الأربعاء 30 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: ملف الوحدة الترابية.. "من التدبير إلى التغيير"!!

محمد عزيز الوكيلي: ملف الوحدة الترابية.. "من التدبير إلى التغيير"!! محمد عزيز الوكيلي
هكذا جاءت الإشارة إلى هذه النقلة النوعية الجديدة في خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الثانية برسم السنة الجارية.

كثيرون سينخرطون في تحليل مضامين هذا الخطاب، وكثيرٌ منهم سيقف عند التعبير الوارد في العنوان أعلاه، في محاولة لسبر أغواره والخلوص منه إلى ما سيعرفه ملف وحدتنا الترابية، من جهتنا نحن، من تدابير وإجراءات "جديدة" و"غير مسبوقة" تقتضيها الظرفية الإقليمية والدولية الراهنة، والتي تحيط بهذا الملف وتجعل منه "أمراً واقعاً"، يتحتّم على أعداء وحدتنا الترابية أن بقبلوا به صاغرين، وأن يتعاملوا معه من منظور دولي لم يستطيعوا استيعابه والتكيف معه حتى الآن، نذكر من مظاهره، ليس على سبيل الحصر، أنّ أكثر من نصف الدول الأعضاء في هيأة الأمم المتحدة يؤمنون بعدالة قضيتنا، ويُثَمِّنون مقترحنا للحكم الذاتي، كأفضل إطار لحل النزاع المفتعل سياسياً وحضارياً بما يرضي جميع أطرافه (118 دولة)، وأن أكثر من ثلثي أعضاء الاتحاد الإفريقي يندرجون في نفس الإطار الأممي الداعم والمذكور (38 دولة)، وأن كل الدول الأعضاء في الجامعة العربية، باستثناء دولتين في حالة تشتت وضياع، تؤمن بوحدة التراب المغربي، ولا تقبل المساس به بأي شكل من الأشكال، بل إنّ أغلبها مستعد للمحاربة معنا جنباً إلى جنب إذا اقتضى الأمر ذلك، وإذا فرضه نظام جزائري عوّدنا على ركوب رأسه ضد كل الإرادات المعبر عنها إقليمياً وقومياً وقارياً وجهوياً وعالمياً على السواء!!

لنتأمل هذا الشعار الملكي الجديد "من التدبير إلى التغيير"، ولنرَ ما يمكن استخلاصه من صيغته التقابلية هذه، والتي تضع شطره الأول بمقابلة شطره الثاني، بما يوحي بانقلاب وشيك في أسلوب دفاعنا عن ملف وحدتنا الترابية، بعد أن لم يصدر عن جيراننا المشارقة ما يمكن أن ينمّ عن استعدادهم الطوعي للجلوس معنا على طاولة المُطارَحة، والمُصارَحة، من أجل حل المشكل القائم بيننا وبينهم، بعيدا عن تلك الدمية المصنوعة من القش ومن بقايا أطمار أنظمة شمولية أكلَ الدهر عليها وشَرِبَ قبل أن تستقبلَها مزابلُ التاريخ ومَطارِحُه المنسية!!

أولاً: "التدبير"
إنّ أول ما يتبادر إلى الذهن، ونحن نعيد قراءة أسلوب "تدبيرنا" لملف وحدتنا الترابية، أننا انتقلنا فيما بين عهدَيْ جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، ووريث عرشه وسره جلالة الملك محمد السادس، من أسلوب "ردّات الفعل" إلى أسلوب "المبادرة"، ولذلك اقتضى الأمر أن يضع العاهل ثقته في شاب ديناميكي متحفز ومتوثّب، ولكنه بموازاة ذلك حكيم ومتّزن وعارف، ليقود سفينة الدباوماسيا المغربية في عهدها الجديد، هو السيد ناصر بوريطة، الذي أبان عن عُلوّ كَعبٍ تجاوَزَ به بمسافات ضوئية جميع وزراء الخارجية التقليديين الذين عرفهم المغرب منذ الاستقلال، بمن فيهم أسماء أعلام أكابر مثل عبد الله إبراهيم وعبد الهادي بوطالب وعبد اللطيف الفيلالي وامحمد بوستة... وبذلك أشّرت المؤسسة الملكية على المُضي في تدبير ملف قضية المغرب الأولى باعتماد "مبدإ المبادرة"، بدلا من "ردات الفعل"، التي كانت الدبلوماسيا المغربية تتماهى فيها مع الواقع الذي كان يفرضه الخصوم، إلى درجة التخلي عن مقعدنا داخل منظمة الوحدة الإفريقية، كردة فعل على أوّل صدمة قوية يتلقاها المغاربة، من جراء إرشاء النظام الجزائري لأنظمة إفريقية كانت على أهبة الاستعداد لتلقي الرشاوي والإكراميات مقابل مواقفها الكاريكاتورية، التي أفضت إلى إعادة تشكيل النظام الأساسي للمنظمة الإفريقية بتحويلها إلى اتحاد إفريقي انضمت إليه ميليشيا الجنوب الجزائري بصفتها عضواً مؤسِّساً... ويا لها من صفة مثيرة لكل أشكال الهُزْء والسخرية!!

المهم، أن أسلوب "ردّات الفعل" المغربي لم ينتج عنه سوى إخلاءٍ غيرِ معقولٍ وغيرِ منطقيٍّ لمقعدنا كأبرز المؤسسين للمنظمة الوحدوية الإفريقية، بل قد كنا المؤسسين الحقيقيين لتلك الهيأة من داخل ترابنا الوطني، والتاريخ أكبر شاهد بَعد الله على ذلك!!

والحال أن انتقالنا إلى أسلوب "المبادرة" في تعاملنا مع تفاصيل هذا الملف أجبر أعداء وحدتنا الترابية على أخذ موقعِنا الانهزاميِّ السابق صاغرين، وبذلك صاروا هم المدمنين على أسلوب "ردة الفعل"، حتى أنهم باتوا يقضون لياليهم ساهرين في انتظار ما ستنبلج عنه الإصباحات من مبادرات مغربية جديدة، عادةً ما تصيبهم على حين غفلة فتزداد لديهم نوبات السعار، وبذلك انكشف لنا وللعالم مِن حولنا أن خصومنا هؤلاء لا يفقهون قيدَ شعرةٍ في السياسة، ولا في الدبلوماسيا، وأنهم أقل مستوى من الهواة في مباريات احترافية يصول المغرب فيها ويجول... ونَتائجُ ذلك وثِمارُه صارت باديةً لكل العِيان!!

ثانياً: التغيير
أعتقد شخصياً، بكل تواضع، أن أي تغيير في تَناوُلِنا لملف وحدتنا الترابية، بعد كل النجاحات السياسية التي حققناها والانتصارات الدبلوماسية التي حصدناها، والتي حولت خصومنا إلى "شماكرية" بكل دلالات الكلمة لا يحسنون إلا الكذب والنصب والسب والشتم والتباكي... أقول إن هذا "التغيير" لن يكون إلا آخِذاً بالوصفات القاصمة التالية أو بإحداها:

* أن نبدأ بسحب ملفنا من اللجنة الأممية الرابعة المختصة بتصفية الاستعمار، ما دمنا قد صفّينا بمعية إسبانيا وجودها الاستعماري السابق منذ سنة 1975 بمقتضى معاهدة مودعة في إبانها رسمياً لدى الهيأة الأممية، ولدى مجلس الأمن، وكذا لدى اللجنة الرابعة المختصّة؛

* مطالبة المنتظم الدولي بوضع حد لوجود المينورسو فوق ترابنا الوطني، وإلغاء أي وجود لمنطقة عازلة لم تعد الحاجة إليها ماسةً، وخاصةً بعد هذا الإجراء العملي والحاسم؛

* سحب مقترح الحكم الذاتي من الهيأة العامة ومجلس الأمن، وإنهاء الحديث عنه، أو الدخول رأساً في تنزيله على أرض الواقع، وهذا التنزيل لن يتّسم بأي صعوبة بالنظر لكون أهالي أقاليمنا الجنوبية قد دَرِبوا ومارَسوا فعلاً مختلِفَ فنون ممارسة شؤونهم العامة دون كبير احتياج إلى السلطات المركزية، فصاروا في ذلك أقرب إلى مواطنين مُسَيَّرين ذاتياً، ولم تعد تَفْرِقُهم عن التوصيف القانوني الرسمي للحكم الذاتي إلا بعض التفاصيل اليسيرة، من قبيل اختيار أعضاء سلطتهم التنفيذية، ومسؤولي أمنهم الذاتي المحلي، وتقعيد مبادئ ووسائل التعامل مع سلطات المركز، التي سيزدادون عنها انفصالاً واستقلالية... وبتعبير آخر، فساكنة أقاليمنا الجنوبية لم يعد يفصلهم عن إطار الحكم الذاتي سوى جانبه الأدبي والوثائقي مع بعض اللمسات ذات الصلة بالجانب العملي لهذا المشروع في أدق تفاصيله؛

* وأخيراً... سيتعيّن علينا أن نكون أكثر صرامةً في تعاملنا مع كل الدول الشقيقة والصديقة وكل دول المعمور، التي ينبغي عليها من الآن فصاعدا أن تتعامل معنا وفق هذا "التغيير" المبدئي والهيكلي، الذي لن تكون له بعد الآن أيُّ رَجعة... أقصد "إلى الوراء"!!!

وساعتئذ سيكون على خصومنا المشارقة أن يوضّحوا موقفهم أكثر مما سبق، ليس لنا، فنحن نعرف حقيقة موقفهم ربما أكثر من معرفتهم به هم أنفسُهم، لأنهم في حالة مَرَضية تُلقي الغشاوة على أبصارهم وبصائرهم... وإنما سيكون عليهم أن يُوضّحوه للعالم من حولهم، لأن العالم آنئذ سيكون مضطراً إلى وضعهم في موقعهم الحقيقي من التاريخ...

وهل في وسعهم، بسلوكاتهم الحالية الرعناء، أن يتخذوا من التاريخ موقعاً آخر غيرَ مَزبلتِه؟!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي