الخميس 21 نوفمبر 2024
خارج الحدود

أزمة تعليمية في مصر بين الحكومة والأزهر

أزمة تعليمية في مصر بين الحكومة والأزهر توحي بعض الشواهد بأن النظام المصري لن يرفع الراية البيضاء في مواجهة تعنت الأزهر
دخل مجلس النواب المصري في مواجهة مع الأزهر بعد أن وافق مبدئيا على مجمل مواد مشروع قانون إنشاء المجلس الأعلى للتعليم، رغم رفض ممثل الأزهر وإصراره على عرض القانون أولا على المؤسسة الدينية مراعاة لخصوصية التعليم الأزهري، وهو ما رفضه البرلمان وممثل الحكومة وأصرا على المناقشة.
 
وواجه وزير المجالس النيابة والشؤون السياسية محمود فوزي ممثل الأزهر في البرلمان أحمد الشرقاوي، بعد أن رفض الأخير مشروع القانون بحجة أنه لا يتسق مع سياسة الأزهر، أو نظامه التعليمي الذي يتمتع بخصوصية، باعتباره يُدرس العلوم الشرعية ويفترض أن يتم التعامل معه على هذا الأساس.
 
ودافع ممثل الأزهر عن موقفه بأن مشروع قانون المجلس الأعلى للتعليم، الذي سبق عرضه على الحوار الوطني والموافقة على نصوصه، تغيّر بعد مناقشته في مجلس النواب بما لا يتفق مع ما أجمعت عليه القوى السياسية، ولذلك قرر الأزهر رفض مواده الحالية.
 
وقال وزير المجالس النيابية إن مشروع قانون المجلس الأعلى للتعليم فكرة رئاسية، والمقترح حكومي، وتم التنسيق بين البرلمان والحكومة عقب تمريره على الحوار الوطني.
 
ودعمت الأغلبية في البرلمان موقف الحكومة بمنع وقوف الأزهر حجر عثرة في طريق إقرار قانون يُكرّس العصرنة والتحضر الثقافي بين الأجيال الصاعدة، في ظل تضارب الأهداف والخطط بين التعليم العام والأزهري، ما تسبب في أزمة فكرية بالمجتمع، وهي إشكالية تتطلب وضع حد للفوضى الحاصلة في ملف التعليم.
 
ودعمت الأغلبية في البرلمان موقف الحكومة بمنع وقوف الأزهر حجر عثرة في طريق إقرار قانون يُكرّس العصرنة والتحضر الثقافي بين الأجيال الصاعدة، في ظل تضارب الأهداف والخطط بين التعليم العام والأزهري، ما تسبب في أزمة فكرية بالمجتمع، وهي إشكالية تتطلب وضع حد للفوضى الحاصلة في ملف التعليم.
 
ورأى الكاتب المصري محمد الباز أن موقف الأزهر المتعنت ضد إصلاح التعليم في مصر ليس بجديد، لكنه لا يستوعب إصرار الدولة على التحضر وتكريس العصرنة والحفاظ على الأجيال الجديدة من أي انحراف فكري، ويصر على تقديم نفسه كمحام عن الدين، وكأن من لا يلتحقون بالتعليم الأزهري ليسوا مسلمين.
 
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، وهو أيضا إعلامي بارز ورئيس مجلس إدارة وتحرير صحيفة “الدستور”، أن الأزهر لديه مجموعة ادعاءات يغلفها بالخصوصية، حيث يتمسك بتدريس العلوم الشرعية مع أنه ثبت علميا أن فرض تلك العلوم على الأطفال والمراهقين يدفعهم إلى التطرف، لأنهم عاجزون عن الفرز وإعمال التفكير النقدي، وهذا ضد إستراتيجية التعليم الجديدة للدولة المصرية.
 
ويحاول الأزهر أن يجد مبررا للتنصل من وجود وصاية حكومية عليه تُلزمه بتطبيق سياسة تعليمية قد تنسف المكتسبات التي حققها على مدار عقود، من مغازلة الأغلبية المتدينة بالفطرة، والتوسع في إنشاء معاهد دينية ترى الحكومة أنها تقف عائقا أمام عصرنة العقل المصري وانفتاحه على الثقافات الأخرى.
 
وتكمن مشكلة قيادات الأزهر في عدم التعاطي بمرونة مع ما يطرحه الرئيس عبد الفتاح السيسي من أفكار تستهدف التحضر، وعدم الاستسلام للماضي بتراثه وطقوسه القديمة، في ما يتعلق بالتعليم وتجديد الخطاب الديني وقوانين الأحوال الشخصية.
 
وضاق النظام ذرعا بإصرار الأزهر على فرض الوصاية على أي قانون له علاقة بكل ما هو ديني، سواء أكان يخص المشيخة أم لا، ويحاول تحريض الشارع ضد الفكرة ولو كانت أهدافها نبيلة، كإنشاء مجلس للتعليم هدفه أن تكون للدولة سياسة تعليمية واضحة.
 
ويظهر ذلك في تمسك ممثلي الأزهر بأن يكون للتعليم الديني نص خاص في قانون إنشاء المجلس الأعلى للتعليم، يراعي خصوصية المعاهد والكليات والجامعات الأزهرية، وهو ما ترفضه الحكومة، وتصر على أن يكون النظام التعليمي كتلة واحدة، بأهداف تحددها الدولة ومؤسساتها، وليس أصحاب المصلحة.
 
ولفت محمد الباز في حديثه لـ”العرب” إلى أن الأزهر يتعامل مع كل خطوة تستهدف إصلاح التعليم على أنها تهدد نفوذه ومصالحه، وعندما يعترض يبحث عن وضعية خاصة به، ويريد أن يظل مميزا طوال الوقت، وبسبب ذلك لم تعد العقلية المصرية موحدة، لأن الأزهر يتمسك بأن تكون الهوية الدينية أهم من الهوية الوطنية.
 
ويُلزم القانون الجديدُ المجلسَ الأعلى للأزهر، وغيره من المجالس التعليمية للمدارس والجامعات، بتنفيذ السياسات العامة التي يضعها المجلس الأعلى للتعليم الذي يتبع مؤسسة الرئاسة، مع تقديم تقارير نصف سنوية توضح آليات التنفيذ على الأرض، على أن تكون تلك السياسة معبرة عن رؤية الدولة وأجهزتها الحكومية.
 
ويرفض الأزهر تلك الوضعية، أو أن يتساوى مع باقي المؤسسات داخل الدولة، لكونه يتمتع باستقلال لا يجعله تحت رقابة الحكومة أو وصايتها، وهو ما ترفضه السلطة بشكل مطلق، بمنطق قائم على حتمية توحيد السياسة التعليمية وأهدافها، لأن مخرجات التعليم الأزهري قادت إلى انتكاسات فكرية وثقافية في المجتمع.
 
ويضم المجلس تسعة وزراء، من بينهم وزيرا الدفاع والداخلية، في رسالة حاسمة وصارمة من النظام تفيد بأنه ماض في طريقه، ولن يعبأ بالتحفظات التي تثار ضده من أي جهة، ولو كان الأزهر نفسه، لأن التعليم يمثل للنظام قضية أمن قومي وجزءا أصيلا من متطلبات الاستقرار، وفي هذا الشأن لن يُسمح لأي مؤسسة بالتغريد خارج السرب.
 
وبعيدا عن خبايا رفض الأزهر للقانون، قد لا يدرك بعض قادته أن موقفهم المتشدد سيُفهم على أنه موجه إلى الرئيس السيسي نفسه، لأنه صاحب مقترح إنشاء مجلس أعلى للتعليم يضم تحت سلطته كل الهيئات التعليمية في البلاد، ويرسم السياسات لتنفذها المؤسسات بشكل حرفي.
 
وتوحي بعض الشواهد بأن النظام المصري لن يرفع الراية البيضاء في مواجهة تعنت الأزهر مهما بلغت التحديات التي تفرض على الحكومة تسيير أمورها بأقل الخسائر، كي تتفرغ لحل المشكلات، وهناك تصميم على ضرورة انتصار الدولة لتكريس هيبتها.
 
وأكد النص القانوني، الذي يرفضه الأزهر، أن “التعليم إستراتيجية دولة، لا أشخاص ولا مؤسسات”، وهو إعلان صريح من جانب الحكومة والبرلمان يفيد بأن الاستقلال المطلق الذي احتمى به قادة الأزهر للي ذراع الدولة لن يستمر، طالما يُساء استغلاله.
 
المصدر: موقع العرب