الدكتور أنور الشرقاوي بتعاون مع البروفيسور مصطفى بوعودات، أستاذ محاضر، باحث تربوي.
بلغ عدد كبار السن في المغرب 4.5 ملايين في عام 2022، وفقًا لأحدث أرقام المندوبية السامية للتخطيط. ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 15.4% بحلول عام 2030.
ومن المتوقع أيضًا أن يزداد هذا العدد ليصل إلى 10 ملايين بحلول عام 2050، ما يمثل 23.2% من إجمالي السكان.
هذه الزيادة المطردة في أعداد كبار السن تصاحبها حاجة متزايدة إلى الرعاية الصحية، ولا سيما تلك الرعاية المتخصصة والمعدة بعناية.
إن المغرب يقف في قلب هذا التحول الديموغرافي، وهو ما يستوجب استعدادًا كافيًا للتعامل معه من خلال وضع نظام فعال لرعاية كبار السن، يشمل إنشاء مؤسسات متخصصة في طب الشيخوخة، وتأمين موارد مادية ومالية دائمة، وتوفير كوادر بشرية متخصصة بكثرة.
إن هذا الارتفاع المستمر في عدد كبار السن يتطلب تفاعلًا أكبر من الممرضين والممرضات في إعادة تحديد أدوارهم، وذلك عبر الاعتماد على أسس قوية في عملية الرعاية الصحية. وقد بدأ المغرب منذ عام 2022 بتكوين ممرضين متخصصين في مجال الشيخوخة والطب المتعلق بها في خمسة معاهد عليا لمهن التمريض وتقنيات الصحة "ISPITS"، وفق برنامج تدريبي غني ومتكامل.
تعد الجيرونتولوجيا (علم الشيخوخة) Gerontologie تخصصًا حديثًا نسبيًا، وهي في طور التطور، بينما تغيرت احتياجات الصحة العامة بشكل كبير.
الشيخوخة هي بلا شك ظاهرة طبيعية، لكنها تجلب معها هشاشة وضعفًا متزايدين.
فأي ضرر بسيط قد يصيب كبار السن يمكن أن يؤدي إلى اختلالات كبيرة قد تكون غير قابلة للإصلاح.
فأي ضرر بسيط قد يصيب كبار السن يمكن أن يؤدي إلى اختلالات كبيرة قد تكون غير قابلة للإصلاح.
تتطلب رعاية كبار السن يقظة شديدة من الطاقم الطبي لضمان تقييم شامل للتوازن البيولوجي والنفسي والاجتماعي للمرضى المسنين.
وعلى الرغم من عدم وجود مرض في بعض الأحيان، إلا أن كبار السن غالبًا ما يواجهون مشاكل صحية معقدة، حيث تكون كل حالة فريدة وتتطلب قرارات معقدة وحلولًا متعددة.
تتسم الرعاية الجيرونتولوجية بالاستمرارية والشمولية، مع إجراء تقييم كامل للحالة الصحية للمريض المسن، بما في ذلك التقييم الجيرياتيGeriatrie.
كما تتطلب مشاركة المريض وعائلته في العملية العلاجية، إلى جانب الحرص على جودة الرعاية في جميع مراحل التدخل.
تتسم الرعاية في مجال الجيرونتولوجيا بالوقائية والعلاجية والتلطيفية، وهي ترتبط بشكل وثيق بالأمراض المزمنة والصحة النفسية.
فالحديث في هذا المجال لا يقتصر على تقديم الرعاية فقط، بل يتعلق بالحياة نفسها، وذلك بهدف مساعدة كبار السن على العيش بأقصى قدر من الاستقلالية الجسدية والنفسية والاجتماعية.
لا ينبغي إغفال الجانب الاقتصادي لرعاية المسنين أيضًا، إذ إن "القوة الاقتصادية للرعاية الصحية تساهم في خلق أفراد ومجتمعات صحية، وتحفيز اقتصاديات قوية".
كما أن الشيخوخة قد تؤثر على الادخار، مما قد يؤثر بدوره على الاستثمار والإنتاجية والابتكار، وفي النهاية على مستوى الدخل الفردي.
لابد أن يتجاوز مجال الجيريات (طب الشيخوخة) Gériatrie والجيرونتولوجيا Gerontologie هذا الطور الابتدائي.
ولإيجاد حلول سريعة، من الضروري أن يتعاون جميع العاملين في هذا المجال وكل المهتمين بالصحة العامة لتحقيق هدف مشترك، وهو تمكين كبار السن من العيش بسعادة مع الحفاظ على استقلاليتهم.
ولهذا يجب التركيز على البحث في مجال الرعاية الجيرونتولوجية. فرغم التحديات، يبدو مستقبل البحث في هذا المجال واعدًا.
تتوجه إرشادات منظمة الصحة العالمية نحو مفهوم "الشيخوخة النشطة"، وهو مفهوم يشمل مختلف العوامل التي تتنبأ بطريقة تقدم الأفراد في العمر، سواء كانت عوامل جينية، شخصية، سلوكية، أو صحية.
وكما قالت دومينيك دي باسكال: "ليس لنا أن نهرم إلا من خلال التعاون لنعيش شيخوختنا معًا بانسجام".