أحمد نورالدين: المغرب سورية.. التحرك الآن وليس غدا..

أحمد نورالدين: المغرب سورية.. التحرك الآن وليس غدا.. أحمد نورالدين
بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الدكتاتور‭ ‬بشار‭ ‬الأسد،‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬من‭ ‬شعبه‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬عاماً‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬عن‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬إنسان،‭ ‬وشرّد‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬عشر‭ ‬مليون‭ ‬مواطن‭ ‬سوري‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬وبعد‭ ‬الانهيار‭ ‬المفاجئ‭ ‬وبشكل‭ ‬كاريكاتوري‭ ‬لكلّ‭ ‬مؤسساته‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬زرعت‭ ‬الرّعب‭ ‬والفزع‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬السوريين‭ ‬لمجرد‭ ‬ذكر‭ ‬اسمها.
‭ ‬
وحتى‭ ‬لا‭ ‬تتكرر،‭ ‬المآسي‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬متاهات‭ ‬الاقتتال‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬فصائل‭ ‬الثوار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلطة‭ ‬تارةً،‭ ‬وبسبب‭ ‬التدخلات‭ ‬الخارجية‭ ‬تارات‭ ‬أخرى،‭ ‬ولأسباب‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬سوريالية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الاختلاف‭ ‬على‭ ‬بند‭ ‬في‭ ‬الإعلان‭ ‬الدستوري،‭ ‬أو‭ ‬حول‭ ‬القوائم‭ ‬الانتخابية،‭ ‬أو‭ ‬المحاصصة‭ ‬الجهوية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والقبلية،‭ ‬فضاع‭ ‬الوطن‭ ‬بين‭ ‬حسابات‭ ‬ضيقة‭ ‬يتأسف‭ ‬لها‭ ‬الآن‭ ‬كلّ‭ ‬الغيورين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فات‭ ‬الأوان.

وقبل‭ ‬أن‭ ‬تعبث‭ ‬الأيادي‭ ‬الخارجية‭ ‬المتربصة‭ ‬بكلّ‭ ‬الثورات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬وإسقاط‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬والأنظمة‭ ‬التّوتاليتاريّة،‭ ‬إماّ‭ ‬خوفاً‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬انتقال‭ ‬عدوى‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وإمّا‭ ‬حرصاً،‭ ‬من‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬وداخل‭ ‬بيت‭ ‬الطاعة،‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬امتيازاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬لأسباب‭ ‬وجودية‭ ‬غير‭ ‬خافية.

ونظراً‭ ‬لارتباط‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬بطريقة‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة،‭ ‬سواءً‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬قريبة‭ ‬أم‭ ‬بعيدة،‭ ‬فالدرس‭ ‬الأفغاني‭ ‬وارتداداته‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬منطقتنا‭ ‬والعالم‭ ‬بأسره،‭ ‬لازال‭ ‬ماثلاً‭ ‬للعيان،‭ ‬وقد‭ ‬دفعت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ثمناً‭ ‬باهضاً‭ ‬نتيجة‭ ‬استخفافها‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬عند‭ ‬جبال‭ ‬الهندوكوش‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬ظناً‭ ‬منها‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يصيبها‭ ‬رذاذ‭ ‬الرصاص‭ ‬أو‭ ‬شظايا‭ ‬التفجيرات،‭ ‬وإذا‭ ‬بطلائع‭ ‬الجماعات‭ ‬المقاتلة‭ ‬تدق‭ ‬أبواب‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬واحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬حتى‭ ‬حدث‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان.

وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬التضامن‭ ‬والأخوة‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬السوري‭ ‬والمغربي،‭ ‬فالصديق‭ ‬وقت‭ ‬الضيق‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬السباقين‭ ‬لاحتضان‭ ‬المؤتمر‭ ‬الرابع‭ ‬لأصدقاء‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬السورية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬المتميز‭ ‬12.12.2012،‭ ‬والذي‭ ‬ضم‭ ‬كل‭ ‬أطياف‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية،‭ ‬ومئات‭ ‬الوفود‭ ‬الأجنبية‭ ‬ضمت‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬ومسؤولين‭ ‬من‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬قدموا‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬بلداً‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬البلد‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬رئيسه‭ ‬بزيارة‭ ‬للاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬في‭ ‬مخيماتهم‭ ‬والتقى‭ ‬بهم‭ ‬خارج‭ ‬كل‭ ‬قواعد‭ ‬البروتوكول‭ ‬أثناء‭ ‬تفقد‭ ‬العاهل‭ ‬المغربي‭ ‬للخدمات‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬المستشفى‭ ‬العسكري‭ ‬الميداني‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬بمخيم‭ ‬الزّعتري‭ ‬للاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬بالأردن‭ ‬الشقيق،‭ ‬وقد‭ ‬شكلت‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬قمة‭ ‬التضامن‭ ‬المغربي‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬الشقيق.

واعتباراً‭ ‬كذلك‭ ‬للارتباط‭ ‬الوثيق‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬المُطاح‭ ‬به،‭ ‬وشقيقه‭ ‬في‭ ‬الإجرام‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يساند‭ ‬الدكتاتور‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬في‭ ‬جرائمه‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬رمق‭ ‬للنظام،‭ ‬وظل‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬يصفون‭ ‬أبناء‭ ‬الثورة‭ ‬السورية‭ ‬بعصابات‭ ‬المجرمين‭ ‬والإرهابيين،‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬هناك‭ ‬أخباراً‭ ‬عن‭ ‬اعتقال‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬800‭ ‬عنصرٍ‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬السوريين‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬«شبيحة»‭ ‬بشار‭ ‬الأسد،‭ ‬منهم‭ ‬ضباط‭ ‬جزائريون‭ ‬بأعلى‭ ‬الرتب‭ ‬العسكرية‭ ‬تؤازرهم‭ ‬ميليشيات‭ ‬جبهة‭ ‬«البوليساريو»‭ ‬الإرهابية.

لكل‭ ‬هذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬وغيرها‭ ‬كثير،‭ ‬ينبغي‭ ‬للمغرب‭ ‬أن‭ ‬يبادر‭ ‬إلى‭ ‬التحرك‭ ‬باتجاه‭ ‬دمشق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواكبة‭ ‬الدولة‭ ‬الناشئة‭ ‬الفتية‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تثبيت‭ ‬أركانها‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬متينة،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تقديم‭ ‬الاستشارة‭ ‬والدعم‭ ‬اللازمين‭ ‬سياسيا‭ ‬وأمنيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬لتجاوز‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬بسلام،‭ ‬وتفادي‭ ‬المطبّات‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬فيها‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الشقيقة‭ ‬ليبيا‭. ‬

ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أنّ‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومسلسلاتها‭ ‬الطويلة‭ ‬لم‭ ‬تؤدّ‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬النزاع‭ ‬المشابهة‭ ‬إلاّ‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الخراب،‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬مروراً‭ ‬بالبوسنة‭ ‬والعراق‭ ‬ومالي‭ ‬وقبرص‭ ‬والسودان‭ ‬وغيرها‭.. ‬كما‭ ‬نعلم‭ ‬أنّ‭ ‬أعداء‭ ‬سورية‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬المباشر‭ ‬وغير‭ ‬المباشر،‭ ‬وكلّ‭ ‬دقيقة‭ ‬تمرّ‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬الاستقرار‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭. ‬ولسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سَوْق‭ ‬أمثلة‭ ‬بعيدة،‭ ‬فخلال‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬شاهدنا‭ ‬كيف‭ ‬تمّ‭ ‬تدمير‭ ‬المقدرات‭ ‬الدفاعية‭ ‬السورية‭ ‬براً‭ ‬وبحراً‭ ‬وجواً‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬بلد‭ ‬لا‭ ‬تهمه‭ ‬لا‭ ‬اتفاقيات‭ ‬ثنائية‭ ‬ولا‭ ‬قوانين‭ ‬دولية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬تواجد‭ ‬القوات‭ ‬الخاصة‭ ‬لعدة‭ ‬دول‭ ‬أجنبية‭ ‬فوق‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬خارج‭ ‬أي‭ ‬مظلة‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬أممية‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬التواجد‭ ‬تضاعف‭ ‬منذ‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬دجنبر‭ ‬وسيتضاعف‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬والشهور‭ ‬المقبلة‭.‬

امتثالاً‭ ‬إذن‭ ‬لواجب‭ ‬التضامن،‭ ‬وضماناً‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬للمغرب‭ ‬وحلفائه‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬والأردن،‭ ‬وتفادياً‭ ‬لتكرار‭ ‬التجارب‭ ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليها‭ ‬أعلاه،‭ ‬وتعزيزاً‭ ‬للتموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للمملكة‭ ‬حالاً‭ ‬ومستقبلاً‭ ‬باتجاه‭ ‬تحييد‭ ‬وتفكيك‭ ‬العدوّ‭ ‬الذي‭ ‬ظلّ‭ ‬يهاجمنا‭ ‬ويتربص‭ ‬بأمننا‭ ‬ووحدتنا‭ ‬الترابية،‭ ‬وظلّ‭ ‬يمول‭ ‬ويحتضن‭ ‬المشروع‭ ‬الانفصالي،‭ ‬لأجل‭ ‬كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬وجب‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يتحرّك‭ ‬بمختلف‭ ‬مؤسساته‭ ‬الظاهرة‭ ‬والمستترة‭ ‬اليوم‭ ‬وليس‭ ‬غداً‭..‬

ولاشكّ‭ ‬أن‭ ‬احتضان‭ ‬مؤتمر‭ ‬أصدقاء‭ ‬سورية‭ ‬في‭ ‬مراكش‭ ‬سنة‭ ‬2012،‭ ‬قد‭ ‬ساعد‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬تشييد‭ ‬جسور‭ ‬لا‭ ‬تعدّ‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬التيارات‭ ‬السورية‭ ‬المعارضة،‭ ‬وهذا‭ ‬أوان‭ ‬استثمارها‭ ‬لعقد‭ ‬لقاءات‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحصين‭ ‬وحدة‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬وبناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬دولته‭ ‬الجديدة‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬اللقاءات‭ ‬تحت‭ ‬الأضواء‭ ‬الكاشفة،‭ ‬ولكنّ‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أجزاء‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الأضواء‭ ‬لضمان‭ ‬فعاليتها‭ ‬ونجاعتها‭ ‬في‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭.. ‬
 
أحمد نورالدين/  خبير في العلاقات الدولية مختص في ملف الصحراء