الثلاثاء 11 فبراير 2025
كتاب الرأي

محمد أوزين: الحركة الشعبية تشرع للوطن وليس لموقع في الوطن

محمد أوزين: الحركة الشعبية تشرع للوطن وليس لموقع في الوطن محمد أوزين
تساءل العديد عن حزب الحركة الشعبية وهو يصوت بالإيجاب على قانون تنظيم الإضراب. كيف؟ وصوت السنبلة المعارض صادح، ومن المنابر لكل اعوجاج هو فاضح. 
 
وبقدر ما سرنا اهتمام العديد بموقف السنبلة الذي اعتبروه فريدا، يسرنا أن نسوق التوضيحات التالية لنبسط للمتتبع كل ما يفيد. 
 
وهنا، لابد في البداية من التأكيد على أن القانون التنظيمي المحدد لشروط وكيفية ممارسة الإضراب يعتبر إحدى القوانين الأساسية المكملة للدستور، وهو قانون ظل في رفوف البرلمان منذ 2016، وحبيس أحكام الدستور منذ 1962، مما خلق فراغا تشريعيا في مجال التأطير القانوني لحق تنظيم وممارسة الإضراب وترك المجال للسلطة التنفيذية في تقدير وتكييف تفاعلها مع هذا الحق المشروع وفق السياق ووفق المزاج. 
 
لهذا، لا نختلف اليوم جميعا حول الحاجة الى هذا التشريع، مؤمنين غاية الإيمان أن درجة الاختلاف تكمن في الاجتهاد لإحاطة هذا الحق بضمانات واضحة تحقق التوازن المفروض بين حقوق الأجراء وحقوق المشغلين وحقوق المجتمع وفوقها جميعا حقوق الوطن. 
 
كان هذا حافزنا وراء مطالبتنا للحكومة لأكثر من مرة بإخراج هذا المشروع من الرفوف والمعطل منذ عشر سنوات، وإخضاعه  لحوار مؤسساتي داخل البرلمان سواء في بعده السياسي والحقوقي داخل  مجلس النواب، أو على مستوى أبعاده الاجتماعية والاقتصادية على مستوى مجلس المستشارين الذي يشكل بتركيبته الترابية والنقابية والمهنية  الإطار الأمثل للحوار الاجتماعي الحقيقي والمنتج . 
 
لهذه الاعتبارات، ومن باب مسؤولياتنا البرلمانية والتاريخية، انخرطنا في هذا النقاش كفريق برلماني يستمد مرجعيته من حزب الحركة الشعبية الذي شكل، منذ ميلاده ولايزال، قلعة للدفاع عن مغرب المؤسسات علاوة على الحرص على توازن الحقوق والواجبات، وباعتباره مصدرا أساسيا لتحصين مغرب الحريات وحقوق الإنسان بأجيالها التقليدية والجديدة.
 
على هذا الأساس. ولأننا معارضة وطنية صادقة ومسؤولة ومبادرة، ساهمنا، بجدية ورؤية متوازنة، في تجويد المشروع وجعله حقا وفعلا قانونا ينظم الحق ولا يقيده، وبادرنا  في مجلس المستشارين، كما في مجلس النواب، الى  تقديم تعديلات مؤثرة حظي مجمل مضامينها بالقبول، كما لم نتمكن من تمرير تعديلات أخرى بحكم التوازنات السياسية وميزان القوى المؤطرة لصناعة القرار داخل المؤسسة التشريعية بمنطقها التمثيلي والانتخابي. 
 
ولأننا واقعيون ونؤمن بأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، حرصنا على أن يطال التغيير المشروع في العديد من مفاصله التي تحمل مخاوف لدى الأجراء، والتي من شأنها عرقلة الحق في اللجوء الى الإضراب كخيار نهائي كلما تم المساس بالحقوق والمكتسبات، دون التفريط طبعا في الحقوق المشروعة لباقي الأطراف وفي صدارتها المجتمع.  
  
وبنفس الروح الإيجابية، ولأننا نعتبر أن الإضراب ليس غاية في حد ذاته، فقد أكدنا، من موقعنا في المعارضة البناءة، على ضرورة مواكبة هذا القانون التنظيمي بعرض مشاريع موازية من قبيل القانون المنظم للنقابات المهنية، والمراجعة الشاملة لمدونة الشغل، وإصلاح أنظمة التقاعد بعيدا عن جيوب وأعمار الأجراء والموظفين، وإصلاح شمولي للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، وحذف كل العقوبات الجنائية في هذا النص الحقوقي وفي جذورها، والتي لازالت قائمة في القانون الجنائي خاصة الفصل 288، إلى جانب الحرص على تحسين الأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية للأجراء وتحصين الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجالية للمواطنين والمواطنات، وحينها سيصبح اللجوء إلى الاضراب والتظاهر السلمي آخر الهواجس. 
 
بناء على هذه الأسس والمنطلقات، نؤكد مرة أخرى أن غايتنا الاستراتيجية في مرجعيتنا وفي أفقنا السياسي الحركي هي تعزيز منظومة العمل الجماعي بعيدا عن المواقع العابرة، والسعي الأكيد لتقوية الأدوار التمثيلية والتأطيرية للوسائط المؤسساتية حتى لانترك المجتمع فريسة للقطاع السياسي غير المهيكل وغير المنظم.
  
ورفعا لكل لبس، ولأن معارضتنا الأكيدة والمتواصلة للحكومة لا تعني اتخاذ مواقف تحت الطلب أو خدمة لأجندات معينة، فقد كان موقفنا إيجابيا من هذا القانون الاستراتيجي بعمقه الحقوقي والمجتمعي، لأنه فعلا جاء بصيغته المعدلة مترجما لرؤيتنا ولخيارات البديل الحركي التي تقرن الحقوق بالواجبات، وتؤسس لربط الحرية بالمسؤولية، وتنتصر للوطن والمواطن وترفض التشريع ضد حقوق المجتمع أولا وأخيرا.
 
وفي هذا السياق، صوتنا لصالح هذا المشروع من منطلق مرجعيتنا في الحركة الشعبية كمكون أساسي في المعارضة البناءة، يتقدم بالمقترحات ويصنع البديل، يشرع للوطن وليس من أجل موقع عابر في الوطن.
  
كان موقفنا ايجابياً، لأن مقترحاتنا وتعديلاتنا وجدت طريقها الى مضامين المشروع، مع الحرص الأكيد على ألا يحرم كل ذي حق حقه.
 
وكذلك، لأننا لمسنا في الصيغة المعدلة للقانون توازنا واضحا بين حقوق الأجراء والمواطنين، وحقوق المشغلين، وحقوق المجتمع.
  
كما سجلنا، بشكل غير مسبوق، تغيير الحكومة لمنهجيتها في التعامل مع المعارضة ومع مختلف مكونات المؤسسة التشريعية، من خلال احتكامها، لأول مرة، إلى فضيلة التشاور والتفاعل الإيجابي مع مقترحاتنا وتعديلاتنا.
 
وللإشارة، فقد صوتنا كمعارضة إيجابيا على العديد من القوانين في مناسبات أخرى وعلى مشاريع مهيكلة أكثر تأثيرا من الناحية الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجالية، ولم يحظ تصويتنا لفائدتها بالانتباه. فما السبب يا ترى؟
 
إن قناعتنا الراسخة كحركة شعبية هي التشريع للمجتمع والوطن وليس لفئات بعينها أو لتيار معين، ولا نعارض من أجل أن نعارض، ولأننا مؤمنون غاية الإيمان بضرورة إخراج هذا القانون التنظيمي لتنظيم حق الاضراب وتقييد السلطة التقديرية للجهاز التنفيذي في تكبيل هذا الحق الدستوري المشروع.
 
تفاعلنا إيجابيا مع هذا القانون، لأنه لم يعد كما كان عليه في نسخته الاولى سنة 2016. ونتطلع اليوم الى إرفاقه بإصلاحات موازية، وأن تلتزم الحكومة بنفس المنهجية التشاورية وبنفس المنطق الداعم للحوار المؤسساتي، لأننا ننتصر دوما للحوار المجتمعي الموسع بدل الحوار الاجتماعي بصيغته التقليدية وبتركيبته الضيقة ونتائجه المحدودة. 
 
ولأن الشجاعة السياسية لها ثمن، كان من المرتقب والمتوقع أن يخضع موقفنا من هذا القانون الاستراتيجي للتأويل، وللتهجم المجاني المرتبط بنرجسية بعض الأطراف التي تريد المعارضة الحركية على مقاسها، وتحت إمرتها، وجعل التشريع في خدمة "السيبة" والفوضى وفي خدمة أجنداتها المجهولة والمعلومة. 
 
وللذكرى والتاريخ، فمعارضتنا الحركية تدافع عن الأمور والقضايا المعقولة وتدرك جيدا أن القضايا المعقولة لن تجد زبناء وطبالة وحاملي مزامير أكثر من القضايا المثيرة والمتطرفة. 
 
نحن نصنع مواقف لنبني ونؤسس وليس لخدمة مصالح ودغدغة عواطف.  نحن نشرع لوطن لا لمواقع داخل الوطن. نشرع للمستقبل كما نراه ونريده وليس كما يريد من لا يشاطرنا القناعات أن يراه.  
 
نصنع مواقف للتاريخ ولمصلحة الوطن بوفاء وبدون إغراء أو إغواء، وبعيدا عن حسابات الانتماء، لأننا منذ بداية المسار أمنا ولا نزال وسنبقى أوفياء للوطن وليس لفئة من فئات هذا الوطن، وللجميع دروس في مسار هذا الحزب الوطني الصادق، بعمقه الشعبي الأصيل، الذي جعل من المغرب أولى أولوياته وفوق كل الحسابات والايديولوجيات، بتلقيح من الحمض النووي للفطرة الحركية التي جعلتنا ولاتزال لا نخضع لأي مزايدات ولا نلتفت إلى كل لافتراءات. 
    
ختاما، نتطلع صادقين إلى مواكبة هذا القانون بحملة تواصلية وإعلامية مكثفة تصحح المغالطات السائدة في صفوف الرأي العام، والتي يعتبر بعضها أن صدور هذا القانون في حد ذاته يعني منع الاضراب، بينما البعض الاخر لازال يناقش الصيغة الأولى للمشروع قبل التعديل. 
 
هو تمرين حكومي، تخطئه الحكومة مرة أخرى كعادتها، نتيجة عقمها التواصلي وإفلاسها الإعلامي، وهو ما يفسح المجال للايقين في زمن الحيرة وسيادة الشك وفناء اليقين.