الخميس 13 فبراير 2025
فن وثقافة

عبد العالي بلقايد: أكدها الملك محمد السادس "قوة البلاد لا تقاس بالإقتصاد بل بالغنى الثقافي"

عبد العالي بلقايد: أكدها الملك محمد السادس "قوة البلاد لا تقاس بالإقتصاد بل بالغنى الثقافي" عبد العالي بلقايد ومجموعة العيطة الحوزية

ترافع الأستاذ الباحث عبد العالي بلقايد بصفته مهتما بالتراث الشعبي المغربي، في ورقة ترتبط بسؤال “احتقار” الحكومة موروث المغاربة الغنائي الشعبي” الصادر في العدد الجديد من أسبوعية “الوطن الآن” مستحضرا ما يسجله العديد من المثقفين المغاربة، على أن الدولة ليست لها إرادة لرد الاعتبار لموروثنا الثقافي والغناء الشعبي بمختلف أنماطه وروافده وتعبيراته، والدليل أنه إلى حدود اليوم لم يتم تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية كمؤسسة دستورية.

الأغرب من ذلك يتم التسويق للموروث التراثي الموسيقي والغنائي بشكل مبتذل بعد إفراغه من محتواه ومضمونه الجميل، في الوقت الذي كان لزاما على الدولة أن تعتبر هذا الموروث التراثي الشعبي من أولويات أجنداتها الوطنية على مستوى الحماية والتثمين والتحصين.

فهل هناك ما يبرر تقاعس الدولة المغربية التي ترفض إلى حدود اليوم، رد الاعتبار للموروث الشعبي والثقافي والغنائي والفني العريق سواء تعلق الأمر بالأغنية الشعبية الأصيلة، أو تعلق بفن العيطة المغربية؟

وكيف سمحت مؤسساتنا الوطنية ذات الصلة بترويج خطاب منحط يسفه ويبخس تراث فن العيطة خاصة والغناء الشعبي عامة؟ ومن هي الجهة التي تستفيد من تعميم صورة مبتذلة عن شخصية "الشِّيخَةْ" وتوجيه سهام النقد الهدام لها وإلصاق مختلف الصفات والنعوت والكلام الساقط المقرون بالفساد والعهر؟.

ـ إليكم جواب الباحث عبد العالي بلقايد

يقول عبد الكبير الخطيبي في كتاب النقد المزدوج، الصفحة 40 : "المغرب البديع آخذ في الزوال، تغطي اللامبالاة ذاكرته، إننا بمعنى ما، نتابع التهديم الذي بدأه الإستعمار، وعلم الأجناس، وليكن مفهوما نحن لا ندعو إلى الحنين الساذج إلى الأصل القديم"

هي دعوة صريحة لصيانة مخزون تراثي من المحو، وهي العملية التي بدأها الإستعمار الفرنسي في محاولة منه لتفكيك كل أسباب القوة المعنوية التي وقفت أمام كل محاولة تسعى إلى غصب الأرض وثرواتها.

لم تكن العيطة غناء فقط، ولم تكن نداء، ولم تكن إيقاعا لوحده، هي هذه الأشياء كلها، وأشياء من صميم الثقافة المغربية، فهل تقدم العيطة بعض أسباب التقدم مستقبلا على المستوى الثقافي على الأقل؟

وبتعبير النقاد فهي (نص ثاني)، أليست العيوط مجموعة من الملاحم الشعبية المحتوية لحكي شعبي، وصراع ملحمي، تحتاج تواصلا كأشكال برعمية للدراما، والسرد.

نخبتنا كان هواها إما مشرقي، أو غربي، فهل يمكن صياغة مستقبلنا الموسيقي خارج ما كناه؟ ألا يمكن أن تشكل موسيقانا التقليدية آلية من آليات الديبلوماسية الشعبية للترويج للكثير من قضايانا الحيوية؟

في هذا السياق يؤكد الأستاذ عبد القادر الحنابي في إحدى مقالاته بقوله: "المغرب يشكل مدارة تلتقي عندها الكثير من الثقافات، ألا يشكل هذا المعطى أرضية ليكون المغرب مركزا للحوار بين الحضارات والثقافات، من خلال موسيقاه كما فعلت باكستان عبر الموسيقار فاتح علي خان، الذي يعتبره البعض موسيقار الحضارات ورمزا لإيقاع المحبة بين الأديان والشعوب...فنصرت كان هو الرسول الأكثر تأثيرا في عصرنا لإشاعة الوله الصوفي في العالم، لقد أخرج الموسيقى الصوفية الباكستانية من المزارات إلى العالمية" .

 

ـ في سبيل تعزيز التنوع الثقافي واللغوي:

أمام هذا التنوع الثقافي واللغوي، يبدو أن الدعوة إلى ميثاق إجتماعي - ثقافي لصون مصالح جميع الشرائح وإبراز عدالة ثقافية، وهو ما أجاب عنه دستور 2011، بإقراره مؤسسة دستورية تتحدد في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. (ميثاق إجتماعي - ثقافي هو ما يعطي المشروعية والفاعلية لبقية وسائل الإرتباط الطوعي للجميع. عبد الصمد بلكبير شعر الملحون الظاهرة ودلالاتها الصفحة 37  (

 الميثاق الإجتماعي - الثقافي  لن يكون إلا ما أقره الدستور الذي يشرعن التعدد كخصيصة مميزة للثقافة المغربية والتي لا تنتصر للواحدية le neutre حسب تعبير الخطيبي.

لنأخد المغرب كمثال: نعرف أنه له تقليديا ثقافة شفهية عظيمة: شعر، وموسيقى، وغناء، ورقص، ورسم...وسياسيا وإثر استقلال البلاد، نلاحظ بأن الطبقة التي تبوأت مراكز السلطة إنما كانت طبقة مدينية، وقد اتخذت من البورجوازية الفرنسية أساسا، ومن مصر ثانيا نموذجا لها في التحضر، قد يترتب على ذلك أنه بدلا من أن تكون لنا ثقافتان متميزتان بوضوح (إحداهما ارستقراطية والثانية شعبية) تسود عندنا شمولية بورجوازية صغيرة، هذا معناه انتصار حقيقي لمفهوم le neutre.”. عبد الكبير الخطيبي، النقد المزدوج، ص: 51.

قد يكون هذا الصنيع مقبولا في مرحلة الإستعمار زمن مواجهة الأخر الغاصب للأرض، أما في مرحلة الإستقلال، فلن يعدو أن الأمر تهميشا لمكون أساسي أنتج معاني ودلالات لمواجهة الغرب الذي كانت غايته امتلاك مقدرات البلاد وتشويه المعاني المشكلة لثقافة المقاومة من شعر وغناء .

وحسب الباحث الدكتور حسن نجمي فقد أكد على أنه: لا يمكن فهم العمق التاريخي للشعب المغربي، إن لم نفهم أيضا تاريخ الإحتفال الشعبي، تاريخ صناعة الفرح وإجهاضه، تاريخ المناحات، أيضا لنتذكر باختين الذي يرى بأنه بدون الثقافة الشعبية لا يمكن فهم الحياة والصراع الثقافيين والأدبيين للعصور الماضية حسن نجمي - كتاب غناء العيطة الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية في المغرب ـ

لقد أضحى رد الإعتبار للموسيقى التقليدية ومنها العيطة من ضرورات وروافع المشروع المجتمعي الذي يتشكل بشكل دينامي بالتفاعل مع ومن خلال فعالية العمران البشري، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال إقبار الصورة الدونية التي تم ترسيخها حول (الشِّيخَةْ) والأشياخ، حرّاس كنوزنا الرمزية، والتي وبفعل ميزانها الموسيقي الخماسي تتعالق مع موسيقى الكثير من الحضارات بآسيا وأمريكا، وبفعل أنفاسها الصوفية تحقق إمكانيات للتواصل مع كافة الحضارات وذلك يقتضي ثقافة النظر كما فعلت باكستان، والهند .

على سبيل الختم: قوة البلاد لا تقاس بالإقتصاد بل بالغنى الثقافي كذلك

إذا كان التعدد اللغوي والتنوع الثقافي معطى تعرفه غالبية المجتمعات، فقد يشكل عامل قوة إن هو تم تفعيله من خلال مؤسسات ديمقراطية، وقد يكون عامل ضعف إذا جرى تجاهله، وقد أدركت الدولة المغربية ذلك المعطى وانعكاساته على التماسك الاجتماعي والسياسي، ولأجله تفاعل الملك محمد السادس وعبّر في أكثر من مناسبة بأن قوة البلاد لا تقاس بالإقتصاد بل بالغنى الثقافي كذلك، وهو ما أفرز المجلس الوطني للغات والثقافة والتنصيص عليه في دستور 2011، والمصادقة على قانونه التنظيمي في عام 2020.

إن الرهانات المنتظرة من المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية كبيرة، تقتضي الترجمة إلى سياسات عمومية تقطع مع الإرتجال والتخبط، وقصر النظر، وإيجاد حلول واقعية لمواجهة تحديات العولمة وتأثيرها على الثقافة واللغات المحلية، وإذا كان التعدد الثقافي واللغوي ميزة ميّزت المغرب عبر العصور، فإنه تعدّد كرّسه دستور سنة 2011.

عبد العالي بلقايد مهتم بالتراث الشعبي