بعد سقوط نظام الدكتاتور بشار الأسد، الذي قتل من شعبه خلال ثلاثة عشر عاماً ما يربو عن نصف مليون إنسان، وشرّد ما لا يقل عن أحد عشر مليون مواطن سوري في الداخل والخارج، وبعد الانهيار المفاجئ وبشكل كاريكاتوري لكلّ مؤسساته العسكرية والأمنية التي لطالما زرعت الرّعب والفزع في قلوب السوريين لمجرد ذكر اسمها.
وحتى لا تتكرر، المآسي التي عاشتها ولا تزال بعض دول الربيع العربي التي دخلت في متاهات الاقتتال الداخلي بين فصائل الثوار من أجل السلطة تارةً، وبسبب التدخلات الخارجية تارات أخرى، ولأسباب قد تبدو سوريالية من قبيل الاختلاف على بند في الإعلان الدستوري، أو حول القوائم الانتخابية، أو المحاصصة الجهوية والإقليمية والقبلية، فضاع الوطن بين حسابات ضيقة يتأسف لها الآن كلّ الغيورين بعد أن فات الأوان.
وحتى لا تتكرر، المآسي التي عاشتها ولا تزال بعض دول الربيع العربي التي دخلت في متاهات الاقتتال الداخلي بين فصائل الثوار من أجل السلطة تارةً، وبسبب التدخلات الخارجية تارات أخرى، ولأسباب قد تبدو سوريالية من قبيل الاختلاف على بند في الإعلان الدستوري، أو حول القوائم الانتخابية، أو المحاصصة الجهوية والإقليمية والقبلية، فضاع الوطن بين حسابات ضيقة يتأسف لها الآن كلّ الغيورين بعد أن فات الأوان.
وقبل أن تعبث الأيادي الخارجية المتربصة بكلّ الثورات من أجل الحرية وإسقاط الدكتاتورية والأنظمة التّوتاليتاريّة، إماّ خوفاً لدى البعض من انتقال عدوى الديمقراطية، وإمّا حرصاً، من البعض الآخر، على إبقاء تلك البلدان تحت السيطرة وداخل بيت الطاعة، حفاظاً على قواعدها العسكرية أو على امتيازاتها الاقتصادية أو لأسباب وجودية غير خافية.
ونظراً لارتباط ما يجري في سورية بما يجري في باقي البلدان العربية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سواءً كانت تلك البلدان قريبة أم بعيدة، فالدرس الأفغاني وارتداداته الأمنية على منطقتنا والعالم بأسره، لازال ماثلاً للعيان، وقد دفعت الدول العربية ثمناً باهضاً نتيجة استخفافها بما كان يجري هناك في الشرق الأقصى عند جبال الهندوكوش في عقد الثمانينيات، ظناً منها أنه لن يصيبها رذاذ الرصاص أو شظايا التفجيرات، وإذا بطلائع الجماعات المقاتلة تدق أبواب العواصم العربية واحدة تلو الأخرى، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان.
وانطلاقاً من واجب التضامن والأخوة بين الشعبين السوري والمغربي، فالصديق وقت الضيق كما يقول المثل، وقد كان المغرب من السباقين لاحتضان المؤتمر الرابع لأصدقاء الشعب السوري في العام الأول من الثورة السورية في ذلك التاريخ المتميز 12.12.2012، والذي ضم كل أطياف المعارضة السورية، ومئات الوفود الأجنبية ضمت وزراء خارجية ومسؤولين من الصف الأول قدموا من 120 بلداً عبر العالم. كما كان المغرب البلد الوحيد الذي قام رئيسه بزيارة للاجئين السوريين في مخيماتهم والتقى بهم خارج كل قواعد البروتوكول أثناء تفقد العاهل المغربي للخدمات التي يقدمها المستشفى العسكري الميداني للقوات المسلحة الملكية بمخيم الزّعتري للاجئين السوريين بالأردن الشقيق، وقد شكلت تلك الزيارة قمة التضامن المغربي مع الشعب السوري الشقيق.
واعتباراً كذلك للارتباط الوثيق بين النظام السوري المُطاح به، وشقيقه في الإجرام النظام العسكري الجزائري الذي ظل يساند الدكتاتور بشار الأسد في جرائمه إلى آخر رمق للنظام، وظل حكام الجزائر يصفون أبناء الثورة السورية بعصابات المجرمين والإرهابيين، بل إنّ هناك أخباراً عن اعتقال ما يفوق 800 عنصرٍ شاركوا في قتل السوريين إلى جانب «شبيحة» بشار الأسد، منهم ضباط جزائريون بأعلى الرتب العسكرية تؤازرهم ميليشيات جبهة «البوليساريو» الإرهابية.
لكل هذه الاعتبارات وغيرها كثير، ينبغي للمغرب أن يبادر إلى التحرك باتجاه دمشق من أجل مواكبة الدولة الناشئة الفتية بعد الثورة، من أجل تثبيت أركانها على أسس متينة، ومن أجل تقديم الاستشارة والدعم اللازمين سياسيا وأمنيا واقتصاديا لتجاوز المرحلة الانتقالية بسلام، وتفادي المطبّات التي وقعت فيها دول أخرى مثل الشقيقة ليبيا.
ونحن نعلم أنّ الأمم المتحدة ومسلسلاتها الطويلة لم تؤدّ في مناطق النزاع المشابهة إلاّ إلى مزيد من الخراب، والأمثلة كثيرة من غزة إلى ليبيا مروراً بالبوسنة والعراق ومالي وقبرص والسودان وغيرها.. كما نعلم أنّ أعداء سورية كثيرون في محيطها المباشر وغير المباشر، وكلّ دقيقة تمرّ قد تكون في غير صالح الاستقرار وبناء الدولة بعد الثورة. ولسنا بحاجة إلى سَوْق أمثلة بعيدة، فخلال هذا الأسبوع الأول من سقوط نظام بشار الأسد شاهدنا كيف تمّ تدمير المقدرات الدفاعية السورية براً وبحراً وجواً من طرف بلد لا تهمه لا اتفاقيات ثنائية ولا قوانين دولية. كما أن العالم شاهد على تواجد القوات الخاصة لعدة دول أجنبية فوق الأراضي السورية خارج أي مظلة قانونية أو أممية. ولا شك في أنّ هذا التواجد تضاعف منذ الثامن من دجنبر وسيتضاعف خلال الأيام والشهور المقبلة.
امتثالاً إذن لواجب التضامن، وضماناً للأمن القومي للمغرب وحلفائه الاستراتيجيين في الخليج والأردن، وتفادياً لتكرار التجارب التي أشرنا إليها أعلاه، وتعزيزاً للتموقع الاستراتيجي للمملكة حالاً ومستقبلاً باتجاه تحييد وتفكيك العدوّ الذي ظلّ يهاجمنا ويتربص بأمننا ووحدتنا الترابية، وظلّ يمول ويحتضن المشروع الانفصالي، لأجل كلّ ذلك وجب على المغرب أن يتحرّك بمختلف مؤسساته الظاهرة والمستترة اليوم وليس غداً..
ولاشكّ أن احتضان مؤتمر أصدقاء سورية في مراكش سنة 2012، قد ساعد المغرب على تشييد جسور لا تعدّ ولا تحصى مع كل التيارات السورية المعارضة، وهذا أوان استثمارها لعقد لقاءات على أرض المغرب من أجل تحصين وحدة الشعب السوري وبناء مؤسسات دولته الجديدة. وقد يكون جزء من اللقاءات تحت الأضواء الكاشفة، ولكنّ الأفضل أن تكون أجزاء كثيرة منها بعيداً عن الأضواء لضمان فعاليتها ونجاعتها في الانتقال من الثورة إلى الدولة..
أحمد نورالدين/ خبير في العلاقات الدولية مختص في ملف الصحراء