تسليم فرنسا لحوالي 2.5 مليون وثيقة من الأرشيف لها علاقة بالمغرب سواء في فترة الحماية أي من 1912 إلى 1956، أو حتى قبل ذلك أي منذ احتلال فرنسا للجزائر، وتوسعها التدريجي نحو واحات الصحراء الشرقية المغربية ابتداءً من 1881، يعتبر خطوةً طبيعية وقانونية تجاه المغرب، طبيعية لأنها تعيد "ما لقيصر لقيصر" كما يقول المثل، فالأمر يتعلق بجزء من الذاكرة المغربية ومن التاريخ المغربي، ومكانه الطبيعي هو مؤسسة أرشيف المغرب. ومن جهة أخرى هي خطوة قانونية لأنّها تندرج ضمن الالتزامات الفرنسية الموقعة بين البلدين، وهذا جزء منها وستتلوه أجزاء أخرى.
أما بالنسبة لأبعاد هذه الخطوة على تطور ملف الصحراء المغربية، أظنّ أنّ الإشكال لم يكن يوماً في الوصول إلى الوثائق التاريخية التي تثبت مغربية الصحراء سواء الشرقية أو الغربية، فلدينا من الوثائق في الخزانة الملكية ما يغنينا وزيادة، ولدينا في مؤسسة أرشيف المغرب وفي ملكية الأشخاص الذاتيين آلاف الوثائق التي تثبت بالتفصيل وقائع سيادة المغرب على هذه الأراضي العزيزة على كل مواطن مغربي.
نعم، "زيادة الخير خيرين" كما يقال، ولكن الأهمّ من تسليم تلك الوثائق في تقديري المتواضع، هو إتباعهما بخطوة أساسية، وتتعلق بتوجيه مذكرة دبلوماسية فرنسية رسمية إلى مجلس الأمن وكل السلك الدبلوماسي المعتمد لدى باريس، وتتضمن مرافعة قانونية معززة بشواهد تاريخية من هذا الارشيف عن مغربية الصحراء وكيفية اقتطاع أراضي المملكة وتقسيمها بين القوتين الاستعماريتين فرنسا وإسبانيا، ودور ذلك في خلق مشكلة الصحراء وظهور الصراع حولها.
وهذه المذكرة يجب ان تطالب بها وزارة الخارجية المغربية نظيرتها الفرنسية في إطار تنفيذ التزاماتها التي أعلن عنها إمانويل ماكرون في رسالته المؤرخة في 30 يوليو 2024، والتي تم توثيقها رسميا في "إعلان الشراكة الاستثنائية الوطيدة" الموقع من طرف الرئيس الفرنسي والعاهل المغربي يوم الإثنين 28 أكتوبر 2024 بالقصر الملكي العامر بالرباط. فقد تعهد السيد ماكرون بترجمة الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء على المستوى الداخلي والدولي في السياسة الفرنسية، وهذه إحدى الخطوات المهمة في الاتجاه الصحيح.
وبذلك سنكون قد استثمرنا فعلاً الأرشيف المسلم للمغرب بشكل عقلاني وقانوني ودبلوماسي باتجاه الطي النهائي للنزاع في أروقة الأمم المتحدة إلى الأبد وبغير رجعة. عدا ذلك، سيدخل هذا الأرشيف إلى دهاليز مظلمة لوقايته من الرطوبة واللصوص والأرَضَة، وقد لا يجد حتى من يُمول منحاً للباحثين الجامعيين قصد استخراج كنوزه ونشرها في المجلات الاكاديمية والكتب العلمية، كما هو الحال مع الأرشيف المتوفر لدينا منذ عقود وقرون، ولازال ينتظر من يحققه ويخرجه إلى دائرة الضوء في ظلّ تغافل الجامعات وزارة التعليم العالي ووزارة الخارجية عن تخصيص ميزانية سنوية لتحقيق الأرشيف واستكشافه ونشره.