رقم عدد المواليد بالمغرب لسنة 2023 خطير جدا ووحده كاف لإعلان حالة استنفار سياسي قوي، فتسجيل عدد مواليد لا يتجاوز 800 الف مولود يجعلنا تحت رقم 2,1 الذي يضمن انتقال الأجيال، وهو يعني تحول الهرم السكاني إلى الشيخوخة.
إن نفس المؤشر خلق أزمة دولة في اليابان مثلا، حيث ستستنفر حكومة آبي كل جهودها المالية والقانونية وخطاب استمرار اليابان العظيمة لوقف ما اسماه رئيس الوزراء كارثة "تغريب الإنسان الياباني".
تراجع نسبة المواليد باليابان مرتبط بالتحول الثقافي لوظيفة الأسرة، من أسرة تقليدية لأب معيل إلى تنوع في وظيفة أفرادها ارتباطا بالاقتصاد وحركية نسب النمو الاقتصادي.
في مواجهة أزمة الخصوبة وشيخوخة الهرم السكاني ستتجه السلطات في اليابان إلى تعزيز النموذج التقليدي للأسرة الذي يعتبر الإنجاب جوهر الزواج وانعقاد الأسرة، ورغم المقاومات من المجتمع النسوي، ومنه عدد من المثقفين والمثقفين الذين درسوا بالغرب أو تلقوا تعليمهم بجامعاته، فإن الحكومة ماضية في خطة الدعم الاجتماعي لتشجيع الزواج وفي إقرار قوانين تجرم الزواج الأحادي الجنس، والمواليد خارج الزواج، وغيرها من المقتضيات التي تجرم السلوكات التي تضر بوظيفة الأسرة التقليدية اليابانية.
يجب أن ننتبه هنا إلى أن اليابان دولة صناعية وديمقراطية ولا دين لها، إلا أنها من أجل حماية الديموغرافيا كسبب أصلي لوجودها ووجود الدول عامة، تصرفت بشكل محافظ وتقليدي في موضوع الأسرة.
إن الدول التي تحترم نفسها تفكر بمنطق استراتيجي عند تعاملها مع عناصرها المؤسسة وعلى رأسها الأسرة والدين والسيادة، وهذه رساميل أصلية لا يمكن بأي شكل من الأشكال إدخالها في الحسابات.
وهذه أيضا مهمة المجتمع كذلك، فقوى المجتمع الحية لا يجب أن تكون مستلبة وتحت ضغط العاطفة أو الايديولوجيا أو المال، وحتى إذا كانت هذه القوى كذلك فالسلطة لا يجب أن تكون أقل من شرط الوجود والاستمرار.
ما يحدث في موضوع الأسرة والخصوبة بالمغرب لا يستجيب لشروط المنطق الاستراتيجي للتدبير ولا يحفظ شرط الوجود، فاقرار مدونة مفقرة للأسرة تواليا مع معطيات احصائية مقلقة حول فشل في الوصول إلى النسبة المعيارية لتحقيق الانتقال الديمغرافي المحددة علميا في 2,1%، هو قرار يطرح علامات استفهام حول جودة المنطلقات العلمية والسياسية لإنتاج السياسات العمومية.
إني شخصيا رجل تقدمي، آمنت طويلا باقرار قوانين ترفع الظلم عن المرأة، ونذرت جزء من نضالي ضمن الصف الحداثي التقدمي من أجل هذا الهدف،
وكمثقف يحلل بشكل ملموس الواقع الملموس، يمكنني القول أنه حتى إذا كانت غاية تجديد مدونة الأسرة غاية مشروعة وسليمة ومطلوبة، فإن عزل هذه الغاية عن المناخ العام الاقتصادي والاجتماعي خصوصا، وعدم ربطها فلسفيا وعلميا بالحاجة من وجود الدولة أصلا، هو فعل غير دقيق منهجيا وسياسيا.
وكمثقف يحلل بشكل ملموس الواقع الملموس، يمكنني القول أنه حتى إذا كانت غاية تجديد مدونة الأسرة غاية مشروعة وسليمة ومطلوبة، فإن عزل هذه الغاية عن المناخ العام الاقتصادي والاجتماعي خصوصا، وعدم ربطها فلسفيا وعلميا بالحاجة من وجود الدولة أصلا، هو فعل غير دقيق منهجيا وسياسيا.
إن الملك كحكم قام بدوره في وضع النقاش الدائر في الفضاء العام داخل إطار المؤسسات، وفي احالته تنظيميا على الجهات المكفولة قانونا لابداء النظر، ثم الإحالة على ممثلي الارادة الشعبية للتعبير عن الارادة الشعبية بناء على الانصات لها عبر الفضاء العام نفسه بمختلف قنواته.
إن ضمير كل دولة هو برلمانها وثقاتها كما كان يقول شيراك، ولهذا فما يحدث من تزامن رهيب بين سقوط المغرب من امتحان الانتقال الجيلي، وبين إقرار مشروع لمدونة أسرة ستعمق وجوبا سقوط الديموغرافيا والخصوبة، يستلزم عمل هذا الضمير من أجل حفظ شرط وجود الدولة.
لا نتوقع سقوط الارادة الشعبية في هذا المحك، فقد أظهرت ردود الفعل الأولية حذرا من مغبة سقوط نواة الأسرة، وتترجم التصريحات العفوية للناس من مختلف شرائح المجتمع هذه اليقظة من أجل حماية النسيج والتماسك المجتمعي،
ونتوقع بدون شك من عقل الدولة أن يحقق تقدما في الاتجاهين، مزيدا من العدل لمكونات المجتمع وعلى رأسها المرأة، و تأمينا لوجود الدولة عبر ربط العدل المجتمعي بشرط استمرار الأسرة نفسها، وهو الإنجاب والخصوبة.
ونتوقع بدون شك من عقل الدولة أن يحقق تقدما في الاتجاهين، مزيدا من العدل لمكونات المجتمع وعلى رأسها المرأة، و تأمينا لوجود الدولة عبر ربط العدل المجتمعي بشرط استمرار الأسرة نفسها، وهو الإنجاب والخصوبة.
لا يجب أن تكون القضايا المصيرية للأمة كالسيادة والأسرة والتعليم والأمن القومي، موضوعا للتغريب أو التشريق، فهويتها ومكانها هو المغرب العتيد الممتد في التاريخ العريق والمطوق بالتقاليد والأعراف المرعية.