الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

حسن شاكر: الجالية ومـؤسساتها تعـيش في عالم "خاصاه نغزة"

حسن شاكر: الجالية ومـؤسساتها تعـيش في عالم "خاصاه نغزة"

مازالت السفارات والقنصليات تُـصر على تسييـج أسـوارها العالية وتحتفـظ بمسافة بـعيدة عن المهاجرين.. وهذا لـيس من باب الاحترام أو الكـياسة ولكن من باب الاحتراس والحفاظ على "الهيـبة" في جــو اختلطت فيه المفاهيم والمصطلحات وتشابـكت اختصاصات الديبلوماسية مع القنصلية وانـتقال الاشتغال على ظاهـرة الهجـرة من منظور أمني محض إلى مُقاربة تـشارُكية في كل ما هـو حقوقي واجتماعي واقتصادي... هـذا بمـوازاة مع تطـور أدوات اشتـغـال الجمعيات واعتمادها على وسائل الضغط، أي الإعلام، والاحتجاج من أجل الإجابة عن انتظاراتها المشروعة... الشيء الذي جعل البعض يتساءل عن مــدى مُسايـرة العقليات المُسيـرة لهـذه البعـثات مع المفهوم الجديد للسلطة مثلا..؟ أو مــدى هـضمها لمفهـوم سياسة الــقرب..؟ لـنصل مـبدئيـا إلى ضرورة انـدماجها مع عقلية الإدارة ببلـد الاعتمـــاد...

الحـاجــة إلى " شـفْــرة دافِـنْـشِـي"

لا يتطلب الأمر كـثيرا من العـناء أو إلى شفـرة دافـينـشي.. لـفـك هـذه العُـزلة المعرفية فيما يخص اختصاصات البعثات الديبلوماسية والمراكز القنصلية.. إذ تكـفي نظـرة فـاحصة للاتـفـاقية الديبلوماسية بـفــيــينـــا (أبريل 1961) والتي تـوجـت أعـمال مـؤتمر فـيينا 1815 وبـروتوكول إكس لاشابيل 1818 وأيضا مـعاهـدة هـافـانـا 1968... وأيضا مرسوم موظفي وزارة الخارجية المغربية...

وإلى أن يثـبـت الـعكسـ فـإن كـل هـذه الـنصوص تـضع كـل مـن البـعـثات الديبلوماسية والمراكز القنصلية كمـؤستـتـيْـن مـتـوازيتـيْـن...في حين أن أغـلب المهاجرين يعـتـقـدون أن السفـيـر هـو الـرئيس الـمباشـر للقـنـصل العــام... فالسفـيـر يُعـين من طرف جلالة الملك (فصل 27)، أما القنصل فمن طرف وزير الخارجية (فصل 31)، كما أن المادة 16 من مرسوم نظام موظفي الإدارات العامة شتنبر 2011 جعلـتـْهُـما معا مُـمثـلـيْـن للـدولة في بـلـد الاعتماد... مع تشــابه إلى حـد التطابق في اختصاصات المؤسستيْـن.. أمـا الفصل 28، فـيجعل السفيـر خاضعا لمرسوم موظفي وزارة الخارجية مما يعني أن رئيسه المباشر هو وزير الخارجية الذي هو نفسه رئيس القنصل..

إن من بين وظائف السفير حسب مـعـاهـدة فـيـينا 1961 القيام  بحماية مصالح البلاد والرعايا المقيمين بها، وأيضا السهر على تنفيذ الالتزامات والاتفاقيات والتفاوض... إلخ. وهي وظـائف تضع أي سفـيـر في محـك دراسـة حصيلته على رأس البعـثـة الديبلوماسية، من حيث عـدد الاتفاقيات الاجتماعية والاقتصادية والمكاسب السياسية التي تحققـت في عهــده.. وهــذا هـو مـا يُـشكـل في نظرنا معيار نجاح أو فشــل أي سفـيـر عند نهـاية اعـتماده... فـمثلا نـيـة الحكومة الهولندية للتراجع عن الاتفاقية الاجتماعية فيـه إحـراج كبيـر للسفـير هناك.. بالنسبة لإيطاليا ما زالت الاتفاقية الاجتماعية والخاصة بالتغطية الصحية والضمان الاجتماعي لـم تعـرف أي جـديــد...

مضامين معـاهـدة فـيـيـنا 1961 تـوضح أن عـلاقة المهاجر بالقنصلية هي أكـثـر قُـربـا منها للـسفــارة.. لأن القنصلية حسب الفصل 5 تختص بتنظيم بعض جوانب الحالة المدنية وجوازات السفــر والتوثيق والتأشيرات... وهو السبب الذي  يجعل المهاجر يُـطالب بـالرفع من جودة الخدمات ويستنكر الرسوم الباهظة وأيضا المعاملة السيـئـة.. مما جعل بعض السفارات والقنصليات تـدخـل في "شـدْ لـيـا نـقـطـعْ لـيـكْ" مع بعض الجمعيات أو بعض الأقــلام المُزعجـة، حتى أصبحنا نسمع عن لــوائح ســوداء أو الـتلـويح بـرفـع دعـاوي قـضائـية بالمغرب.. أكـثـر من هـذا رفع البعض منهــا شعــار" إِمــا معــي أو ضدي" مقسمة ذلك الجمعيات إلى "هـذا عـذْب فُـراتْ وهـذا مِـلـح أُجـاجْ..."

فماعدا الخدمات الإدارية، لا يجمع القنصليات مع الجالية إلا الخير والإحسان في إطـار احـترام القـانون الـدولي والقوانـين الجـاري بها العـمـل في بلـدان الاستقبال.. وهـذا مـا جـاء في الفقـرة الأولى من الفصل 16 من دستور 2011 مطابقة مع اتـفاقية فيينا 1961 أمـا الفـقـرات الخاصة بالثقـافـة والهـوية الوطنية من الفصل 16 فهناك مؤسسات أخرى نص بتـسميـتهـا الدستور..

حتى لا يُـنشـر الـغسيـل خـارج الـبـيت...

خارج أسـوار القنصليات هـناك احتقان كبير وغضب ناتج عن تـدني مستوى الخدمات والارتجالية (إيطاليا نموذجا).. فالمشكل ليس قانونيا أو تنظيميا بشكل أوتوماتيكي، بل هـو أيضا مشكل عـقـلـية ترفض الاندماج مع عـقـلية إدارة بـلد الاستقـبال... لذلك ارتفعت أصوات بمطلب جديد، وهـو نـشــر المؤهلات العلمية والثقافية للقناصلة تطبيقـا لمرسوم وزارة الخارجية... وبـاعتباره مُمثلا للدولة المغربية أيضــا..

بالمقابل فـداخل تلك الأسـوار تسـود حالة قـلق وعدم الاستقرار خاصة بالنسبة للأعوان المحليين وأصحاب الجوازات الخاصة (الزرقاء) ومشاكلهم مع السكن والتعويضات والضمان الاجتماعي...

فحوالي 25 موظفا منهم 11 عـونا محليا بقنصلية روما يعيشون حالة ترقب وبـأعصاب مُـنهارة لأنهم بعد سنة من الآن سينتقـلون إلى مقـر القنصلية الجديد بمديـنة نابـولي حيث تـم كـراء طابـق بعمارة بحوالي 7000 أورو  شـهـريا..؟ سيضطر معه هؤلاء الموظفون القيام برحلات مكوكية يوميا (حوالي 450 كلم) على أن يـتـدبـروا نـقـل عائلاتهم  وأطفالهم إلى مدينة نابولي في السنة القادمة...

لا يُـمكننا تقيـيـم مــدى صحة قـرار نـقـل القنصلية من عـدمـه... لكـن موقع نابولي الجغرافي جعله يتـوسط مناطق نفـوذ الدائرة القنصلية الجديدة، بالإضافة إلى تـوازي تـوزيع المهاجرين.. إلا أنها تعرف درجات كبيرة في تفشي الإجـرام.. أما الموظفون فـيعيشون فـقـط على إيـقـاعات التسريبات ولا أحد أخبرهم أو نـاقـشهم، وسيخضعون للأمر الـواقع، وانتهى الأمـر...

لـكن إذا كان شعـار الـدولة هـو تقريب الإدارة من المهاجر، فـإن نقـل الـقنصلية إلى نابـولي سيجعلها قـريـبة لحوالي 20 ألف مهاجر وبعـيـدة عـن نفس العـدد من المهاجرين...

فهل غـاب عن وزارة الخارجية "القنصلية المتنقلة" إيجاد حل بين هـذا وذاك؟  أو تعـيـين بعـثـة قـنصلية جديدة بـنابولي ونــقل بعـثة قـنصلية روما إلى مقـر السفـارة مادامت معاهـدة فـيـيـنا تُـجيز للسفارة الـقيام بالأعمال الإدارية للقنصلية..؟؟سعيــا لـتحقيق الاستقرار لـعائلات بعثة روما وتقريب الإدارة لحوالي 20 ألف مهاجر آخـرين..لأنـنا لـن ننتـظـر خدمات إدارية بجودة عالية من طرف موظف يقطع مسافة 450 كلم يوميا ويعيش حالة قـلق دائـم..

ولا بأس من تذكير مديرية الشؤون القنصلية والاجتماعية بوزارة الخارجية باستنكار الجالية لاختيار موقع مُـنعــزل كمقـر لقنصلية بولونيا الجديد وتـداعياته الأمنية وبُـعده عن وسائل النقل العمومية (محطة القطار مثلا)، كما أن التأخير في عدم فتح مقر قنصلية بولونيا الجديد قد يفتح بـاب التأويلات والاتهامات من ذوي الـنـيات الـسيـئة..

لقد نوه الملك بالديبلوماسية الموازية ودورها في الدفاع عن القضايا الكبري للبلاد، وعـاد في خطابه الأخير (أكتوبر 2014) مُنـبِــهـا إلى موضوع الانتماء والحِـس الوطني... فهل تلقت البعثات الديبلوماسية والقنصلية هـذه الإشارة القويـة، خاصة وأنهم يُـمثلون الخطوط الأمامية..؟ وهل عقليات الوعد والوعيد ستـرفع من درجة الحس الوطني لدى المهاجر..؟ ومتى يتــم القطع مع عقلية التعيين من بــوابة الانتماء الحزبي فـقـط..؟وهـل نقـتـرف جُـرما عـظـيما بمُطالبتـنا للقناصلة العامون بـنشـر مـؤهـلاتهم العلمية والثقافية حسب الفصول 17 و23 و31..؟

ومــاذا بـعــد....؟

بعد كل هـذا، بحثنا عن موقع قدم لوزارة الهجرة وعن اختصاصاتها المنسوخ أغلبهـا أصلا عن مديريات وأروقة وزارة الخارجية.. بحـثـنا عن موقعها من الإعراب في إشكـاليات الهجرة وعن قـوتـها الاقـتـراحية والتفـاوضية خاصة أمام وزارة الخارجية... نحن في انـتـظار مـيـلاد مـنـدوبيـة سـامـيـة تحت إشــراف الملك محمد السادس...