بوشعيب حمراوي عوض الاهتمام بالمهام الموكولة إليهم في التشريع ومراقبة العمل الحكومي على المستوى الخارجي والداخلي. والعمل على رفع وثيرة الترافع والدفاع عن مصالح الشعب ومملكته ومستقبل عيشه المهدد بتوالي مخططات الخذلان والرؤى الفاشلة. ككل مرة يفاجئنا بعض ممثلي الأمة، بتصريحات وردود البهرجة. لا مكان لها داخل غرفتي البرلمان.
ولا يمكن تصنيفها ضمن أخلاقيات العمل السياسي المفروض أن يتسم بها أعضاء مجلسي النواب والمستشارين. بل إن عامة الناس يبدؤون في التساؤل هل تلك الكلمات الخادشة للحياء السياسي والاجتماعي والمهينة للفكر الديمقراطي المفروض أن يترسخ في من يمثلون الشعب. والمنتظر منهم انتشالنا من وحل الانتقال الديمقراطي الذي علقنا فيه منذ عقود.
في تعطيل قطار التنمية المغربي. وجعله يسير بسرعتين متباعدتين. سرعة قوية برؤية وتبصر ملكي فرضت احترام وتقدير العالم وهرولة الدول العظمى من أجل عقد اتفاقيات وشراكات الانتفاع المشترك تحت الشعار الملكي: رابح رابح. تشدها إلى الوراء سرعة بطيئة وغير متوازنة للحكومة و البرلمان بغرفتيه. سرعة أقرب إلى الزحف منها إلى المشي.
مناسبة الحديث تلك الخرجات غير المحسوبة سياسيا ولا حتى أخلاقيا. خرجات تشغل الرأي العام بأمور لا فائدة منها، وتعطل عمل السلطة التشريعية. زلتان ارتكبهما رشيد الطالبي العالمي رئيس مجلس النواب في حق برلمانية بمجلس النواب. وبرلمانيي نقابة أعضاء بمجلس المستشارين. بعد أن أحال في المرة الأولى البرلمانية على لجنة التأديب. بدعوى أنها تلفظت في وجه رئيس الحكومة عزيز أخنوش بكلام في قدح.
وانتقادها لتناولها موضوع (أزمة النقل الحضري بمدينة فاس)، معتبرا أن الموضوع لا يجب أن يطرح بمجلس النواب. وإنما شأن تدبيري للجماعة الترابية. وبعد أن تفوه في المرة الثانية بكلام صادم كله قدح وإهانة في حق مستشارين برلمانيين قرروا الانسحاب خلال جلسة التصويت على مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب.
اتهم العلمي الذي منحه الشعب منصب الرتبة الثالثة في قمة هرم السلطة المغربية بعد شخصيتي الملك ورئيس الحكومة. هؤلاء المستشارين بالخيانة لمجرد أنهم رفضوا المشاركة فيما اعتبروه مهزلة تشريعية تحكمها الأيادي. تدار في الخلف من طرف الحكومة والباطرونا. ولا تؤمن بالتفاوض والنقاش الجاد والمتجدد.
فهل فتوى (التخوين) الصادرة عن رئيس مجلس النواب في حق هؤلاء البرلمانيين في غرفة المستشارين (غرفة لا يرأسها أصلا)، تدخل ضمن اختصاصات البرلمان ؟. لأن ما يبدو أن البرلمان المغربي تجاوز مهامه الأساسية في التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتفرغ لقمع البرلمانيين المعارضين بمجلسي النواب والمستشارين.
فبعد رفض الطالبي العلمي الحقائق المؤلمة التي ترافعت من أجلها البرلمانية ريم شباط خدمة لساكنة فاس. وتطرقها لوضع أسطول حافلات النقل الحضري المتردي. وادعائه بأن الموضوع ليس من مهام مجلس النواب. علما أن العديد من البرلمانيين وضعوا أسئلة كتابية وشفهية داخل قبتي مجلسي النواب والمستشارين. وتم التداول والمناقشة بحضور وزراء معنيين.
عاد رئيس مجلس النواب الذي لم يستسغ ترافع البرلمانية، ليوظف عبارة (حشمت في بلاصتك) الموجهة من طرفها لرئيس الحكومة. من أجل اتهام البرلمانية بتهمة (سب رئيس الحكومة). ويحيلها على لجنة الإنظباط. تهمة كيدية المراد منها تكميم فمها وتحوير النقاش الأساسي الذي كان محوره (أزمة النقل الحضري بفاس). وطبعا فقد أتاه الرد بعد أيام من وزير الداخلية لفتيت. الذي تناول موضوع أزمة حافلات النقل الحضري بالمغرب.
وسطرت وزارته برنامجا استثنائيا جديدا يقضي بالتكفل باقتناء عدد من الحافلات لتسوية مشكل هذا النوع من النقل داخل عدة مدن ضمنها مدينة فاس. وهي طبعا ضربة موجعة لرئيس مجلس النواب.
وبالعودة للعبارة العامية (أنا حشمت في بلاصتك) والتي تختلف معانيها باختلاف الموضوع وطريقة تهجيتها. ولا يمكن بأي منطق اعتبارها سب أو قذف. بل إن قبة البرلمان بغرفتيه سبق وعرفت تهجمات وتعفنات كثيرة تلفظ بها بعض أعضاء المجلسين وحتى وزراء. ولا أحد بادر إلى محاسبتهم.
ألا يدرك الطالب العالمي أنه بقصفه برلماني نقابة وطنية بتهمة (الخيانة). أنه وجه إليهم تهمة تجردهم من وطنيتهم وتلبسهم جلابيب أعداء الوطن والانفصاليين. كما تضعهم في مرمى القضاء الجنائي والغضب الشعبي ؟؟ ...
تهمة الخيانة التي تأتي من الرجل الثالث في سلم القيادة لهذا الوطن. لا يمكن أن تمر مرور الكرام. وعلى من تلفظ بها أن (يقال) من رئاسة مجلس النواب وأن يحال على القضاء ... وعلى لجنة الانضباط داخل حزبه (التجمع الوطني الأحرار ).. إن كان لهذا الحزب حكماء حرصين على نظافة وسمعة البرلمان المغربي بغرفتيه.
لو تمعن هذا الكائن البشري الذي يتنقل بين الحكومة والبرلمان في قرار انسحاب برلمانيي تلك النقابة، لأدرك أنها أعطته هو والأغلبية داخل مجلس المستشارين درسا بليغا في السياسة والأخلاق. مفاده أنه لا يمكن الاستمرار في النقاش حول مشروع قانون يدرك الكل أنه سينتهي بتمريره كما تشتهي الحكومة. بعد المصادقة عليه من طرف الأغلبية باعتماد قانون (الأيادي المرتفعة).
وإن استمرار حضور أشغال (فيترينا) ليس سوى وسيلة لتسويق ديمقراطية مصطنعة. ولن يفيد في شيء بقدر ما يصيب الشعب بالإحباط أكثر فأكثر. لو اهتم رئيس مجلس النواب بالمساطر القانونية والأخلاقية المفروض سلكها قبل وضع المسودة الأولى القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب. لتنبه إلى أن صفته كممثل الأمة تفرض عليه الإنصات أولا إلى المواطن الأجير ، قبل حتى تسلم تلك المسودة الحكومية التي وضعت بشكل أحادي بتواطؤ مع الباطرونا . كما تفرض عليه البحث عن الأسباب والدوافع الحقيقية وراء لجوء الشغيلة بالقطاعين العام والخاص ومعها حتى فئات مختلفة من طلبة الجامعات ومراكز ومعاهد التكوين ليدرك جيدا هل احتجاجات الموظفين والطلبة وباقي الأجراء مبنية على أسباب ودوافع مشروعة، أم أنها مبررات واهية لعدم العمل والدراسة.
يمثل الأمة والسيادة الوطنية عليه أن يؤمن بالنقاش الجاد والمتجدد ولا يكتفي بإشهار بطاقة التصويت باعتماد الأغلبية. وضرب مصالح المواطنين. فالبرلمان أحدث لخدمة الشعب وليس لخدمة الحكومة والباطرونا. ولكم في مهزلة التصويت على هذا القانون الزجري للأجراء والطلبة خير دليل. فكيف يغيب 291 برلماني عن جلسة التصويت. ويمرر هذا القانون بتصويت 84 نائب فقط ، ومعارضة 20 نائب ؟. بهذه الدرجة المهينة يتم تمرير قانون لم تتجرأ على إخراجه أية حكومة مغربية. ذ صدور الدستور الأول للبلاد سنة 1962.
رشيد الطالبي العالمي .. حقيقة أنا (حشمت في بلاصتك).
