في خطاب ألقاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أعياد رأس السنة الميلادية، أعلن أن عام 2025 سيكون "حاسما" لمواصلة القتال في ساحات المعركة، بهدف تحقيق "مكاسب استراتيجية" مشددا على وجوب خوض النضال اليومي لضمان بقاء أوكرانيا قوية بما يكفي، لفرض احترامها ويُسمع صوتها، سواء في ميدان القتال أو أثناء المفاوضات.
أولاً، لا يُعلم كيف سيواصل زيلينسكي الحرب في ظل المُعْضِلاَتْ التي تواجهها قواته المسلحة، مع انهيار جبهات القتال تحت ضربات القوات الروسية التي تواصل السيطرة على مزيد من أراضي إقليم دونباس. إضافة إلى ذلك، يعاني الجيش الأوكراني من نقص في العنصر البشري بسبب الخسائر الفادحة في صفوفه، رغم مرسوم التعبئة العسكرية الذي وقع عليه زيلينسكي وصادق عليه البرلمان الأوكراني في أبريل من العام الماضي. وهذا يعكس عدم رغبة الشباب الأوكراني في المشاركة في القتال خوفاً على حياتهم.
ثانيا، أن الصراع الدولي لا يُبنى على تصورات نابعة فقط من ذهن صاحب القرار السياسي، بل يجب أن يتناغم مع استراتيجية واقعية تتماشى مع الإمكانيات المتاحة لتحقيق الأهداف المرسومة، ولا بد من الفهم الدقيق لقوة الخصم ووزنه في المشهد الدولي المتسم بالتقلبات، زد على ذلك متانة التحالفات الدولية التي تُعد عاملاً مؤثرا في مجريات الصراع، إذ تتغير مع تطوره وفقاً لمصالح الأطراف الداعمة التي قد تشعر في مرحلة ما أن الأمور لا تسير كما هو متوقع، ما يدفعها إلى تغيير نهجها وسحب دعمها، وبالتالي يؤدي ذلك إلى انهيار الطرف المدعوم.
والأكثر من ذلك، أن مواقف الدول الغربية تجاه دعم أوكرانيا تشوبها انقسامات، وذلك بسبب تداعياته السلبية على اقتصاداتها وتأثيره على مستوى معيشة مواطنيها في ظل أزمة التضخم التي يعانون منها. بالإضافة إلى ذلك، هناك اقتناع لدى بعض القادة الغربيين بعدم جدوى الدعم، طالما أن الجيش الأوكراني لم يحقق أي تقدم ملحوظ على ساحة المعركة منذ نحو عام، باستثناء عملية كورسك التي نفذتها القوات الأوكرانية في أغسطس من العام الماضي، لكنها لم تحقق الأثر الاستراتيجي المطلوب.
وهنا يطرح السؤال لماذا يصر زيلينسكي على مواصلة الحرب مع روسيا رغم هذه الصعاب؟
هنا نكون أمام ثلاث فرضيات:
الفرضية الأول: أن القيادة الأوكرانية تفتقد إلى الرؤية السليمة لإدارة الحرب التي تجعلها تقيس الأمور من منظور غير واقعي للصراع، أو أنها عاجزة عن فهم التحولات التي تحدث من حولها سواء على الصعيدين الميداني أو السياسي أو إما أنها لا تريد فهم ذلك.
الفرضية الثانية: المراهنة على دعم الرئيس الأمريكي العائد لحكم البيت دونالد ترامب في العشرين من الشهر الحالي حيث عبر زيلينسكي في تصريح خص به التلفزيون الأوكراني عن أمله في الحصول على دعم ترامب لإعادة التوازن إلى جبهات القتال مع روسيا أو على الأقل إيقاف روسيا في أسوأ الأحوال.
الفرضية الثالثة: ترى في استمرار الحرب أفضلية لها على الجلوس على طاولة المفاوضات لأن ذلك يعني تقديم تنازلات لفائدة روسيا لذلك ترى في مواصلة القتال أملا قد يحقق لها الانتصار أيا كان شكله لتعزيز موقفها التفاوضي في حالة اللجوء إلى مفاوضات السلام.
ومع ذلك، لن يؤدي قرار القيادة الأوكرانية بمواصلة الحرب إلى تغيير مسارها لصالحها في ضوء المعطيات الحالية. إن الاستمرار في القتال يعني المزيد من الخسائر في الأرواح التي يصعب تحملها. كما أن الرهان على الدعم الغربي لن يؤدي إلى أي نتيجة، بغض النظر عن نوعه، بشهادة الخبراء العسكريين الغربيين.
خلاصة القول، إن قرار أوكرانيا مواصلة الحرب يبقى محفوفًا بالمخاطر في ضوء التحديات العسكرية والاقتصادية والداخلية التي تواجهها، فضلاً عن الخسائر البشرية الفادحة في صفوف الجيش الأوكراني. إضافة إلى الانقسامات السياسية والاقتصادية في الغرب بخصوص الدعم المقدم لها، لكن في النهاية، سيعتمد استمرار الصراع على مدى قدرة القيادة الأوكرانية على التكيف مع المعطيات المتغيرة وقيادة شعبها في ظل ظروف بالغة التعقيد.
كاتب وباحث مغربي في الشؤون الروسية والدولية.