الثلاثاء 18 فبراير 2025
اقتصاد

المنظمة الديمقراطية للشغل.. سنة 2024: حصيلة حكومية متواضعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية

المنظمة الديمقراطية للشغل.. سنة 2024: حصيلة حكومية متواضعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية علي لطفي الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل
في قراءة نقدية من المنظمة الديمقراطية للشغل، وتحليل شامل للحصيلة الحكومية لسنة 2024، اعتبر المكتب التنفيذي للمنظمة الديمقراطية للشغل في تقرير له لهده السنة أن الحصيلة الاقتصادية الاجتماعية للحكومة المغربية في سنة 2024 ضعيفة، فيما تم التركيز على أهم الإنجازات، والإخفاقات في المجالات الاجتماعية التي تهم المواطن المغربي، كمت كشف التقرير عن تأثير السياسات الحكومية على الطبقات الاجتماعية المختلفة، بالإضافة إلى تقديم اقتراحات عملية لتحسين هذه السياسات بما يخدم مصلحة المواطنين ويحقق العدالة الاجتماعية.

أوصت المنظمة في تقريرها بضرورة إصلاح النظام الضريبي، وذلك بالتأكيد على ضرورة  وضع إجراءات واقعية لجعل النظام الضريبي أكثر شفافية و عدل. باعتماد  نظام ضريبي  تصاعدي، وتحقيق  العدالة  الجبائية، كما أوصت بمراجعة قانون حرية الأسعار والمنافسة، ووضع آليات رقابية لضمان استقرار الأسعار، وضمان الشفافية في تحديد هوامش الربح  والحد من الاحتكار، محاربة الفساد والريع والتهريب والتملص الضريبي وتجريم الإثراء غير المشروع، وتعزيز الشفافية في تنفيذ السياسات الاقتصادية و الاجتماعية ، بدعم المؤسسات الدستورية للمراقبة المالية، وتحسين إدارة وتدبير الأموال العمومية، وربط المسؤولية بالمحاسبة ودعم المجلس الأعلى  للحسابات، ومجلس المنافسة، وتشجيع ودعم الإنتاج الوطني للمواد الغدائية والدوائية والمستلزمات الطبية  والطاقات المتجددة، ومشاريع تحلية المياه، وتقديم حوافز للفلاحين والمصنعين الصغار والمتوسطين لتحسين الإنتاجية وخفض التكاليف؛ والحد من تأثير تقلبات الأسواق العالمية.
 
على المستوى السياسي:
سجلت المنظمة الديمقراطية للشغل باعتزاز كبير ما تم تحقيقه من  مكاسب، و تطورات إيجابية في ملف الوحدة الترابية، بفضل الدبلوماسية الملكية الناجحة، و فعالية السياسة الخارجية، التي حققت مزيدا من الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي للصحراء المغربية، باعتبارها حلا  واقعيا و دائما للنزاع المفتعل من طرف جيراننا و مناورتهم ودسائسهم المتواصلة، كما ثمنت الشراكات القوية الاستراتيجية التي تم بناؤها خاصة في مجالات الاقتصاد والطاقة المتجددة، والحضور القوي والمكانة المميزة التي يحظى بها المغرب في الاتحاد الافريقي، والمبادرات الملكية للتنمية في إفريقيا، وتعزيز السلم والأمن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية  بالقارة الافريقية، والدور الإيجابي للمغرب في تسوية النزاعات كالنزاع الليبي ومواجهة التهديدات الأمنية، والإرهابية  في الساحل الافريقي، وفي دعمه  الثابت  لحقوق العادلة  والمشروعة  للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف

على المستوى الاقتصادي:
رغم زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في بعض القطاعات مثل الطاقة والصناعة والسياحة، مما يعكس ثقة المستمرين في الاقتصاد الوطني، خاصة مع بداية تنفيذ الميثاق الجديد للاستثمار ومواصلة تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، والتحسن التدريجي لمناخ الأعمال، وارتفاع  نسبة الاستمارات الأجنبية المباشرة إلى ما يناهز 23,81  مليار درهم  بزيادة نسبتها 182,9 في المائة مقارنة مع السنة السابقة، فضلا عن تحويلات مغاربة العالم التي بلغت 108.67 مليار درهم، لازال المغرب يواجه تحديات كبرى تؤكدها الأرقام والواقع والمؤشرات، سواء على مستوى تباطؤ النمو الاقتصاد الذي لم يتجاوز 3%، وهو يعد منخفضًا مقارنة بالآفاق والطموحات الاقتصادية  للمملكة، إضافة الى  ضعف الإنتاجية الوطنية، وعدم القدرة على مواجهة آثار الجفاف والإجهاد المائي، بسبب استمرار تأثير التغيرات المناخية و ضعف  الإنتاج  والمحاصيل  الزراعية، وهو ما كرس اعتماد الاقتصاد المغربي على استيراد جزء كبير من المواد الأساسية، بحيث تم تصنيف المغرب في المرتبة السادسة  بين أكبر مستوردي القمح في العالم، مما يجعله عرضة لتقلبات السوق الدولية  وارتفاع  أسعار المواد الأولية والغذائية والسلع، كما يعاني من  عجز الميزان التجاري الذي تفاقم بنسبة 6,5 في المائة ليبلغ 275,74 مليار درهم عند متم نونبر الماضي، مقابل 258,83 مليار درهم سنة 2023 كما افد بذلك أفاد مكتب الصرف وارتفاع المديونية الخارجية إلى مستويات قياسية، بسبب متطلبات المرحلة و المستقبل، كالتزام  الدولة ببناء وتجهيز بنية تحتية رياضية وترفيهية، ومستشفيات وفنادق، ووسائل نقل من الجيل الثالث لتنظيم كاس العالم سنة 2030، ولتغطية نفقات اوراش الحماية الاجتماعية والتي  تتطلب ميزانيات ضخمة تقدر بملايير الدراهم،  حيث كشف البنك الدولي، ان مديونة المغرب  الدين الإجمالي بلغت 107.9 مليار دولار، تمتل 68.7 %  من الناتج المجلي  وما يقارب 100% من قيمة الصادرات السنوية، علاوة على ارتفاع خدمة  الدين  في ظل الافتقار إلى استراتيجية شفافة وعقلانية وإلى الإبداع في تدبير الموارد المالية الناتجة عن المديونية.  وكشف تقرير صادر عن البنك الدولي حول المغرب أنه  بدلا من تطوير القيمة الصناعية و الابتكار، يفضل العديد من المستثمرين المغاربة تكريس طاقاتهم بعقلانية للبحث عن فرص لتحقيق أرباح سريعة مرتبطة بحالات الربع ، فعلى مدار العقدين الماضيين، لم  يتجاوز عدد الشركات المغربية المصدرة 5300 شركة، في حين تمتلك تركيا 58 ألف شركة مصدرة. 

وأرجع التقرير هذا الضعف إلى غياب المنافسة بسبب الحواجز الإدارية والضريبية، التي تمنح بعض الفاعلين حماية من المنافسة، ما يحد من تطوير قيمة مضافة  حقيقية. كما أن عملية التصنيع في المغرب  تواجه تحديات كبيرة بسبب قلة إقبال المستثمرين المغاربة على القطاع الصناعي، على الرغم من وجود تحفيزات حكومية.

• الحصيلة الاجتماعية:
  زيادة  معدلات  البطالة والفقر والتفاوت الاجتماعي: على الرغم من  أن الحكومة المغربية حققت بعض النجاح في تعزيز الاستقرار الاجتماعي عبر أوراش الحماية الاجتماعية، وبرنامج  الدعم المباشر للأسر الفقيرة، رغم ما شابها من اختلالات، ونواقص، فإن شعار الدولة الاجتماعية، و تحقيق العدالة الاجتماعية  لازال بعيد المنال، في ظل التحديات الاقتصادية، والاجتماعية الحادة التي عرفتها سنة 2024، حيث شهد المغرب ارتفاعًا ملحوظًا بل مخيفا في معدلات البطالة، انتقل من 13 في المائة إلى 21 في المائة، وهو ما يعد أزمة حقيقية، خاصة بين  فئة الشباب (من 15 إلى 24 سنة) و حاملي الشهادات الجامعية،و هو مؤشر يعكس فجوة  كبيرة بين  مخرجات النظام التعليمي، والجامعي، ومتطلبات سوق  الشغل، خاصة  أن السنوات المقبلة  ستعرف تطور ملموسا  في التكنولوجيا الجديدة والروبوتيك من الجيل الرابع و الذكاء  الاصطناعي، واختفاء  بعض المهن لتحل محلها مهن أخرى، ناهيك عن استمرار ضعف العمل اللائق بأبعاده المادية و المعنوية و الإنسانية، مع إفلاس ما يقارب 20 ألف مقاولة وطنية وتسريح أجرائها، وإلحاقهم بجيش العاطلين، مع غياب أي تعويض عن فقدان الشغل أو تعويض عن  البطالة، و في غياب  فرص العمل الكافية سواء بالقطاع العام، أو الخاص بسبب ضعف النمو، والاعتماد على القطاعات غير المنظمة التي تعاني من هشاشة كبيرة، وفشل البرامج  الترقيعية التي يروج لها وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى، والتشغيل والكفاءات، كبرنامج  "فرصة"  وبرنامج  "أوراش" وحرمان وإقصاء متعمد  لحاملي الشهادات الجامعية، وتبذير أموال ضخمة سنتي  2022 و 2023، واليوم  يتم الحديث عن خطة جديدة لا تختلف عن سابقتها الفاشلة، وقد خصصت لها الحكومة 14 مليار درهم سنة  2025  لفائدة الأشخاص الذين لا يتوفرون على أية شهادة أو تكوينات تساعدهم على الإدماج  في فرص شغل مؤقتة، والتي يتم توزيعها خارج أية  ضوابط.

2ـ تفاقم الفقر المدقع والمرض بسبب العطالة وضعف فرص الشغل وارتفاع الأسعار:
تفاقم البطالة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأسعار الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة، كلها عوامل زادت من تكاليف المعيشة  وأثرت بشكل مباشر على القوة الشرائية للأسر المغربية  الفقيرة والمتوسطة، وأدت الى ارتفاع  نسبة السكان الذين يقبعون تحت عتبة الفقر أو يعانون من الهشاشة الاقتصادية، ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن نظام الدعم الاجتماعي المباشر يعاني من العديد من الاختلالات، مما أدى إلى استبعاد  فئات واسعة من المستحقين. كما أن هناك  تباينا كبيرا في كيفية احتساب المؤشر، مما سبب أضرارا لفئات مستحقة واسعة، في ظل غياب اعتماد زيارات ميدانية  للتحقق من  بعض الحالات التي تم إقصائها،  كما أن المنصة التي  وفرتها الحكومة لمسك معطيات الراغبين في الاستفادة تضمنت مؤشرات غير موضوعية، ناهيك عن  كون السياسات العمومية  المتبعة غير كافية  لمحاربة الفقر و الهشاشة و التفاوتات الاجتماعية؛ و لذلك وجب الرفع من قيمة الدعم و توسيع قاعدة المستفيدين و تحسين الحكامة؛ فقد تم  إيقاف تلقي الدعم الاجتماعي المباشر لعدد من الأشخاص لكون مؤشرهم تجاوز عتبة 9,74 دون مبررات موضوعية، و بالتالي كان عليهم أداء واجبات الاشتراك في نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض  "امو الشامل" ، أو الحرمان  من التغطية الصحية؛ ونظرا  لبروز عدة  اختلالات  في نظام الاستهداف  لذلك وجب مراجعة القانون 18.72 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي بعد تقييمه. 

من جهة ثانية، يتطلب تحسين القدرة الشرائية سياسات متكاملة  تتجاوز الدعم المؤقت  لتشمل إصلاحات هيكلية  في الاقتصاد والنظام الضريبي والرفع  من الأجور ودعم الإنتاج المحلي، وتوجيه الموارد بفعالية نحو الأسر المستحقة، مع  تعزيز الشفافية لمحاربة الفساد والهدر المالي، ودعم و تأهيل القطاع العام، وتعزيز فرص ولوج التعليم وإجباريته، وتحسين  جودة التعليم، وترقية  الخدمات الصحية بالقطاع العام، وتحقيق التغطية الصحية الشاملة، وتوجيه المستفيدين من "أمو تضامن" للمستشفيات العمومية و استفادتهم من مجانية العلاج والدواء.

3ـ  ارتفاع الأسعار يحد من تحسين القدرة الشرائية رغم الزيادات  الطفيفة في الرواتب:
الزيادة الأخيرة في الأجور بالوظيفة العمومية، والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، ورفع الحد الأدنى للأجور  في القطاع الخاص (الحد الأدنى للأجر الصافي في القطاع الخاص" السميك" لا يتجاوز   3045 درهم  في الشهر، وفي  القطاع الزراعي السميك  إلى 2255 درهم في الشهر)، أجور تظل غير كافية  مقارنة مع  مستوى ارتفاع  تكاليف المعيشة، والارتفاع الجنوني للأسعار، وتكاليف الحياة اليومية  في السنوات الأخيرة  منذ ظهور  جائحة كوفيد - 19، وبالنظر إلى  ارتفاع أسعار المواد الغدائية، والسلع، والمحروقات بنسب  تتراوح ما بين %15 و %30، وتآكل  الأجور، وبالتالي  فإن الزيادات الأخيرة لم تحقق أهدافها في تحسين الوضع المعيشي  للطبقة  العاملة، وللطبقة  المتوسطة  في  المجتمع، مما أثر بشكل مباشر على القوة الشرائية وأضر بالطبقة العاملة، وأدى إلى  تزايد التوترات الاجتماعية، والاحتجاجات، والإضرابات العمالية، في ظل استمرار التفاوتات الطبقية والاجتماعية  والمجالية الكبيرة.

4- المتقاعدون والمتقاعدات الحلقة الضعيفة في السياسة الحكومية:
الاستمرار في تجاهل أصوات المتقاعدين و المتقاعدات المطالبين بالرفع من معاشات التقاعد، لكون  قرار الإعفاء  الضريبي على المعاش  لن يكون له أثر مادي على معاشات  نحو 96  في المائة من المتقاعدين، والمتقاعدات وذوي حقوقهم.  فقد ظلت الحكومة الحالية كسابقاتها تتجاهل المطالب المشروعة للمتقاعدين والمتقاعدات وذوي حقوقهم، في الرفع من المعاشات بما يتماشى وغلاء المعيشة، علما ان الأغلبية  الساحقة من هذه الفئة التي ساهمت في بناء الوطن من مختلف الواجهات المدنية والعسكرية و الأمنية لا يتجاوز معاشها الشهري 800 درهم  إلى 1500 درهم،  بالنظر  لعدم  استفادتها من الزيادات التي تقرها الحكومة في أجور الفئة النشيطة مند 25 سنة  ضدا على  مبدأ تطبيق الزيادة في المعاشات  عند  أية زيادة  في الأجور كما نصت عليه أنظمة المعاشات المدنية (الفصل 44 مكرر من  القانون رقم 011.77) المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية، وهو  مبدا معمول  به  لدى اغلب دول المعمور. 

• على المستوى التعليمي:
منظومة تعليمية لاتزال متخلفة على الركب، فالمغرب يحتل المركز الـ98 عالميا من أصل 141 دولة شملها مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2024، أما على مستوى مؤشر المعرفة والتعليم، فرغم المجهودات  المبذولة  في إصلاح المنظومة التربوية، و محاربة الهدر المدرسي، فإن  المغرب لازال متخلفا عن الركب  حيث  احتل المركز الـ98 عالميا  من  أصل 141 دولة شملها مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2024، الصادر عن وبرنامج  الأمم المتحدة  الإنمائي، وظل  المغرب يواجه  مجموعة  من التحديات، من أبرزها البطالة في أوساط  الحاصلين على تعليم  عالي متقدم، حيث وضع المملكة في المركز 122 عالميا في مؤشر يقيس نسبة  القوى العاملة الحاصلة على مستويات تعليمية عالية، والمركز 138 في المؤشر الذي يقيس نسبة البطالة في صفوف  خريجي  هذه  الجامعات والمعاهد العليا.  كما لازال الهذر المدرسي  يمثل  إشكالية  كبرى  تتصدر تقييم  المنظومة التعليمية و التربوية بالمغرب، فلازال أكثر من 300 ألف تلميذ و تلميذة، يغادرون فصول الدراسة مبكرا دون  شهادة ،علاوة على الهدر الجامعي الذي يرتفع  من سنة إلى أخرى لعوامل  متعددة  اقتصادية اجتماعية وتربوية.
 
على مستوى منظومة الصحية:
تدهور القطاع العام وهيمنة القطاع الخاص، المغرب يحتل المرتبة  91عالميا من بين 94 دولة في مؤشر الرعاية الصحية.
وعلى الرغم من التحديات التي  تواجه الحكومة في مجال الصحة، فقد أحرزت  بعض التقدم  في توسيع التغطية الصحية لتشمل فئات أكبر من المواطنين، من خلال تنزيل  المشروع المجتمعي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية والتامين الصحي الاجباري عن المرض، ومن  خلال  انطلاق العديد من المبادرات الرامية إلى اصلاح  المنظومة الصحية الوطنية، وزيادة عدد من المراكز الاستشفائية الجامعية، وكليات الطب، والصيدلة، وجراحة الأسنان، والمعاهد  العليا تكوين مهن التمريض، والتقنيات الصحية المستشفيات، والمراكز الصحية. 

ومع  ذلك، فإن هذه الجهود  تظل غير كافية لسد الفجوات  المجالية  وتحقيق الرعاية  الصحية الشاملة. فلا زال ورش تعميم التأمين الصحي يعرف عدة اختلالات ونواقص، منها أن ما يقارب  8.8 ملايين شخص يوجدون  خارج أية تغطية صحية  سنة 2024.  كما أن  الأسر المغربية  لاتزال تنفق من جيوبها ما يفوق  54 في المائة من النفقات الإجمالية  للصحة، والعلاج، والأدوية عوض 25 في المائة التي نصت عليها منظمة الصحة العالمية، إما بسبب  ضعف استرجاع  مصاريف العلاج  وتحمل أعباء مالية إضافية  للأبناء الدين  تجاوز عمرهم 21 سنة، وعاطلون عن العمل وغير متمدرسين، أو ارتفاع أسعار الأدوية  المستوردة من الخارج  ما بين 5 مرات الى 10 مرات، مقارنة مع العديد من الدول، أو ارتفاع أسعار الخدمات الصحية بالمصحات والمستشفيات والمختبرات الخاصة  بالقطاع الخاص إلى 5 مرات مقارنة مع مستشفيات القطاع العام.

هذا علما ان القطاع الطبي الخاص ومستشفياته ومصحاته ومختبراته ...أصبح يستحوذ على معظم نفقات صناديق التامين الصحي، بنسبة تصل الى 95 %،  منها  54 % من  النفقات الخاصة  بالمستفيدين من  نظام" أمو تضامن"،  أي 11.4 مليون  شخص  مستفيد؛  التي تتحملها الدولة والتي تناهز 9.5 مليار درهم  وفق  تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي.

وذلك ناتج عن  تدهور وضعية  المستشفيات العمومية  وعدم  قدرتها  على المنافسة في غياب  إصلاحات حقيقة وتمويل  كافي  وحكامة  جيدة  والقطع  الفساد ومع  تعقيدات المساطر الإدارية والتدبير البيروقراطي  في بعض المستشفيات واهمال حقوق المرضى ووانتهاك حقوق المهنيين، فالقطاع العام مفلس نظرا  لهده الاختلالات والنواقص المتراكمة  في المنظومة  الصحية  الوطنية، مند عدة  سنوات، لذلك   لازال  المغرب  يحتل مرتبة غير مشرفة  في التصنيف العالمي  لمؤشر الرعاية الصحية لسنة 2024، باحتلاله المرتبة  91  عالميا من  بين 94  دولة، وهي مرتبة مخجلة  استنادا على  تقييم  الجودة  الشاملة لنظام الرعاية الصحية. وتتطلب إجراءات عاجلة واصلاحات عميقة للمنظومة الصحية الوطنية.
 
الحق في سكن لائق:
علاقة بسياسة السكن اللائق، ومحاربة مدن القصدير، والسكن العشوائي، والدور الآيلة للسقوط، وتنزيل المشروع الملكي المتعلق بدعم الدولة للسكن الاجتماعي، فإنها  السياسة المتبعة في هدا المجال تسير بخطى بطيئة جدا، في ظل غياب رؤية، واستراتيجية مندمجة و فعالة في قطاع  معقد ومتشابك الخيوط يحقق أرباحا  خيالية  ويشغل  يد عاملة كبيرة، اغلبها يعاني  من غياب ظروف  وشروط الصحة والسلامة المهنية، وعدم احترام مقتضيات مدونة  الشغل، وفي غياب  نظام  المراقبة والتتبع، كما أن ظاهرة دور الصفيح و السكن العشوائي لازال قائمة ومتفشية  في عدة  جهات، في  ظل  تعثر استكمال برنامج " مدن بدون صفيح"، وفق الأجندة  المحددة  لها، وان ما يزيد عن 120 ألف أسرة  تقطن  بدور الصفيح  حسب المعطيات الرسمية و هي اكبر من  ذلك بكثير في هوامش المدن،  وداخلها و في القرى، والبوادي، دون نسيان  الدور الآيلة للسقوط  في المدن العتيقة و الكبرى.

أما على مستوى تنزيل برنامج  الدعم المباشر للسكن، فقد تأكد من خلال المعطيات المتداولة بالبرلمان، ضعف تحقيق الأهداف الاجتماعية النبيلة  لهذا المشروع الملكي  حيث من اصل 9.5 مليار درهم المرصودة في ميزانية 2024  لم تصرف منها إلا 2 مليار درهم  أي حوالي 20 في المائة بعدد 25 ألف سكن من أصل 110 الف  سكن.
 
وعلى الرغم  من الإعلان عن برامج  لدعم  السكن، فإن  التنفيذ  كان  دون  المستوى المطلوب، فقد  أظهرت الأرقام أن الكثير من المواطنين واجهوا صعوبة في الوصول إلى  الدعم  بسبب  التحديات  المتعلقة  بالمنصة  الإلكترونية، فضلاً عن القيم المالية  غير الكافية التي تحد من  قدرة المواطنين على  شراء  سكن في المدن الكبرى.

هذا علاوة على استمرار معاناة عدة اسر ضحايا زلزال الحوز، و تارودانت، و شيشاوة ،بعد أزيد من سنة،  يعيشون في أوضاع مزرية غير إنسانية  تزاد معاناتهم مع البرد الشديد، و الرياح القوية و الثلوج ...، تضررت  مساكنهم  من الخيام  البلاستيكية، و البناء المفكك  التي  تفتقر الى  ابسط  مقومات  و متطلبات الحياة الكريمة وسط  ظروف  معيشية قاسية  منتشرين بين الجبال والقرى المتضررة  و حرمان العديد من الأسر من الدعم و التعويضات المعلن عنها  حيث تبخرت الوعود و الالتزامات الحكومية في معالجة اختلالات  تدبير الأزمة و عمليات  الاعمار  ومراقبة أسعار مواد البناء  تاركة  الأبواب  مفتوحة في وجه تجار الأزمات ، الذين  يراكمون  الأرباح  على  حساب  بؤس  ومأساة  الضحايا  زلزال الحوز.
 
عدم محاربة الفساد  الذي يكلف  المغرب  50 مليار سنويا: على مستوى مؤشر إدراك الفساد، انتقل المغرب من رتبة 73 سنة 2018 إلى المرتبة 97  سنة 2023 ، و حسب الهيئة الوطنية  للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها، فإن الفساد  يكلف المغرب  50 مليار درهم، وهو ما يمثل  نسبة تتراوح ما بين 3.5  % و6% من  الناتج الداخلي الخام، ويقلص مداخيل الدولة المغربية  بنسبة 7.8 %، مما يؤثر سلبا على  مناخ الأعمال. و كلها مؤشرات لها آثار كبيرة في الترتيب العالمي على مستوى التنمية  البشرية  للأمم  المتحدة، حيث  احتل المغرب  المرتبة 120 عالميا في مؤشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي و التنمية البشرية لسنتي 2023- 2024؛ و هنا لابد ان نحيي  و نثمن عاليا مواقف رئيس النزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها و دعمه لانخراط  هيئات المجتمع  المدني  من  جمعيات و نقابات في مكافحة الفساد والرشوة وحماية المال العام.
 
الحصيلة الحقوقية، في مؤشر الحرية الإنسانية، يحتل المغرب المرتبة 130 عالميا من أصل 165 دولة، وعلى المستوى الحقوقي  و الحريات الأساسية فقد كان للعفو الملكي على عدد من  المعتقلين صحافيين، و نشطاء حقوقيين  بمناسبة الذكرى  25  لاعتلائه عرش المملكة، صدى طيبا  وطنيا، و دوليا، و بعدا  إنسانيا، و حقوقيا، بجانب أن المغرب حقق إنجازات ملحوظة على المستوى الدولي بفوزه برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، و تصويت المغرب لأول على  قرار الإيقاف  العالمي لتنفيذ عقوبة الإعدام امام  اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، كما احتل المغرب المرتبة الأولى  مغاربيا  في مؤشر النوع الاجتماعي، و 84 عالميا من أصل 189 دولة ضمن مؤشر المساواة بين الجنسين سنة 2024 في ضوء تفعيل اهداف التنمية المستدامة لسنة  2030.

لكن سنة  2024 شهدت  أيضا بعض التراجعات  مقلقة و متابعات و محاكمات استهدفت خاصة صحافيين ومدونين وناشطين  حقوقيين  من  قبل  مسؤولين  حكوميين للتضييق على حرية التعبير، والحق  في التنظيم، والحق الدستوري  في الاضراب ...، وتجاوزات جعلت المغرب  يحتل على مستوى  مؤشر الحرية الإنسانية المرتبة 130 عالميا من أصل 165 دولة.