منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وضع حلفاءه تحت سياسة "الضغط الأقصى"، من خلال تعدد التصريحات والقرارات التي جعلت الجميع في حالة من الضبابية فيما يتعلق بمواقف الرئيس الأمريكي، سواء فيما يخص غزة أو أوكرانيا أو إيران. وقد اشتهر ترامب منذ ولايته الأولى باستخدام سياسة "الضغط الأقصى" كأداة رئيسية في سياسته الخارجية. تهدف هذه السياسة إلى تحقيق أهداف الولايات المتحدة عبر فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية صارمة على الدول المعارضة، وحتى على بعض الحلفاء في بعض الأحيان.
حول غزة، أطلق ترامب عدة تصريحات، منها تحويل غزة إلى منتجع سياحي أو ترحيل سكانها قسرًا نحو الأردن ومصر، بالإضافة إلى المطالبة بتطبيق الشطر الثاني من الاتفاق بين الاحتلال وحماس. هذه التصريحات والقرارات المتوالية تُظهر سياسة الضغط الأقصى التي يمارسها ترامب على الجميع، سواء على حلفائه أو خصومه. كما يستخدم نفس التقنية مع الحرب الروسية الأوكرانية.
تعكس مخاوف الأوروبيين بشأن القمة الروسية الأوكرانية في السعودية توترات وشكوكًا حول التزام الولايات المتحدة بحلفائها الأوروبيين وبالأمن الأوروبي. وقد تسببت هذه المخاوف في توترات بين الولايات المتحدة والقارة الأوروبية بسبب المحادثات الروسية الأمريكية في السعودية. يخشى الأوروبيون من أن تؤدي هذه المحادثات إلى اتفاقات تتجاهل مصالحهم الأمنية وتكافئ روسيا على غزوها لأوكرانيا.
ما يميز المفاوضات في السعودية هو أنها تتم بين الأمريكيين والروس دون حضور الأوروبيين أو الأوكرانيين، مما يثير مخاوف من أن يتم التفاوض على مستقبل أوكرانيا دون استشارة الأطراف المعنية بشكل مباشر. كما يخشى الأوروبيون من أن يتم التوصل إلى اتفاق متسرع يتجاهل الالتزامات الأمنية الأوروبية ويترك المجال لروسيا لتهديد أوكرانيا أو دول أخرى في المستقبل.
هذه الوضعية دفعت الأوروبيين إلى المطالبة بدور أكبر لهم في حلف شمال الأطلسي لضمان مستقبل أوكرانيا ومواجهة التهديد الروسي، خاصة في غياب التواجد الأوروبي في المفاوضات.
تُظهر هذه المخاوف التحديات التي تواجه العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا في سياق الصراع الأوكراني الروسي، وتسلط الضوء على الحاجة إلى مزيد من التنسيق والشفافية في الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة. وقد دفع هذا الوضع الحلفاء، بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى عقد عدة لقاءات مع دول أوروبية وغير أوروبية حول أوكرانيا، بالإضافة إلى الدول الحليفة في المنظومة الأطلسية.
وأكد ماكرون لوسائل الإعلام بعد هذه اللقاءات أن الأوروبيين يريدون دعمًا من واشنطن "نظرًا لأن روسيا دولة تملك قدرة نووية، وهذا أمر رئيسي بالنسبة إلى الشركاء الأوروبيين."
أما بالنسبة لإيران، فقد انتهج ترامب سياسة الضغط الأقصى أيضًا خلال فترة رئاسته الأولى، حيث انسحب من الاتفاق النووي في مايو 2018 وفرض عقوبات جديدة على طهران. كانت هذه العقوبات تهدف إلى إجبار إيران على إعادة التفاوض بشأن برنامجها النووي وتقييد أنشطتها الإقليمية.
لم تقتصر سياسة ترامب على الدول المعارضة فقط، بل شملت أيضًا الحلفاء. فقد فرض ترامب رسومًا جمركية على الحلفاء التقليديين مثل دول الاتحاد الأوروبي، مما أثار توترات في العلاقات الدولية. كانت هذه الرسوم جزءًا من نهجه الصارم "أمريكا أولاً"، الذي يهدف إلى تعزيز المصالح الأمريكية على حساب الشركاء التجاريين.
على الرغم من أن سياسة الضغط الأقصى قد حققت بعض المكاسب المؤقتة، إلا أنها أثارت أيضًا توترات دولية وزادت من الشكوك حول موثوقية الولايات المتحدة كشريك دولي. كما أثرت هذه السياسة سلبًا على العلاقات مع الحلفاء التقليديين وزادت من التحديات التي تواجه السياسة الخارجية الأمريكية.
سواء مع الحلفاء أو الخصوم، فقد أدت سياسة ترامب المعروفة بـ "أمريكا أولًا" إلى توترات مع العديد من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، مثل دول الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك. فرض ترامب رسومًا جمركية على هذه الدول وأجبرها على إعادة النظر في علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، مما أثار شكوكًا حول موثوقية أمريكا كشريك تجاري.
أما فيما يتعلق بالصين، فإن الصرامة تجاهها أدت إلى حرب تجارية بين البلدين. حيث فرض ترامب رسومًا جمركية على الواردات الصينية، ما تسبب في ردود صينية مماثلة. هذا الصراع التجاري أثّر سلبًا على الاقتصادين الأمريكي والصيني وزاد من التوترات الجيوسياسية على مستوى التجارة العالمية.
كما انسحبت إدارة ترامب من عدة اتفاقيات دولية مهمة، مثل اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي مع إيران ومنظمة الصحة العالمية، ووقف برنامج التعاون التابع للوكالة الأمريكية للمساعدة تجاه البلدان المحتاجة. هذه الخطوات أثرت سلبًا على مكانة الولايات المتحدة كقائد عالمي وزادت من الشكوك حول التزامها بالتعاون الدولي.
إن سياسة دونالد ترامب المعروفة بـ "الضغط الأقصى" هي استراتيجية متعددة الأوجه تهدف إلى تحقيق المصالح الأمريكية أولًا على حساب الحلفاء والخصوم، مما يؤدي إلى تغييرات جذرية في الساحة الدولية واضطرابات في العلاقات الدولية.