أمر مثير الجحود الذي يقابل به المنجز العلمي للمؤرخ المغربي محمد الأمين البزاز وسيرته، ليس فقط من الجهات الرسمية أكاديميا في المغرب (الجامعة المغربية)، بل حتى من المنطقة التي ينتمي إليها (أصيلة) المعروفة عادة بتقاليدها الثقافية والعلمية في الوفاء لذاكرة أعلامها.
الرجل حجة ضمن مدرسة التاريخ المغربية، كان له فضل الإنتباه باكرا للتاريخ الإجتماعي للمغرب والمغاربة، مسنودا بامتلاكه ناصية اللغات الحية (الإسبانية، الإنجليزية والفرنسية) وتمثله الدقيق للغة العربية. حيث يعتبر من أوائل المؤرخين الذين شغلتهم أسئلة تاريخ ساكنة المغرب إحصائيا وطبيا وفلاحيا وتجاريا، مما مكنه من امتلاك رؤية دقيقة لقصة تشكل "الإنسية المغربية" كحقيقة معاشة فوق فضاء جغرافي معين هو "المغرب". حيث معه يفوز القارئ دوما بشرح لمعنى تشكل قصة المغاربة في التاريخ مختلفة عن كل الأطاريح الأجنبية أو الكلاسيكية المغربية. بالتالي فالرجل مجتهد بدرجات عالية من الريادة.
مثلما أن مجلته العلمية "دار النيابة" التي غامر بإصدارها منذ الثمانينات رفقة زميله وابن منطقته بشمال المغرب المؤرخ والباحث عبد العزيز التمسماني خلوق، تعتبر من أنضج المراجع العلمية في مادة تاريخ المغرب إلى اليوم، لما تتضمنه من وثائق ناذرة ودراسات تحليلية علمية رصينة لجيل من الباحثين والمؤرخين المغاربة.
إن من حق الرجل علينا أن نكرمه عاليا كقيمة معرفية، ليس فقط من خلال تخليد اسمه بمدينته أصيلة أو بمدن تطوان وطنجة والرباط (ساحة أو ثانوية أو معهد عال)، بل أيضا من خلال إعادة تجميع أعداد مجلته العلمية "دار النيابة" وطبعها في مجلدين أو ثلاث (وهذا من مهام وزارة الثقافة المالكة للإمكانيات التقنية واللوجيستية والمالية لذلك). وكذا تجميع كل دراساته المتفرقة بين هذه المجلة العلمية أو تلك وإصدراها في كتاب واحد (هذه مهمة كلية الآداب بالرباط التي كان من أنشط وأهم أساتذتها). على أن الأمل كبير في أن تبادر عائلته الصغيرة إلى تأسيس مؤسسة علمية تحمل اسمه تضم كل أرشيفه الغني من الوثائق والمخطوطات التي بعضها استقدمه من واشنطن ونيويورك ومدريد ونانت، تماما كما فعلت عائلة رفيقه وصديقه المؤرخ المغربي عبد العزيز التمسماني خلوق، لأن من حق الأجيال الجديدة من الطلبة والباحثين والمؤرخين الإفادة من تلك الثروة العلمية الرفيعة.