أصدر الباحث عبد القادر دندن ضمن منشورات مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات - بيروت ورقة علمية تحت عنوان " القوى الصاعدة في النظام الدولي وطوفان الأقصى: تباينات وتقاطعات المواقف والتوجهات " أشار في مقدمتها أن القضية الفلسطينية تتفاعل ضمن بيئة إقليمية وعالمية سمتها التغير والتعقيد والتشابك، مضيفا بأن عملية طوفان الأقصى وحرب غزة التي تلتها جاءت في ظرف إقليمي متوتر ومضطرب وشديد الحساسية، كما تزامنت مع فترة انتقالية وتحولية حرجة على مستوى النظام الدولي، حيث أن الأحادية القطبية التي طمحت الولايات المتحدة الأمريكية لترسيخها أصبحت محل مساءلة، بل أكثر من ذلك أضحت موضع تشكيك ورفض، تطورات تلك المسائلات إلى مظاهر عملية لتحدي تلك الهيمنة، ولاسيما عبر بروز عدد من القوى الدولية التي يحمل بعض منها ماض تاريخي وحضاري عريق، وتمرس في الريادة والتطور عبر التاريخ، وعرفت بشكل عام كقوى صاعدة في العلاقات الدولية، فيما يعد البعض منها قوى صاعدة وعائدة في الوقت نفسه، لأنها لم تكن غريبة عن عالم القوة والنفوذ الدولي والإقليمي تاريخيا مثل الصين وروسيا والهند وتشكل مجموعة البريكس عماد وقوام تلك القوى .
ويضيف الباحث أن هذا التناقض والتنافس بين هذه القوى الصاعدة ونظيرتها التقليدية ممثلة في أمريكا وأوروبا يتصاعد الى الحد الذي شاع فيه تصور يؤسس لانقسام عالمي ما بين غرب آخذ في التراجع والضعف وشرق يتجه نحو الصعود والتقوي، وهو مسار تحولي جديد على الساحة الدولية تنتقل فيه القوة تدريجيا من الغرب نحو الشرق، مع ما لذلك من انعكاسات على مختلف بقاع العالم، بما في ذلك منطقة الشرق التي تعج بالأزمات والصراعات وعلى رأسها القضية الفلسطينية .
وعلاقة بموضوع طوفان الأقصى ومستقبل ومآلات لعبة النفوذ والتموقع في النظام الدولي أشار الباحث أن الاضطرابات العنيفة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بفعل تداعيات عملية طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية على غزة، وتوسع الصراع ليشمل قوى فرعية مثل حرب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وبدرجة اقل وأخفت المقاومة الإسلامية في العراق تعد من عوارض مرحلة انتقالية يمر بها النظام الدولي، فالعالم الذي استحكمت به القوى الغربية منذ القرن 19 يصير أكثر توازنا مع انزياح مراكز القوة نحو آسيا وعالم الجنوب عموما. على الرغم من أنه من الصعب الجزم بنتائج هذه المرحلة، ولا بأن الغرب سيكون عاجزا عن استعادة المبادرة، ولا بأن القوى المعارضة له ستفرض منطقها في النهاية .
وحسب الباحث، فإن هزيمة الكيان الإسرائيلي كنتيجة لقدرة المقاومة على تحكيم المشروع الغربي، وتسريع عملية تآكلة الداخلي ستعني الإسهام في التمهيد لنهاية القطب الواحد، ولعل هذا ما يفسر – يضيف الكاتب – انحسار الاهتمام بالحرب في أوكرانيا، وفي تايوان والصراع مع الصين، واندفاع المسؤولين الأمريكيين بكثافة إلى حماية الكيان الإسرائيلي من نفسه ومن المقاومة، مضيفا بأنه في مقابل الغرب الموحد خلف الولايات المتحدة الأمريكية، هناك عالم جديد قيد التشكل تميزه قوى رافضة للوضع القائم وساعية لتغييره وعلى رأسها دول مجموعة البريكس الخمس الرئيسية، على الرغم من ان تلك القوى ما تزال في مرحلة بناء التوافق على الأهداف، وعلى الأطر الجامعة والناظمة له، وعلى المواقف تجاه الأحداث العالمية، ودليل ذلك تباين مواقفها تجاه طوفان الأقصى وحرب غزة واضطرابات الشرق الأوسط عموما، وفقا لميزان المكاسب والخسائر، وطبيعة العلاقة بطرفي النزاع المباشرين وحلفائهما .
وخلص الباحث الى أن روسيا ومن بعدها الصين وبقية دول البريكس استطاعت أن تظهر للرأي العام العالمي مكامن الخلل في النظام العالمي الحالي القائم على الهيمنة الأمريكية وعلى الأحادية القطبية، التي كانت من بين تداعياتها الخطيرة فتح الطريق أمام الاستبداد الإسرائيلي في المنطقة عموما وضد الفلسطينيين خصوصا. فتقدمت قوى مثل روسيا والصين وجنوب إفريقيا والبرازيل خطوة إضافية إلى الأمام، من أجل دفع العالم صوب الاقتناع بأن عالما متعدد الأقطاب قادر على حماية الأمن والسلم الدوليين أكثر بكثير من النظام العالمي القائم على الهيمنة الأمريكية، موضحا بأن هذه التحولات ستكون في صالح القضية الفلسطينية عموما استنادا الى الدعم الأمريكي ل " إسرائيل " الذي أصبح مكلفا بالنسبة لها ماديا ومعنويا وأخلاقيا، فمسايرة الإدارة الأمريكية لمواقف وسياسات حكومة نتنياهو المتطرفة جلبت لها تشويها لصورتها كدولة قائدة للعالم، وأثرت على مكانتها كقوة مسؤولة عن تحقيق الاستقرار ومنع جرائم الإبادة.