الخميس 14 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

البدالي صافي الدين: الربيع العربي وما بعده

البدالي صافي الدين: الربيع العربي وما بعده البدالي صافي الدين
بعد أفول شمس الربيع العربي، هناك  من  تأسف  على رحيله ، لأنه لم يحقق المبتغى السياسي ، وهناك  من قال يا  ليته ما كان، لأنه خلف لنا نظاما في مصر أكثر صهيونية من بني صهيون  وخلف لنا في تونس، مهد شرارة الربيع العربي، نظاما أكثر ديكتاتورية واستبدادا من نظام بن علي وخلف لنا في ليبيا  جماعات إرهابية تسرق خيرات الشعب  وثرواته الطبيعية من غاز وبترول و تتاجر في الأرواح والأنفس وتتاجر في البشر وخلف لنا في  المغرب دستورا جامدا بلا روح وتوالي حكومات أكثر تسلطا و قمعا و فسادا من الحكومات  السابقة ، و جاء بالتنظيم الإرهابي" داعش" لتدمير الشعب السوري والشعب العراقي وخلف حرب اليمن والحروب الداخلية في السودان. إنه  لما جاء هذا  الربيع ظن الجميع بأن الأمة العربية والإسلامية سوف تتخلص من أنظمة استبدادية وعميلة الامبريالية والصهيونية وخادمة الماسونية ،ظن الجميع أن الشعوب العربية  قد صحت من غفلتها وأنها لم تعد تخاف القمع ولا الاغتيالات.
 
وكان الربيع العربي قد  اتخذ أشكالا نضالية  مختلفة حسب كل بلد و حسب طبيعة النظام السياسي الحاكم . لكنه كان يفتقر إلى   قاطرة/قيادية، منسجمة ومتماسكة، موحدة ووحدوية من حيث المنطلقات والأهداف، وهي القاطرة التي  كان من المفروض أن  تقود المعارك حتى التخلص من كل فلول الفساد والأوليغارشية  والاستعمار الجديد و رموز الاستبداد والتبعية.
 
إنه في غياب هذه القاطرة طفت على السطح الانتهازية السياسية والدينية مدعمة  من طرف الأنظمة الحاكمة وبحماية الأنظمة الإمبريالية، التي لا مصلحة لها في بلوغ الربيع العربي أهدافه النبيلة في الدول التي اندلعت فيها انتفاضات ضد الأنظمة في كل من تونس ومصر وليبيا والمغرب وسوريا والسودان واليمن وغيرها.
 
وانتهى الربيع العربي وحركاته  بحلول أنظمة سياسية أكثر انفرادية وأكثر استبدادا بوجوه  مختلفة، لا ديمقراطية، ولا إنسانية ولا وطنية. فعم اليأس والبؤس السياسي والتفرقة والفتن. ونشطت الحركات المعادية للتغيير من نقابات وأحزاب وجمعيات تدعي أنها "مجتمع  مدني" من إنشاء وإخراج الأنظمة القديمة / الجديدة في البلدان العربية، بلدان الربيع العربي، ليجعلوا من الشعوب شعوبا يلتئمون حول راقصة أو حول مغني متخلف فنيا وأخلاقيا ويفجرون غضبهم أو بهجتهم في مباريات كرة القدم و ينتسبون إلى التقدمية قولا وليس فعلاً ،وظهر أناس  يركبون براءة الدين ليسرقوا وينهبوا ويبنون المساجد طمعا في المغفرة و هم غارقون في الذنوب حتى النخاع. وفي المعارك النضالية يتحرك  الجبناء، خدام الأنظمة الحاكمة،  و هم يحاولون  إقناع  الناس  بأن لا فائدة من المعارك النضالية، يريدون أن يجعلوا من الشعوب شعوبا مغلوبة على أمرها، خانعا وراكعة بمحض إرادتها. 
 
ولما استأنفت المقاومة الفلسطينية تصديها للكيان الصهيوني المستعمر انطلاقا من غزة بزعامة حماس وجدت الشعوب العربية نفسها أمام أنظمة عربية متخاذلة وداعمة  للكيان الصهيوني في المجازر التي يرتكبها ضد الفلسطينيين وحرب الإبادة بقتل النساء والأطفال.
 
ولم تنفع مع الجرائم المرتكبة من لدن الكيان الصهيوني المظاهرات العارمة التي تنظمها الجماهير الشعبية في العالم العربي مساندة المقاومة الفلسطينية، ضدا على أنظمتهم الخنوعة  التي  تنتظر القضاء على المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها من طرف الكيان الصهيوني  الذي أصبح  يخوض حرب الإبادة بمباركة هذه الأنظمة العربية الجبانة إنها حرب إبادة  بالوكالة. 

فالمقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها والشعب الفلسطيني حركوا شعوب العالم كلها بفعل التضحية والصمود والدفاع عن الحق في الوجود والحق في دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وجعلوا  شعوب العالم تكتشف الحقيقة النازية للكيان الصهيوني وحقيقة وحشيته.
 
لقد تحول تجاهل شعوب العالم بما فيها شعوب الدول الإمبريالية بزعامة أمريكا إلى تعاطف مطلق مع الشعب الفلسطيني وبالمقابل تم اكتشاف مدى تعاطف أنظمة غربية وعربية مع الكيان الصهيوني.
إنها مفارقة غريبة يعرفها العصر الحالي صنعتها المقاومة الفلسطينية في هذا القرن.