لعل المتابع لمجريات الحرب بين حزب الله والاحتلال الاسرائيلي لاحظ أن الحزب لم يعلن لحد الساعة أي موقف من التطورات الجارية بالجنوب اللبناني.. فقط رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، هما من أعلنا خبر الهدنة واتفاق وقف إطلاق النار مع ترتيباته الميدانية.. وبغض النظر عن الدلالة البروتوكولية لموقف الحزب هذا.. إلا أنه يبدو كتحوط من قبله ضد مهلة الستين يوما التي تمسك بها الاحتلال الاسرائلي للسريان التام لوقف إطلاق النار .. وهو موعد يراهن على تسلم الرئيس ترامب لمفاتيح السلطة الرئاسية بالولايات المتحدةالأمريكية.. وتوقع أن يستمر في أجندته المتعلقة بالاتفاقات الإبراهيمية.. أي تكريس البعد الإقليمي للصراع واحتمال التدخل العسكري المباشر لأمريكا أو بالعكس استنكافها الكامل عن الحروب عملا بعقيدة الصفقات للرئيس ترامب...
وفي انتظار ما بعد 20 يناير من سنة 2025 ..طرح سؤال مشروع مضمونه أن حزب الله بموافقته المضمرة على وقف إطلاق النار بلبنان يكون تخلى عن موقف وحدة الساحات المقاومة وترك غزة والمقاومة الفلسطينية لحالها.. سؤال يقود إلى الطعن في مصداقيته القومية وشعاره المتعلق بتحرير القدس ووحدة الساحات والمساندة.. كخيار يجمع كل الأطياف المقاومة.. فهل صحيح أن القيادة الجديدة لحزب الله (الشيخ نعيم قاسم) المعروف باختصاصه بالشان السياسي اللبناني الداخلي ضمن قيادة الحزب، قد حصر بوصلة المقاومة اللبنانية في حدود المصلحة الوطنية اللبنانية وفصل بين البعدين الوطني والقومي في صراع الحزب مع الاحتلال الاسرائيلي؟
مع شح المعلومات وخطورة الموقف.. لا يسعني إلا التزام أقصى ما يمكن من إجراءات التحليل الموضوعي من داخل رؤيتنا التاريخية للصراع بين الصهيونية كعنوان مصبوغ للاستعمار الجديد.. والقوى الوطنية -التحررية بالمنطقة، ولعل أهم مقدمات التحليل الموضوعي هو اعتبار أن الحاضر هو مفتاح الماضي.. أي أن موقف حزب الله الآن القابل لوقف إطلاق النار مع العدو الصهيوني حماية للبنان مع ما يترتب عن ذلك من فك موضوعي لساحات المقاومة.. هو المدخل لفهم مبادرته التي كان أعلنها الراحل حسن نصر الله لفتح جبهة الإسناد من جنوب لبنان..
وللتذكير صرح الراحل نصر الله أنه علم بالطوفان الأقصى من خلال الإعلام ككل الناس.. في إشارة إلى أنه لم يشارك في التخطيط له عملياتيا وتوقيتا.. وهو ما يعني أن فتحه لجبهة الإسناد بتكتيكات عسكرية محدودة ومدروسة كان بهدف الاستعداد لحماية لبنان ضمنا.. والإعلان جهارا عن مساندة المقاومة الفلسطينية.
ولعل المتابع يذكر أن أول خلاف بين نتنياهو ووزيره في الحرب كالانت كان حول أولوية البدء بالعدوان على لبنان أو على غزة .. أي أن حسن نصر الله أدرك أن الاحتلال الاسرائلي تبنى مقاربة إقليمية للرد على طوفان الأقصى وهو ما أعلنه نتنياهو صراحة بزعمه أنه سيغير وجه الشرق الأوسط...
التزام حزب الله بمقتضيات حماية لبنان أولا، ينم عن موقف وطني لا غبار عليه ضد كل الدعاية التي تزعم أنه ذراع لإيران بالمنطقة، طبعا هذا لا يعني بالضرورة تنكره لمرجعيته العقيدية والمذهبية.. وإنما يعني أنه في الزمن الفاصل بين الذهاب إلى حرب إقليمية، وهو ما أشرت عليه صواريخه التي ضربت تل أبيب مؤخرا، وإعلان نتنياهو الماكر باستعداده لقبول وقف إطلاق النار مع لبنان حتى يفهم التصعيد كسياسة رسمية لحزب الله ومن معه، مما قد يجر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الانخراط المباشر في الصراع، اختار حزب الله أن يلجم مكر العدوان الصهيوني، وقبل بمبادرة التهدئة، بعنوان وطني لبناني، رغم تداعياته على وحدة الساحات المقاومة، فهل من مدرك لايعاد موقف حزب الله؟
ذ. عبد الرحيم جدي/ محامي بهيئة مراكش