الخميس 13 فبراير 2025
كتاب الرأي

مولاي عبد الحكيم الزاوي: التفكير أولا

مولاي عبد الحكيم الزاوي: التفكير أولا مولاي عبد الحكيم الزاوي
أن تمتهن مهنة التدريس، في لُجَّة عواصف هوجاء حُبلى بالمفارقات والمخاضات، ناسفة لأرصدة ما تبقى من مَعين العقلانية والأنوار..فأنت كمن احتجز مكانا للشقاء السرمدي من دون أن يجد من يُؤنسه في مشاركة هذا الهم.

أجد نفسي دائم الانهجاس بذلك الذي يسكنني وأسكنه على نحو غريب، بذلك الدرس المعرفي الذي أُقدمه. أتكلم ها هنا عن الدرس بألف لام التعريف؛ درس للتفكير وليس درس للأفكار، هذه فقط تفصيل جوهري لفهم باتولوجيا الفعل التربوي...حينما لا نُشيع التفكير وننتصر لصدى الأفكار وعُمقها، تكون ممارستنا بلا قيمة، ونكون بذلك نحن معشر الأساتذة قد أضعنا وقتنا ووقت المتعلمين.

يظل شاغلي الأساس هو هذا الدرس الذي جُرد من ثيابه، وصار عاريا مكشوفا أمام الجميع، بلا عمق مفاهيمي واشكالي، بلا أفق نقدي، بلا ورثة مشعل، بلا بوصلة ولا مرفأ وصول...أجد نفسي دائما محاطا بكومة أسئلة من طرف المتعلمين، لا فكاك لي منها، كيف يمكن لهذا الدرس الذي يمارس علينا عنفا معرفيا أن يتموقع ضمن النظام العام للأشياء، أن يشتبك مع التفاصيل الدقيقة للحياة، أن ينتقل بنا من حياة درس إلى درس للحياة، قابل للسكن والسكنى؟

يسائلني الدرس دوما في بدئي ومُنتهاي، كلما هممت بأن أكتب عنوانه، أو أن أنهي تسويده، يجعلني أخوض لوحدي يوميا معركة حيوية من أجل الوضوح، وضوح الرؤية والمنطق، وضوح المبتدأ والمنتهى، في حاضر شديد الالتباس والتشبيك...أتساءل دوما هل أستطيع بهذا الدرس التربوي أن أكسب رهان تحصين الإنسان من التطرف وأزمة المعنى وجموح العقل نحو الشر؟ هل يمكنني أن أحوله من درس للحروب والأزمات والبؤس والمكر نحو درس لإشاعة الأمل والحب والسعادة كما يقول وليام رايخ، أن أشيع الحب لا الحرب، أن أعيد به ومن خلاله الرُّشد للإنسان والانسانية في زمن الاقتتال...

وأنا أترنح يمينا ويسارا، بحثا عن الخلاص الأبدي، أجدني مستحضرا السوسيولوجي ايفان إليتش صاحب "أطروحة مجتمع بلا مدرسة" وهو يتحدث عن القتلة الجدد، القتلة الجدد هم نحن معشر الأساتذة، نقتل المعرفة حينما لا نصل بها إلى نهايتها، إلى بر الآمان، حينما نجعل التاريخ هو الماضي، والجغرافيا هي الكون، والفلسفة هي سلسلة أقوال متوارثة. النهاية التي أعني هي أن تبدو المعرفة كأفق للتحرر، كرؤية للحياة، كمشروع واختيار ومنهج، كمبعث على التثوير...

أومن بأني أقع في قلب معركة هوجاء، مجردا من كل شيء غير عقلي، وبأن مخطط الاستهداف، استهداف العلوم الانسانية يمر على مرمى قريب مني دون أن أقدر على مواجهة الموج لوحدي، فهل من مغيث؟.