تتسارع الأحداث بوتيرة سريعة وقوية منذ الإعلان عن تشريعيات مبكرة في ألمانيا يوم 23 فبراير بدلًا من سبتمبر 2025، بعد تفجير أزمة داخل التحالف الحكومي بسبب الخلاف حول الموازنات المالية.
ولأن الأمر يتعلق بأكبر اقتصاد أوروبي وبدولة ذات ثقل سياسي كبير داخل دول الاتحاد الأوروبي وزخم تاريخي مهم، فقد تنوعت زوايا قراءة أهمية هذه الانتخابات ورمزية سياقاتها السياسية وتطور حملاتها الانتخابية. وهكذا نجد من استحضر قولة المستشار بيسمارك الشهيرة أثناء توحيده لبروسيا: “بالدموع والحديد…”، وآخرون استحضروا البارون فرانز فون بابن (Franz Von Papen) رئيس حزب الوسط الكاثوليكي وتحالفه سنة 1933 مع حزب أدولف هتلر ليصبح رئيس الحكومة.
وهي قراءات تعني أن انتخابات 23 فبراير الخاصة بالبوندستاغ الألماني (Bundestag) هي انتخابات مفصلية على أكثر من مستوى، سواء تعلق الأمر بالسياسة الخارجية والدفاع أو ملفات الطاقة والهجرة واللجوء.
فمن المعلوم أن الانتخابات الحديثة لم تعد محدداتها داخلية فقط، بل تتأثر بمحيطها الإقليمي والدولي. لذلك فإن تداعيات الحرب في أوكرانيا وما خلفته من أزمة طاقة وكهرباء أثرت بشكل كبير على اقتصاد ألمانيا وساهمت في ارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء بعد انقطاع الغاز الروسي بأثمانه التضخمية، وهو ما أثر في موضوع التنافسية الاقتصادية والاستثمارات الخارجية وتراجع قطاع السيارات.
وهي مشاكل تناولتها برامج الأحزاب المنافسة، سواء بإعادة نقاش البديل النووي الذي تم التخلي عنه بعد فاجعة اليابان سنة 2011، أو بالرفع من الإعفاءات والمزايا الضريبية للمواطنين لمواجهة ارتفاع كلفة الطاقة والكهرباء.
ليس هذا فحسب، فحتى ملف الهجرة واللجوء تأثر بحلول من الخارج، مثل حل “رواندا” المعتمد من طرف بريطانيا، وهو ما يميل له اليمين واليمين المتطرف، في حين لا يزال اليسار يرفع راية الإنسانية ويشجع الهجرة القانونية، مؤكداً أن المهاجرين يمثلون ثلث سكان ألمانيا.
لكن ما سر الضجة السياسية والإعلامية بعد تمرير اقتراح الاتحاد المسيحي الديمقراطي بتعقيد قانون الهجرة واللجوء، ومساندته من طرف اليمين المتطرف؟
نحسم الأمر منذ الآن بقولنا إن أحزاب الوسط تصدت للأمر ولم يصادق عليه البرلمان الألماني، بعد خروج الشارع الألماني في مسيرات احتجاجية كبيرة.
الغريب في الأمر أن زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي “فريدريك ميتز” (Friedrich Merz) كان في منطقة الراحة، وأنه مرشح بقوة لمنصب مستشار ألمانيا الاتحادية، لكن قبوله لأصوات اليمين المتطرف من أجل تمرير مقترحه بخصوص الهجرة واللجوء قد أفقده الكثير من المصداقية، سواء أمام خصمه الكبير “أولاف شولتس” (Olaf Scholz) عن حزب الاشتراكي الديمقراطي، أو أمام الشارع الذي يتذكر جيدًا وعود “ميتز” بعدم التحالف مع اليمين المتطرف في إطار مبدأ “Brandmauer” (“الحائط الذي يقطع النار”).
بالمقابل، فإن ملف الهجرة، وهو الحصان الرابح لليمين المتطرف، أدى إلى قفز أرقام استطلاعات الرأي إلى أكثر من 19% لصالح حزب اليمين المتطرف، خاصة بعد أحداث دهس في جنوب برلين، وطعن في جنوب فرانكفورت، وثالثة دهس يوم الخميس 13 فبراير في ميونيخ، على بعد عشرة أيام فقط من الانتخابات.
لكل هذا، فقد عاب العديد من المتتبعين على “فريدريك ميتز” هذا التقارب مع الحزب اليميني المتطرف. بدورها، المستشارة السابقة أنجيلا ميركل لم تخفِ غضبها من طبيعة هذا القرار/التقارب الذي قد يفقده العديد من الأصوات ويحول دون أغلبية مريحة أو ضمان ظروف مريحة للتفاوض حول “تحالف حكومي كبير” مع الاشتراكي الديمقراطي والخضر.
أكثر من هذا، فإن “أولاف شولتس”، سواء في آخر جلسة للبرلمان أو أثناء المواجهة التلفزيونية مع “فريدريك ميتز” يوم 9 فبراير، قال بأن الأمر صعب، وأن خصمه “ميتز” ليس جديرًا بالثقة، خاصة بعد “تحالفه” مع اليمين المتطرف في موضوع الهجرة. لذلك فإن مرحلة تشكيل الحكومة ما بعد 23 فبراير ستأخذ وقتًا ليس بالقصير.
لا أحد يمكنه التكهن بمآلات انتخابات 23 فبراير، لكن الأكيد هو أن لا أحد سيحصل على نسبة تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده، ما يعني أن الفائز سيسعى لعقد تحالفات، مع تفادي الحزب اليميني المتطرف، الذي يُنتظر أن يحقق تمدداً جديداً، خاصة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة بألمانيا وقرارات الحزب الحاكم في الجارة النمسا في مجال الهجرة والحدود.
لكن تدخل “إيلون ماسك” (Elon Musk) في الحملة الانتخابية لصالح “أليس فايدل” (Alice Weidel)، زعيمة حزب اليمين المتطرف، واستضافتها على منصة X وتسخير حملة إعلامية لصالحها، وتدخله يوم 25 يناير في إحدى حلقات الحملة الانتخابية، جعل من انتخابات ألمانيا شأنًا دوليًا يتصارع فيه تيار “ترامب 2.0” واليمين المتطرف في أوروبا من جهة، وأحزاب الوسط والشارع الألماني من جهة أخرى.
وكان من أول نتائج هذا الصراع انخفاض مبيعات سيارات تسلا (Tesla) الكهربائية بألمانيا بنسبة 57%. الانخفاض سُجل أيضًا في فرنسا وبريطانيا.
الأحزاب الألمانية المتصارعة لها تصورات متباينة، سواء في الطاقة، أو ملف أوكرانيا، أو الناتو، أو الدفاع، أو العلاقات مع الصين وروسيا.
فهناك من يدفع مثلًا في اتجاه تطوير محور بروكسل، وهناك من يحن لمحور ألمانيا - فرنسا - بولونيا. وهناك من يعلن مساندته لأوكرانيا في كل الأحوال في إطار الناتو، ويقابله من يعلن مساعدة حذرة ومحسوبة. وهناك من يؤيد الرفع من ميزانية الدفاع والتسليح، وآخر يدفع لتأسيس جيش أوروبي.
وفي ملف الهجرة واللجوء، هناك من يرفع شعار الإنسانية، وآخر يلوح بإعادة تهجير المهاجرين سواء لبلدانهم الأصلية أو لبلد ثالث آمن (ألبانيا أو رواندا) في انتظار انتهاء إجراءات الهجرة واللجوء، مع الدعوة إلى تقوية حرس الحدود الأوروبي (Frontex).
لازلنا نعيش حملة انتخابية قوية وشرسة تحتمل كل السيناريوهات… أقواها فوز “فريدريك ميتز” عن الاتحاد المسيحي الديمقراطي وعقد تحالف حكومي كبير مع الاشتراكيين والخضر.
لكن ماذا لو تشبث “شولتس” بعدم تحالفه مع من خان عهده بعدم التحالف مع “أليس فايدل”، الخبيرة السابقة في بنوك غولدمان ساتش (Goldman Sachs) وبنك الصين؟
وهل يقبل “فريدريك ميتز” بتحالف سياسي مع اليمين المتطرف دون تحالف حكومي إذا رفضته أحزاب الوسط؟
وما مدى تأثير الحرب في أوكرانيا ومفاوضات ترامب وبوتين لإنهاء الحرب على مآلات نتائج تشريعيات 23 فبراير؟
يعتقد المراقبون أن يوم الاقتراع هو ساعة الحقيقة بالنسبة للوضع السياسي في ألمانيا، وفي الاتحاد الأوروبي، وفي الناتو… وهو اختبار جديد للصراع بين تيار اليمين المتطرف/الشعبوي، سواء في أوروبا أو أمريكا، وبين تيار الوسط من الديمقراطيين والخضر والليبراليين…!
ولأن الأمر يتعلق بأكبر اقتصاد أوروبي وبدولة ذات ثقل سياسي كبير داخل دول الاتحاد الأوروبي وزخم تاريخي مهم، فقد تنوعت زوايا قراءة أهمية هذه الانتخابات ورمزية سياقاتها السياسية وتطور حملاتها الانتخابية. وهكذا نجد من استحضر قولة المستشار بيسمارك الشهيرة أثناء توحيده لبروسيا: “بالدموع والحديد…”، وآخرون استحضروا البارون فرانز فون بابن (Franz Von Papen) رئيس حزب الوسط الكاثوليكي وتحالفه سنة 1933 مع حزب أدولف هتلر ليصبح رئيس الحكومة.
وهي قراءات تعني أن انتخابات 23 فبراير الخاصة بالبوندستاغ الألماني (Bundestag) هي انتخابات مفصلية على أكثر من مستوى، سواء تعلق الأمر بالسياسة الخارجية والدفاع أو ملفات الطاقة والهجرة واللجوء.
فمن المعلوم أن الانتخابات الحديثة لم تعد محدداتها داخلية فقط، بل تتأثر بمحيطها الإقليمي والدولي. لذلك فإن تداعيات الحرب في أوكرانيا وما خلفته من أزمة طاقة وكهرباء أثرت بشكل كبير على اقتصاد ألمانيا وساهمت في ارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء بعد انقطاع الغاز الروسي بأثمانه التضخمية، وهو ما أثر في موضوع التنافسية الاقتصادية والاستثمارات الخارجية وتراجع قطاع السيارات.
وهي مشاكل تناولتها برامج الأحزاب المنافسة، سواء بإعادة نقاش البديل النووي الذي تم التخلي عنه بعد فاجعة اليابان سنة 2011، أو بالرفع من الإعفاءات والمزايا الضريبية للمواطنين لمواجهة ارتفاع كلفة الطاقة والكهرباء.
ليس هذا فحسب، فحتى ملف الهجرة واللجوء تأثر بحلول من الخارج، مثل حل “رواندا” المعتمد من طرف بريطانيا، وهو ما يميل له اليمين واليمين المتطرف، في حين لا يزال اليسار يرفع راية الإنسانية ويشجع الهجرة القانونية، مؤكداً أن المهاجرين يمثلون ثلث سكان ألمانيا.
لكن ما سر الضجة السياسية والإعلامية بعد تمرير اقتراح الاتحاد المسيحي الديمقراطي بتعقيد قانون الهجرة واللجوء، ومساندته من طرف اليمين المتطرف؟
نحسم الأمر منذ الآن بقولنا إن أحزاب الوسط تصدت للأمر ولم يصادق عليه البرلمان الألماني، بعد خروج الشارع الألماني في مسيرات احتجاجية كبيرة.
الغريب في الأمر أن زعيم الاتحاد المسيحي الديمقراطي “فريدريك ميتز” (Friedrich Merz) كان في منطقة الراحة، وأنه مرشح بقوة لمنصب مستشار ألمانيا الاتحادية، لكن قبوله لأصوات اليمين المتطرف من أجل تمرير مقترحه بخصوص الهجرة واللجوء قد أفقده الكثير من المصداقية، سواء أمام خصمه الكبير “أولاف شولتس” (Olaf Scholz) عن حزب الاشتراكي الديمقراطي، أو أمام الشارع الذي يتذكر جيدًا وعود “ميتز” بعدم التحالف مع اليمين المتطرف في إطار مبدأ “Brandmauer” (“الحائط الذي يقطع النار”).
بالمقابل، فإن ملف الهجرة، وهو الحصان الرابح لليمين المتطرف، أدى إلى قفز أرقام استطلاعات الرأي إلى أكثر من 19% لصالح حزب اليمين المتطرف، خاصة بعد أحداث دهس في جنوب برلين، وطعن في جنوب فرانكفورت، وثالثة دهس يوم الخميس 13 فبراير في ميونيخ، على بعد عشرة أيام فقط من الانتخابات.
لكل هذا، فقد عاب العديد من المتتبعين على “فريدريك ميتز” هذا التقارب مع الحزب اليميني المتطرف. بدورها، المستشارة السابقة أنجيلا ميركل لم تخفِ غضبها من طبيعة هذا القرار/التقارب الذي قد يفقده العديد من الأصوات ويحول دون أغلبية مريحة أو ضمان ظروف مريحة للتفاوض حول “تحالف حكومي كبير” مع الاشتراكي الديمقراطي والخضر.
أكثر من هذا، فإن “أولاف شولتس”، سواء في آخر جلسة للبرلمان أو أثناء المواجهة التلفزيونية مع “فريدريك ميتز” يوم 9 فبراير، قال بأن الأمر صعب، وأن خصمه “ميتز” ليس جديرًا بالثقة، خاصة بعد “تحالفه” مع اليمين المتطرف في موضوع الهجرة. لذلك فإن مرحلة تشكيل الحكومة ما بعد 23 فبراير ستأخذ وقتًا ليس بالقصير.
لا أحد يمكنه التكهن بمآلات انتخابات 23 فبراير، لكن الأكيد هو أن لا أحد سيحصل على نسبة تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده، ما يعني أن الفائز سيسعى لعقد تحالفات، مع تفادي الحزب اليميني المتطرف، الذي يُنتظر أن يحقق تمدداً جديداً، خاصة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة بألمانيا وقرارات الحزب الحاكم في الجارة النمسا في مجال الهجرة والحدود.
لكن تدخل “إيلون ماسك” (Elon Musk) في الحملة الانتخابية لصالح “أليس فايدل” (Alice Weidel)، زعيمة حزب اليمين المتطرف، واستضافتها على منصة X وتسخير حملة إعلامية لصالحها، وتدخله يوم 25 يناير في إحدى حلقات الحملة الانتخابية، جعل من انتخابات ألمانيا شأنًا دوليًا يتصارع فيه تيار “ترامب 2.0” واليمين المتطرف في أوروبا من جهة، وأحزاب الوسط والشارع الألماني من جهة أخرى.
وكان من أول نتائج هذا الصراع انخفاض مبيعات سيارات تسلا (Tesla) الكهربائية بألمانيا بنسبة 57%. الانخفاض سُجل أيضًا في فرنسا وبريطانيا.
الأحزاب الألمانية المتصارعة لها تصورات متباينة، سواء في الطاقة، أو ملف أوكرانيا، أو الناتو، أو الدفاع، أو العلاقات مع الصين وروسيا.
فهناك من يدفع مثلًا في اتجاه تطوير محور بروكسل، وهناك من يحن لمحور ألمانيا - فرنسا - بولونيا. وهناك من يعلن مساندته لأوكرانيا في كل الأحوال في إطار الناتو، ويقابله من يعلن مساعدة حذرة ومحسوبة. وهناك من يؤيد الرفع من ميزانية الدفاع والتسليح، وآخر يدفع لتأسيس جيش أوروبي.
وفي ملف الهجرة واللجوء، هناك من يرفع شعار الإنسانية، وآخر يلوح بإعادة تهجير المهاجرين سواء لبلدانهم الأصلية أو لبلد ثالث آمن (ألبانيا أو رواندا) في انتظار انتهاء إجراءات الهجرة واللجوء، مع الدعوة إلى تقوية حرس الحدود الأوروبي (Frontex).
لازلنا نعيش حملة انتخابية قوية وشرسة تحتمل كل السيناريوهات… أقواها فوز “فريدريك ميتز” عن الاتحاد المسيحي الديمقراطي وعقد تحالف حكومي كبير مع الاشتراكيين والخضر.
لكن ماذا لو تشبث “شولتس” بعدم تحالفه مع من خان عهده بعدم التحالف مع “أليس فايدل”، الخبيرة السابقة في بنوك غولدمان ساتش (Goldman Sachs) وبنك الصين؟
وهل يقبل “فريدريك ميتز” بتحالف سياسي مع اليمين المتطرف دون تحالف حكومي إذا رفضته أحزاب الوسط؟
وما مدى تأثير الحرب في أوكرانيا ومفاوضات ترامب وبوتين لإنهاء الحرب على مآلات نتائج تشريعيات 23 فبراير؟
يعتقد المراقبون أن يوم الاقتراع هو ساعة الحقيقة بالنسبة للوضع السياسي في ألمانيا، وفي الاتحاد الأوروبي، وفي الناتو… وهو اختبار جديد للصراع بين تيار اليمين المتطرف/الشعبوي، سواء في أوروبا أو أمريكا، وبين تيار الوسط من الديمقراطيين والخضر والليبراليين…!