السبت 23 نوفمبر 2024
اقتصاد

أعمّو: الإخفاقات وضعف الإنجازات ومظاهر الاضطراب ستُؤثّرُ على دينامية سوس ماسة

أعمّو: الإخفاقات وضعف الإنجازات ومظاهر الاضطراب ستُؤثّرُ على دينامية سوس ماسة عبد اللطيف أعمو وجانب من الدورة العادية لمجلس جهة سوس ماسة
كشف عبد اللطيف أعمو، عضو مجلس جهة سوس ماسة، والمحامي والحقوقي، خلال أشغال الدورة العادية لمجلس جهة سوس ماسة، المتضمنة لنحو أربعين نقطة، والمنعقدة الإثنين 7 أكتوبر 2024، بمقر ولاية الجهة، عن الإخفاقات التي تحاصر الجهة، والتي تهمّ الدراسة والتصويت بالخصوص قطاع الماء.

وأوضح أعمّو، في مُداخلته له باسم مجموعة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس الجهة (عبد اللطيف أعمو/ محمد لعوينة/ العربي كانسي)، خلال الدورة العادية لمجلس جهة سوس ماسة، أن مجريات أشغالها تهم إدراج 8 اتفاقيات شراكة متعلقة بتزويد مراكز قروية بالماء الصالح للشرب بمجموع تراب جهة سوس ماسة، مساهمة من الجهة في توفير الماء الصالح للشرب بالعالم القروي، سواء في إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية أو في إطار البرنامج الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي (2020 - 2027)، إلى جانب توسيع برنامج السقي الذكي (نقطة 9) وترشيد استعمال الموارد المائية والنّجاعة الطاقية وجودة الهواء (نقطة 25 و 26) إضافة إلى دعم قطاع التطهير السائل (نقط: 27و28و29و30و31) والحماية من الفيضانات (نقط: 32-33 -34)، فيما همت نقط أخرى برنامج تأهيل الأحياء وتسهيل التنقلات الحضرية (نقطة 13 و 16) وارتبطت نقط أخرى باتفاقيات شراكة متعلقة بإنعاش الرياضة، من خلال تقديم الدعم السنوي المنتظم للعصب والفرق (16 فريقا من مختلف التخصصات الرياضية).

وفي يلي النصّ الكامل لمداخلة عبد اللطيف أعمو خلال أشغال الدورة العادية لمجلس جهة سوس ماسة، كما توصلت بها
"أنفاس بريس".

إن توقعات ميزانية التسيير برسم سنة 2025 تتميز بالاستقرار في مستويات متقاربة مقارنة بميزانية سنتي 2024 و 2023، حيث يتوقع مشروع ميزانية السنة المالية 2025 بخصوص التسيير والتجهيز في شقيه المداخيل والمصاريف، ميزانية تقدر بحوالي 814 مليون درهم، وهي تكاد لا تختلف عن مؤشرات ميزانية 2024 التي استقرت في مبلغ قدره 806 مليون درهم، خصصت منه حوالي 578 مليون درهم للاستثمار.

ولا تزال المداخيل المحولة للجهة من طرف الدولة تشكل حوالي 91.6 % من مجموع مداخيل الجهة المحددة في قرابة 814 مليون درهم، فيما المداخيل الذاتية لم تحقق إلا ارتفاعا طفيفا من 57.100.000,00 درهم سنة 2023 إلى 61.130.000,00 درهم سنة 2024، ثم إلى 68.206.500,00 برسم سنة 2025.

هذا، مع تسجيل برمجة للمشاريع الجهوية ستستدعي تجنيد مبلغ إجمالي قدره 1.701.176.500,00 درهم، سيتم تمويلها ذاتيا بمبلغ 524.926.500,00 درهم، أي بنسبة 30.1 % من مجموع الجهد التمويلي للمشاريع الجهوية، فيما يتم اللجوء للإقتراض بقيمة إجمالية قدرها 1.176.250.000,00 درهم، أي بنسبة تفوق الثلثين، وتحديدا 69.1 %.

ويتعين الانتباه لهذه الموارد المتأتية من القروض، لتمويل بعض المشاريع التنموية الجهوية، على اعتبار أنها "شر لا بد منه"، وأن القرار الائتماني مبني دائمًا على درجة من درجات احتمال الفشل، مع ضرورة اعتماد طرق إدارة مخاطر القروض واتخاذ كافة الاحتياطات لتجنب هذه المخاطر والتخفيف من آثارها بجهد دؤوب ومراقبة مستمرة.

جهوية تحتاج لالتقائية في التدخلات

لا بد، لفهم الدينامية الجهوية في محيطها العام، من ربطها بالتوجهات الحكومية العامة وبسياقها الوطني، حيث تلتئم دورتنا هاته في ظل الإعلان عن أولويات الحكومة وتوجهاتها العامة في إعداد قانون المالية لسنة 2025، والتي تعتبر أداة أساسية ومحورية لضمان استقرار النظام المالي وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة. وقد حددت المذكرة التوجيهية “أربع أولويات تعكس توجهات البرنامج الحكومي”، تتعلق “بمواصلة تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، وتوطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، والحفاظ على استدامة المالية العمومية".

وتعهدت الحكومة بالوفاء بالتزامات برنامجها المتعلقة بالمجالات الترابية، حيث وعدت بالشروع في التأسيس لشوط جديد من الالتقائية والاندماج الترابي وفق حزمة مبتكرة من آليات التعاقد والتنشيط الاقتصادي مع الجهات والتسريع بتنفيذ برامجها التنموية وتصاميمها الجهوية لإعداد التراب. كما التزمت الحكومة بأعلى درجات اليقظة من أجل التدبير المستمر والفعال للمخاطر المستجدة، خصوصا فيما يخص الحفاظ على السيادة المائية والغذائية والطاقية، وحماية القدرة الشرائية.

لكن هذه التعهدات الحكومية تبدو لنا مجرد التزامات فضفاضة، مجانبة للواقع ويطغى عليها التفاؤل المفرط، لدرجة الهروب إلى الأمام، في غياب رؤية سياسية واضحة وطموح إصلاحي بين.

ولقد لمسنا في المذكرة التوجيهية للقانون المالي 2025 خمسة إخفاقات أساسية، سيكون لها – لا محالة - أثر سلبي على الاندماج الترابي وعلى تنفيذ البرنامج التنموي الجهوي:



الإخفاق الأول: ملامح مشروع القانون المالي 2025 بصيغة "نسخ" / "لصق" (COPIER – COLLER )

فالتوجهات العامة في إعداد قانون المالية لسنة 2025، هي أولا في ملامحها، وفي عناوينها الكبرى المعلنة، تكاد تكون نسخة طبق الأصل لسابقاتها، حيث أعادت اجترار نفس الأولويات التي اعتمدتها الحكومة في قوانين المالية لسنوات 2022 و 2023 و 2024، وكأن الظرفية الحالية لم تفرز إشكاليات كبيرة ولم تبرز أولويات جديدة وطارئة، تقتضي ترجمة وتحويل النوايا إلى التزامات، وتستدعي حلولُا مبتكرة للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة على مستوى الرفع من وتيرة النمو، وخلق فرص الشغل، وتوفير شروط الدخل والعيش الكريميْن، ودعم النسيج المقاولاتي الوطني، وإقرار العدالة الاجتماعية والإنصاف المجالي.

الإخفاق الثاني: تغييب إشكالية الماء ضمن أولويات المذكرة التوجيهية

غيبت التوجهات العامة، في المقام الثاني، إشكالية الماء ضمن أولويات المذكرة التوجيهية لرئيس الحكومة، في حين يتأكد يوما عن يوم بأن المغرب لا يمكنه أن يحقق نسبة نمو تصل إلى 5 أو 6 % بدون سيادة مائية حقيقية ومستدامة. مما يقتضي وضع آليات حكامة لترشيد استعمال الماء للشرب وللسقي، ووضع الماء في قلب الرهان التنموي والمناخي، باعتباره تحديا هيكليا يقتضي المواجهة الحازمة والتصدي الجدي لتحقيق استدامة الموارد.

ويبدو أن التحديات المائية المستقبلية، لا يمكن ربطها فقط بتوالي سنوات الجفاف ، بل هي مرتبطة أساسا بعدم نجاعة سياستنا الفلاحية التي تستهلك أزيد من 80 % من مواردنا المائية، مع استمرار الهدر المائي و هيمنة السقي التقليدي، وأهمية المساحات الزراعية البورية التي تمثل 87% من مجموع المساحات المزروعة.

ولقد دقت العديد من التقارير الدولية والوطنية ناقوس الخطر، ومن ضمنها التقرير الأخير للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية الصادر في فبراير 2024، والذي كشف عن الاختلالات التي رافقت تنزيل مخطط المغرب الأخضر، الذي كان سببا مباشرا في تهميش حاجيات السوق الداخلية، والتركيز على التصدير، وتقليص الزراعات المعيشية.

ومن ضمن هذه الاختلالات، التأخير الكبير في مرافقة السياسة الفلاحية بسياسة تنموية قروية تمكن من تخفيف آثار الهجرة القروية التي تجد المدن صعوبة في احتوائها، بالإضافة إلى الضغط الشديد على الموارد المحدودة للاستخدام الزراعي نتيجة لضعف تنويع الاقتصاد القروي.

ومن جهته، أكد البنك الدولي، في أحدث تقاريره حول علاقة التغيرات المناخية بالنمو الاقتصادي، بأن تحولات المناخ قد تؤدي بحلول 2050 إلى نزوح قرابة مليوني (2 مليون) مواطن مغربي، أي ما يعادل 5.4 % من إجمالي السكان، إلى المناطق الحضرية. وهو ما سيشكل ارتفاعا قويا محتملا لظاهرة الهجرة القروية. ومن حقنا أن نتساءل: ماذا أعدت الحكومة على ضوء توجهاتها العامة في إعداد قانون المالية لسنة 2025 لمواجهة هذه الإشكاليات الكبرى، وما هي تداعيات ذلك على جهتنا تحديدا؟
كما سجل تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية من جهة أخرى ضعف المستوى التعليمي لغالبية الفلاحين الصغار والمتوسطين الذين يفتقرون للمؤهلات الفنية اللآزمة، حيث لا يتوفر 78,3 %من المشتغلين بقطاع الفلاحة والصيد البحري على شهادات جامعية. وهو ما يرهن مستقبلا كل جهود التحديث والتجويد والعصرنة ويحد من فعاليتها في القطاع.

الإخفاق الثالث: ضعف حصة الاستثمار الخاص

وكإخفاق ثالث، راهنت الحكومة، بهدف إطلاق إمكانات القطاع الخاص لتحفيز النمو وخلق فرص العمل، على رفع حصة الاستثمار الخاص من الثلث (1/3) إلى مستوى ثلثي (2/3) الاستثمار الإجمالي بحلول سنة 2035، من خلال اعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار، لكن القطاع العمومي ما زال مهيمنا على الاستثمار، حيث رفعت الحكومة من مجهود الاستثمار العمومي إلى حدود 335 مليار درهم، مع العلم أن تزايد نفقات الاستثمار العمومي لا يوازيه انعكاس واضح على مؤشرات التنمية، بفعل ضعف الحكامة في التدبير وضعف الفعالية في الأداء.

وتتوخى الحكومة مرحليا، بحلول سنة 2026، تحقيق التكافؤ بين الاستثمار العمومي والاستثمار الخاص، بنسبة 50 % لكل منهما، بفضل سن نظام جديد لدعم مبادرة الاستثمار الخاص، بما في ذلك تقديم تحفيزات مالية لدعم الاستثمارات الخاصة بصفة عامة، ومنحة مجالية إضافية لتشجيع الاستثمارات في المناطق الأقل نموا.

لكننا ما زلنا بعيدين عن عكس منطق هيمنة الاستثمار العمومي، واستبداله بدينامية أقوى للقطاع الخاص، في ظل تباطؤ معدل النمو الاقتصادي الوطني الذي سجل معدل نمو لا يتعدى 2.4% ، وفي ظل ضعف مساندة الحكومة بإطار لسياسات و لإستراتيجيات أوسع نطاقا وتكملتها وتعزيزها بجهد قوي داعم لخلق فرص العمل النوعية والمستدامة. ويجب على الحكومة أيضا أن تعمل على تهيئة بيئة داعمة (استقرار الاقتصاد الكلي، وسهولة الاستثمار وممارسة الأعمال، وسيادة القانون) ... ومن الضروري أيضاً أن تستثمر الحكومة في البنيات التحتية المسهلة للاستثمار، وفي الرأسمال البشري، وغيره من العوامل الاجتماعية والاقتصادية الضرورية لخلق فرص العمل والتشغيل.

الإخفاق الرابع: استمرار ارتفاع مستوى البطالة خصوصا بالعالم القروي ولدى النساء

وكإخفاق رابع للمذكرة التوجيهية، ورغم التطمينات الرسمية، لم توفق الحكومة بشكل كبير في توطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل، حيث أكدت المندوبية السامية للتخطيط، استمرار ارتفاع مستوى البطالة إلى 13.7 % و13.1 %، على التوالي، خلال الفصلين الأول والثاني من سنة 2024.

فيما سلط بنك المغرب الضوء في تقريره السنوي على مواصلة مــــعدل التشغيل، لما فوق 15 سنة، تراجعه ليصل إلى 38 %، وهو أحد أدنى المعدلات في العالم، وفق قاعدة بيانات منظمة العمل الدولية الخاصة بسنة 2022، حيث احتل المغرب الرتبة 93 من بين 97 دولة، فيما بلغ مستوى التدني أوجه في المناطق القروية وبشكل بارز في صفوف النساء.

مما يقتضي تضمين مشروع قانون المالية 2025 إجراءات ناجعة وذات طابع استعجالي لخفض معدلات البطالة، غير المسبوقة، بحيث تشير آخر الأرقام إلى فقدان 300.000 منصب شغل مقارنة بالسنة الماضية، جلها في القطاع الفلاحي، مما يؤكد استمرار ارتباط الاقتصاد الوطني بـــ " التقلبات المناخية"، وعدم قدرة قطاع الصناعة والخدمات على تغطية خسائر القطاع الأول، مما يجعل العالم القروي الأكثر تضررا من إشكالية البطالة التي أضحت ذات طابع هيكلي في المقام الأول.

هذا، بجانب ضعف الاستثمارات في المجال الفلاحي، والتي يبقى حجمها غير كافي (لا يتجاوز 4% من الميزانية العامة للدولة)، في حين يوصي إعلان “مالابو” حول تسريع التنمية الفلاحية في إفريقيا بتخصيص 10% كحد أدنى للاستثمار في القطاع الفلاحي.

الإخفاق الخامس: استمرار الهشاشة البنيوية وتوسع “الفجوات المجالية” بين الجهات

وخامسا، لم تفصح الحكومة عن نواياها في المذكرة التوجيهية بخصوص تحقيق العدالة المجالية، حيث كشفت دراسة للمعهد المغربي لتحليل السياسات عن اتساع الهوة بين الجهات القيادية المتمثلة في ثلاث جهات فقط هي: الدار البيضاء - سطات وجهة الرباط - سلا - القنيطرة وجهة مراكش - آسفي، والتي سجلت تراكما من الاستثمارات بلغ 61 % من الاستثمار الوطني، في حين تكتفي باقي الجهات التسع الأخرى مجتمعة، وضمنها جهة سوس- ماسة، بنسبة 39 %.

فيما كشفت معطيات مندوبية التخطيط في آخر مذكرة حول الحسابات الجهوية عن تحقيق ثلاث جهات، هي: الدار البيضاء – سطات والرباط – سلا - القنيطرة وطنجة – تطوان - الحسيمة، أزيد من نصف الثروة الوطنية (57.9 %). مما أفضى إلى اتساع الهوة التنموية بين المجالات الترابية، فضلا عن اتساع “الفجوات المجالية” بين المجال الحضري والقروي، وخصوصا الجبلي منه، والذي لا تزال العديد من نطاقاته تعاني أوجها متعددة من الخصاص الاقتصادي والاجتماعي والبنيوي.

وما الأضرار الجسيمة التي خلفتها الفيضانات الأخيرة في أقاليم الجنوب الشرقي، وخاصة بإقليم طاطا، وتضرر مصالح حيوية كالماء والطرق والبنية التحتية إلا واجهة من أوجه الهشاشة البنيوية وتوسع “الفجوات المجالية” التي تؤكد غياب العدالة المجالية، واتساع الفوارق بين جهات تستحوذ على القسط الأوفر من مشاريع الاستثمار والتأهيل، وأخرى تبدو بعيدة الركب التنموي بسبب استمرار وطأة الهاجس المركزي في توزيع الاستثمارات.

وأن على مشروع قانون المالية 2025، الذي يترجم عمليا الالتزامات الحكومية على أرض الواقع، أن يتضمن إجراءات مستعجلة لتنزيل سياسات تنموية تستهدف تحقيق تنمية متوازنة بين الجهات، بما يضمن توزيعا أكثر عدالة للثروة ويحقق فرصا متساوية للجميع، بهدف تحويلها إلى استراتيجيات متكاملة لتحقيق تنمية تتجاوز تحسين الأداء الاقتصادي على المستوى الوطني، لتشمل تقليص الفوارق بين الجهات وتعزيز العدالة الاجتماعية والترابية.
تأثير سلبي منتظر

إن كل هذه الإخفاقات سيكون لها، لا محالة، تأثير سلبي على الدينامية الجهوية ككل، وعلى تنمية جهتنا بشكل خاص. وقد اعتبرت الحكومة بأن الأداء الاقتصادي لمختلف الجهات قد واجه “اختبارات قاسية” على مر السنين السابقة؛ غير أن الجهات أظهرت "قدرة على الصمود والمرونة " résilience، خصوصا بفضل الجهوية المتقدمة، وكذا الاستثمارات في البنيات المهيكلة الكبرى.
ويتعين مواصلة الجهود المبذولة لتمويل الاستثمار العمومي، لأنه أحد أهم مجالات الإنفاق العمومي، ويعتبر آلية أساسية لتحقيق التوازن البين - جهوي والتنمية السوسيو - اقتصادية ولتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل، وما زال يلعب دورا محوريا في خلق التنمية وتوجيهها نحو مزيد من العدالة المجالية والاجتماعية، وغالبا ما يتم من خلال تنزيل الاستراتيجيات القطاعية على المستوى الترابي، وكذا تفعيل المشاريع المهيكلة الكبرى ومشاريع البنيات التحتية.
وبما أن الاستثمار العمومي هو مسؤولية مشتركة ما بين مجموعة من المتدخلين المركزيين وعلى مستويات عدة من مستويات العمل الحكومي، فإن تحقيق أهدافه يتطلب الحرص على التوفيق بين البرمجة القطاعية على المستوى المركزي وتحقيق الأهداف التنموية على مستوى الجهات، وتنسيق جهود مختلف القطاعات الحكومية في الإدارة الحكيمة وتدبير الاستثمار العمومي من أجل تلبية حاجيات الجهة، الحقيقية والنابعة من مخططاتها الاستراتيجية، سواء تعلق الأمر ببرنامج التنمية الجهوية أو المخطط الجهوي لإعداد التراب، أو المخطط الجهوي لمكافحة الاحتباس الحراري ... وغيرها، واعتمادها كوثائق أساسية عند إعداد البرامج القطاعية بمناسبة إعداد مشروع قانون المالية. والحاجة ماسة إلى زيادة فعالية الاستثمارات العمومية على المستوى الجهوي، والتوظيف الأمثل لمقومات الجهة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

لكن، تحليل البنية الجهوية للناتج الداخلي الخام ما زال يؤكد استمرار وطأة الهاجس المركزي في توزيع الاستثمارات، بهيمنة الجهات المركزية الكبرى، وخصوصا بمحور طنجة – البيضاء على أكثر من نصف الناتج الداخلي الخام. وهو ما يؤكد على أن الفوارق الجهوية ما زالت قائمة، وتستمر في التأثير على بنية الاقتصاد الوطني، رغم الضرورة الملحة التي سطرها النموذج التنموي الجديد ببذل الجهد الأكبر لفائدة إدماج مجالي أفضل.


قلق مجتمعي

إن من تجليات تزايد مظاهر القلق داخل المجتمع، ما حدث مؤخرا أواسط شهر شتنبر الماضي في خضم النقاش الذي رافق “محاولات هجرة جماعية غير شرعية” نحو ثغر سبتة المحتل، وما أثاره من نقاش "قديم – جديد"

فمنذ سنة 2009، ونحن نثير الانتباه، بإلحاح، وغير ما مرة، على مستوى المؤسسة التشريعية، إلى خطورة ظاهرة ارتفاع معدل البطالة، خصوصا بين الشباب، إثر صدور تقرير للبنك الدولي وقتها يؤكد على وجوب معالجة هذه المسألة بالجدية المطلوبة، واصفا الظاهرة حينها ب "القنبلة الموقوتة".

وما زالت الفئة العمرية من 15-24 سنة مهمشة، إلى يومنا هذا، في الوقت الذي انحصر فيه الاهتمام المحتشم للحكومات السابقة على مطالب واحتجاجات الحاصلين على دبلومات جامعية، تاركة جانبا ما يتراكم من مخاطر يهم آلاف الشباب الذين “لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين”، واللذين يلقبون بالشباب في وضعية “NEET” (ni à l’emploi, ni en enseignement, ni en formation).

وقد كشفت دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي تم الإعلان عنها مؤخرا، وتؤكدها خلاصات مذكرة المندوبية السامية للتخطيط الصادرة في غشت 2022 بإن مجموع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة بلغ سنة 2021 ما يناهز 6 ملايين شخص؛ 50.9 % منهم ذكور و59.9 % يقطنون بالوسط الحضري، وأكثر من نصفهم تتراوح أعمارهم بين 15 و19 سنة. وأن أكثر من ربع (1/4) هؤلاء الشباب، أي قرابة مليون ونصف شاب مغربي، “لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين”، وأن 73.4 % منهم فتيات، من بينهن 41.3 % متزوجات، و65.7 % حاصلون على شهادة. وأن معدل البطالة بلغ على المستوى الوطني 31.8 % في صفوف الشباب بين 15 و24 سنة.

وتشكل هذه الفئة قنبلة اجتماعية موقوتة، خارج التحكم والتأطير والتكوين. مما أصبح يتخذ مظاهر العنف وتزايد وتوسع الإجرام اليومي ومن تهديد للأمن العام وسلامة وممتلكات المواطنين، واستغلال فرص التعبير بشكل عفوي وغير منظم وغير مؤطر، وغالبا ما تكون أشكال التظاهر والاحتجاج عنيفة، مثل ما يقع في الملاعب الرياضية، أو بعض أشكال تواتر الاعتداءات على رجال الأمن في الشارع العام. مما يدق ناقوس الخطر ويشكل إنذارا وتحذيرا لا بد من الانتباه له بجد ومسؤولية.

وما الهجرة الجماعية إلى الفنيدق، إلا مظهر من المظاهر المخجلة، وتجلي صارخ لهذا القصور تجاه هذه الفئة المجتمعية، والذي يجب التعامل معها بروية وبجد وحزم، ليس من موقع المذنب Coupable بل من موقع الضحية victime جراء تقاعس الدولة (حكومات وهيئات سياسية ومدنية ونخب اقتصادية وثقافية ... )

ومن الأسباب الرئيسية للظاهرة إقصاء فئة مهمة ونشيطة من المساهمة في الدورة الاقتصادية وإنتاج الثروة، على مدى عقود، بسبب ضعف الاستثمار في الرأسمال البشري، حيث أضحت البطالة لدى الشباب بطالة طويلة الأمد، بحيث إن 70,4 % من الشباب العاطلين هم في وضعية بحث عن شغل منذ سنة أو أكثر، وحوالي ثلاثة أرباع (3/4) الشباب في وضعية بطالة لم يسبق لهم أن اشتغلوا (73,4%).

كما يجب إيلاء الأهمية القصوى للتكوين المهني في إدماج الشباب ضمن عالم الشغل، حيث يبرز بقوة تواضع نسب الإدماج المهني للشباب فيما يخص الحاصلين على شهادات جامعية، حيث تشير الأرقام إلى أن معدل البطالة لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة والحاصلين على شهادة ذات مستوى عال، بلغ 61,2%، و30,4 % لدى حاملي شهادة متوسطة، و12,9% لدى الشباب بدون شهادة. وتدل هذه النسب المتواضعة على ضعف انفتاح الجامعة على سوق الشغل وكذا ضعف التكوين الأكاديمي والتقني (الجامعات المغربية خارج تصنيف “شنغهاي” لأفضل 1000مؤسسة في العالم).

هذا، إضافة إلى حرمان فئة مهمة من الشباب من فرص التعليم والتكوين والتشغيل. إذ يؤكد “الأطلس المجالي الترابي للانقطاع الدراسي” الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بإن 78 % من المنقطعين عن الدراسة كان من المفروض أن تحتفظ بهم المنظومة التربوية إلى حدود سن الـ 15 سنة على الأقل من أجل تأمين هدف السن الإجباري للتمدرس. وأن نسبة 1,5 مليون شاب من فئة “NEET” هي فئة آخذة أعدادها في الارتفاع بسبب الهدر المدرسي الذي يُحرم ما يقارب 400 ألف تلميذ سنويا من الدراسة والتكوين. وهو ما يعتبر بمثابة تحذير من أزمة هيكلية في السياسات الاجتماعية والاقتصادية المتبعة .

كما أن تنامي الاحتجاجات في القطاعات الاجتماعية المنظمة من طرف قطاعات كالعدل والصحة والتعليم، وهي القطاعات الثلاثة التي يظهر أن الحكومة لم تتفوق في إيجاد حلول مقنعة لمعضلاتها أو أنها لم تظهر قدرتها على تنفيذ المشاريع التي تزعم أنها ستساهم في تحسين ظروف الشغيلة في أهم القطاعات الاجتماعية ببلادنا...بل ما نعيشه بشكل يومي في أقاليم جهتنا يعكس شعورا عميقا بعدم الارتياح وعدم الثقة في المستقبل، ويضعنا جميعا كنخب، أمام تحديات كبيرة تقتضي تبني مقاربات شاملة تستهدف تحسين الظروف المعيشية، والحد من الفوارق الاجتماعية.