السبت 23 نوفمبر 2024
جالية

لشبونة.. المدينة التي حولت الزلزال من نقمة إلى نعمة !

لشبونة.. المدينة التي حولت الزلزال من نقمة إلى نعمة ! الزميل عبد الرحيم أريري في زنقة Augusta المشهورة، المؤدية إلى ساحة la commerce، بوسط لشبونة
إذا أسقطنا المنازل والإدارات والفنادق والثكنات والمعامل والمرافق العمومية من مجموع مساحة العاصمة البرتغالية، نجد أن مدينة لشبونة توفر لساكنتها ولزوارها لوحات فنية تزين الأرصفة على امتداد 3300 هكتار من شوارع وساحات وأزقة.
 
 ذلك أن رصيف كل زنقة أو شارع أو ساحة بمدينة لشبونة يعد تحفة تفنن فيها حرفيون بإبداع لوحات مصنوعة من الحجر الصغير ذو اللونين الأسود والأبيض.
 
اختيار اللونين الأسود والأبيض لتزيين رصيف شوارع وساحات لشبونة لم يكن اعتباطا، بل يعود إلى النصف الثاني من القرن 18، حين تعرضت البرتغال إلى زلزال مدمر دك لشبونة. إذ في هذه الفترة كلف ملك البرتغال " جوزيف الأول"، وزيره القوي "سيباستياو دي كارفاليو إي ميلو" Sebastien jose de carvalho، بملف إعادة إعمار المدينة. وبحكم جبروت وسطوة الوزير سيباستياو، منح الملك جوزيف لوزيره "لاكارت بلانش"، وخول له كل الصلاحيات لإعادة إعمار لشبونة داخل أجل زمني قصير.
 
ولتسريع وتيرة إعادة الإعمار، أمر الوزير سيباستياو، بإعادة استغلال الردم والحطام والأتربة الناجمة عن تدمير البنايات بسبب الزلزال، في أشغال تسوية الساحات وتهيئة الشوارع والأزقة، ولإعطاء لمسة فنية للمدينة تم الإتيان بحرفيين مختصين في التبليط  باستعمال حجارة الكالكير والبازالت، وتم اختيار اللونين الأسود والأبيض.
 
اللون الأسود للأحجار التي زينت لأول مرة حي Baxia ، كانت ترمز الى اللباس الأسود الذي كان يرتديه القديس "سان فانسان" Saint vincent، الذي كانت الأسطورة البرتغالية تصفه بأب لشبونة، وهو من القديسين الذين مازالت البرتغال تحتفي بهم دينيا يوم 22 يناير من كل عام. أما اللون الأبيض فكان يرمز إلى لباس الجنود المسيحيين في الحملات الصليبية لحماية لشبونة من قبضة المسلمين أثناء حصار المدينة عام 1147، علما أن هاته الحملات الصليبية لم يشارك فيها جنود البرتغال فقط، بل ضمت أيضا جنودا مسيحيين من انجلترا وألمانيا والفلامان.
 
وبعد النتائج المحمودة لعملية إعادة إعمار لشبونة والأصداء الإيجابية التي خلفها اختيار تبليط وتزيين الساحات وأرصفة الشوارع باللونين الأسود والأبيض، تقرر تعميم التجربة على معظم مدن البرتغال في مطلع القرن 19، لكن مع إضفاء لمسة أخرى في تزيين الأرصفة والساحات باستلهام موروث البرتغال في المجال البحري في أشغال التبليط ( رسم سفن، معدات الصيد، آليات الإبحار، الأمواج، الرياح والأشرعة، إلخ...). مما أضفى على الفضاء العام بمدن البرتغال مسحة جمالية وجاذبية.
 
وحين حظيت البرتغال باحتضان "إكسبو لشبونة 1998"، كان الحدث بمثابة طفرة، بل ثورة في تملك الفضاء العام وتزيين العاصمة البرتغالية، وتم إدماج مدارس الفنون وأشهر الرسامين في تطوير هذا الموروث من جهة، ولمواكبة خطة عمومية لإحياء حرفة واضعي الحجارة وتزيين الرصيف ( بالبرتغالية يسمونهم Calcetreiros) من جهة ثانية.
 
والنتيجة هاهي اليوم ماثلة للعيان: اعتزاز مدينة لشبونة بكونها نجحت في  تحويل فضائها العام إلى متحف في الهواء الطلق يمتد على مساحة 3300 هكتار( المساحة التقريبية للشوارع والأزقة والساحات)، من نهر التاج جنوبا إلى المطار شمالا، يستمتع برسوماته على الأرصفة 4 مليون سائح يزورون العاصمة البرتغالية كل عام.