تتكرر حرائق الغابات في مناطق عدة على امتداد رقعة كوكبنا الأرضي عاما بعد عام، تلتهم مساحات شاسعة من الغطاء النباتي، وتهدد العمران والأرواح، وتترك خلفها دمارا يعكس فداحة الخسائر.
لكن هذه الحرائق ليست مجرد ألسنة نار تشتعل في الغابات، بل هي أيضا انعكاس لحرائق أخرى تشتعل في أعماق الإنسانية. إنها ليست فقط كارثة بيئية، بل رمزا لما أشعلته البشرية في نفسها وفي العالم من دمار وصراعات وتجاوزات.
الحرائق المندلعة في لوس أنجلوس ليست حدثا مفاجئا أو استثنائيا، بل هي نتيجة مباشرة لتراكم أخطاء البشر، فالتصاعد المستمر في درجات الحرارة بسبب التغير المناخي والإحتباس الحراري وتدمير الغابات والنمو العمراني غير المنظم وسوء إدارة وتدبير الموارد الطبيعية كلها عوامل تجعل هذه الكوارث أمرا حتميا.
إن البشرية في سعيها وراء التقدم السريع، لم تتردد في التضحية بسلامة كوكبها، متجاهلة تحذيرات الخبراء البيئيين والمراكز العلمية المتخصصة التي مافتئت تدق نواقيس الخطر، وآثرت تقديم مصلحتها الآنية على حساب التوازن البيئي المطلوب. وعليه فإن حرائق لوس أنجلوس إنذار جديد وتذكير صارخ بأن الطبيعة لا تسكت عن العبث بها، وأن لكل فعل بشري ثمنا يدفع عاجلا أو آجلا.
لكن وراء هذه الحرائق المادية، هناك حرائق رمزية تشتعل داخل الإنسان وفي المجتمعات، هي حرائق الحروب والصراعات والانقسامات حيث يعيش العالم في حالة من الإضطراب المستمر، وتتحكم المصالح السياسية والإقتصادية في القرارات دون اعتبار لحقوق الإنسان أو سلامة البشر . فالدعم الأعمى للصراعات والحروب كما هو الحال اليوم في الحروب الظالمة ضد الشعوب المستضعفة هو صدى لتلك الحرائق التي تغذي نيران الغضب واليأس داخل المجتمعات وتكرس قيم الكراهية وتنشر ثقافة وفكر التطرف في المجتمعات والشعوب. وليست الحرائق التي تشتعل في الغابات سوى انعكاس للحرائق التي نشعلها بأنفسنا: حرائق الاستغلال، والظلم، والتجاهل المتعمد لمصير الآخرين.
حرائق لوس أنجلوس، وما تتعرض له غزة من تدمير وإبادة تقدم لنا دروسا لا يمكن تجاهلها، فهي دعوة إلى إعادة التفكير في علاقتنا بالطبيعة وببعضنا البعض. فإذا كنا قادرين على إشعال الحرائق، فإننا أيضا قادرون على إخمادها ولكن هذا يتطلب تغييرا جذريا في سلوكنا، يبدأ من احترام محيطنا البيئي حد القداسة، وينتهي بإعادة بناء عالم يقوم على العدل والمساواة والكرامة والمحبة وغيرها من القيم السمحة التي بشرت بها الديانات بمختلف مرجعياتها.
وعلينا أن ندرك أن الأرض هي بيتنا المشترك، وأن كل ما نفعله يؤثر على توازنها والتزام الدول والحكومات بسياسات مستدامة ليس خيارا، بل ضرورة وجودية.
ويظل السؤال الذي يجب أن نطرحه هو: هل لدينا الشجاعة لإطفاء النيران قبل أن تحرقنا بالكامل؟