاد اليهود في إيجاد أنواع منه ترتبط بالأحداث التاريخية.
فهو عندهم نوعان. الأول هو صوم فردي يسمى "صوم الأسر". ويتم في حالات الحزن الشخصي للفرد، أو عند التكفير عن الخطيئة. أما النوع الثاني، فهو الصوم الجماعي وهو غير ثابت ويقوم به اليهود عند حدوث حزن عام لهم.
كما ظهر عند اليهود أيضا ما يسمى بصيام الصمت. وهو استغراق الشخص في صمته من أجل التوبة والندم على ما اقترفه من خطايا.
ويصوم اليهود ما يسمى الصيام الأربعيني. وهي الأربعون يوما التي امتنع فيها النبي موسى عن الطعام تماما. لكن اليهود مثل المسيحيين، لا يمتنعون في صيامهم عن كل الطعام والشراب ولكن عما له أصل به روح. ويبدأ اليهودي الصوم عادة قبل غروب الشمس بربع ساعة، إلى ما بعد غروب شمس اليوم التالي.
أما أتباع الديانة الهندوسية، فلهم طقوس عديدة في الصوم، والتي تختلف باختلاف الإله المتبع، أو طبقً لطبيعة المناطق المتواجدة بها. ففي جنوب الهند، يصومون من شروق الشمس حتى مغربها حيث يمتنعون عن الطعام ويسمح لهم بشرب السوائل. كما يصومون يوم الثلاثاء. وفي المناطق الشمالية، يسمح بتناول الفواكه والحليب فقط. حيث يوجد ما يسمى بصيام الفصول. وهو الامتناع عن تناول الطعام من غروب الشمس لشروقها لمدة تسعة أيام مع بداية كل فصل.
هكذا يبدو أن الصوم، الذي يعتبر ركنا أساسيا من أركان الإسلام، والذي يقول عنه الحديث القدسي " كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فهو لي وأن أجزي به"، هو طقس عرفته جل الحضارات والديانات السماوية.
وكما أنه وسيلة للتقرب إلى الله والاعتراف بالخطيئة، فإنه طريق للعلاج من بعض الأمراض المرتبطة بالجهاز الهضمي. لذلك يقال " صوموا تصحوا".