الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: كونوا مثلنا... بشرا

عبد الحميد جماهري: كونوا مثلنا... بشرا

لماذا نريد أن نعلق رئيس الحكومة بنكيران وحده، على قضية تدخله لفائدة فلذة كبده؟ أليس أبناؤنا أكبادنا تمشي على الأرض.

هو أيضا تدخل لفائدة ابنه، (ومالو علاش اللا؟)

من لم يتدخل لابنه فليرمه بحجر..!

كان من الممكن أن أقتنع بكلام صديقي، وهو يدافع بصرامة عاطفية لا تضاهى، لولا أن البعض الآخر تدخل للدفاع عن السيد الرئيس، ليقول لنا بأن تخلى عن تعويضات لا تقدر بثمن.
عندما يقول من يدافع عنه بمثل هذا القول، يرفع عني الحرج وأتحدث عن ابن بنكيران، عن زياد بن أبيه، أو أسامة بن أبيه الذي تدخل له، لدى مسؤل ما لكي ينال غرفة في الحي الجامعي بسطات.

(ويلا ما صدقتونيش ها باها يكذبني!).

طبيعي للغاية أن يبحث أب لابنه، حتى ولو كان رئيس حكومة، ولكن غير الطبيعي هو أن يقال لنا أنه دفع بابنه إلى الحي الجامعي، ولكنه تخلى عن تعويضات مهمة.

أسيدي علاش ما شدش التعويضات اللي عطاها ليه القانون، ويشد ولدو عندو، ويهنينا؟

الأمور في الواقع ليست بهذه البساطة.

طبيعي أن يبحث لابنه عن مكان تحت سقف الجامعة، ولكن غير الطبيعي ألا يكون هو وحده الذي فعل ذلك، بل سبقه وزيره في النقل، صاحب اللوائح ( اللائحة والمتردية وما عاف السبع  الشهيرة).
هو أيضا نجح في أن يضع اسم ابنته في لائحة الحي الجامعي في الرباط.

وهو أيضا اعتبر ذلك من حقه، وهو كذلك بالنسبة لأب، وأي أب، لكن التبرير الذي قدمه يشي بأن عقدة ضمير موجودة (على الأقل هناك ضمير)، عندما حرص على أن يبرر دخول فلذة كبده إلى الحي، وهو وقتها رئيس جماعة.

المعروف لدى الطلبة ولدى آبائهم أن وضعية رئيس جماعة ليست وضعية من يحتاج فعلا إلى السكن الجامعي.. ورئيس الجماعة عندما يصبح وزيرا لا يمكنه أن يبرر بقاء ابنته في الحي بدعوى أنه يريدها أن تعيش الأجواء الجامعية..

كان يمكن له أن يتدخل لابنته، كما نفعل كلنا، لكنه لم يكن وحده، الذي بادر، إلى جانب رئيس الحكومة، بل سبقهما المرشد العام محمد الحمداوي، الذي ورط معه الوزير الطيب الناطق الرسمي باسم الحكومة. تفاصيل الحكاية هي أن الأخير تدخل لابن المرشد الحمداوي من أجل أن يكون له موطئ قدم في أحد الأبناك.

لا عيب في ذلك، وأقولها بكل صدق، لكن كان يمكن أن يعتبر ذلك من الأشياء التي يسمح له ولمغاربة آخرين بها، في ميزان محدد تحكمه العاطفة لا الحق!

المشكلة مع إخواننا في الحكومة، هي أنهم يعتبرون ذلك أخلاقيا، وما ليس أخلاقيا هو أن يتحدث أحد ما عن ذلك.

لهذا كان من غير المنطقي أن نسمع دفاع بنكيران ولا نشعر بالغضب.

يريد منا أن نخجل مما فعله هو ونصمت في ما تحدث هو فيه.

لا نشك بصدق إيمانك، وذلك مرده إلى فاطر السماوات والأرض، ولكن نحن أمام قانون الشأن العام وتقاليد السياسة و معيار المسؤولية السياسية والأخلاقية..

كلنا دافعنا عن أبنائنا وبناتنا، من أجل أن يكون لهم موطيء قدم، وسندافع عن ذلك مع آخرين، علنا «نكون من بين السبعة الذين سيظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله: من الناس الذين تقضى على أيديهم حوائج الناس». ولا بأن اعتبرنا بعضا من دمنا ولحمنا .. ناسا!!

أستسمح السي أحمد التوفيق، إذا استعرت عنوان روايته «ووالد وما ولد»، لكي أقول لرئيسه في المشور السعيد، أن الدفاع هو الأخطر في الحكاية، وليست الحكاية نفسها..

الدفاع الذي يجعل من يتحدث في موضوعكم موضع تهمة. كما لو أن الشريعة الوحيدة الممكنة هي أفعالكم.

فأنتم لم تسلموا أبنائكم (لحد علمنا) صفقات المشاريع الكبرى، ولا المناصب الرفيعة، وهي شهادة حق نقولها، وقد سبقكم مناضلون تخلوا عن التعويضات التي تقولون بها اليوم ولم يفوهوا بكلمة، ولا هم تدخلوا لأبنائهم أو عائلاتهم، ولم يسعوا إلى أن يشعر من يتهمهم (باطلا ما زال) بالتهمة. كونوا مثلنا بشرا، لكم نقط ضعف، بفلذات الأكباد، ونستسمح لكم شعبكم عن خطاياكم، وإنه ليغفر الضعف الانساني ,أما التعالي (ولا تمشي في الارض فخورا)، فإنه لن يجنبكم..

كان فولتير قد خاطب ابنه بالقول «في القصور.. يا بني الفن الأكثر ضرورة ليس هو حسن الكلام بل.. أن تعرف الصمت».

كذلك في الحكومات أيضا، ليس الأهم هو أن تتكلم عن شيء إنساني، ينطبق عليك كما ينبطق على غيرك، لكن أن تعرف الصمت حتى لا تظهر بمظهر من يريد أن يشعر الآخرين ..

 بخجله.

وختاما صدق الحكيم كونفوشيوس عندما قال: تذكر دائما أن ابنك ليس ابنك، بل هو ابن زمانه!