يتضمن القرار الأخير لمحكمة العدل الأوروبية تزييف صارخ لعدة حقائق وضرب القانون الدولي عرض الحائط عبر تأويلات تخدم أجندة سياسية تهدد الشراكة المغربية الأوروبية وتنذر بعواقب وتبعات يجب مراقبتها واستباقها دبلوماسيا وأمنيا واقتصاديا على المستوى الإقليمي.
القرار يدعي بأن ما يسمى البوليزاريو يمثل شرعيا ما يسميه "شعب الصحراء الغربية" وهنا لا بد أن نعود للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية التي تجنبت وضع معايير تعريف الشعب، لكن يبدو أن المحكمة الاوروبية لم تستطع كبح جماحها السياسي، بل وتمادى قرارها في عداء المغرب ووحدته الترابية بشكل مغرض مدعية بأن تقرير المصير يطابقه إقامة ما تزعمه "دولة صحراوية ذات سيادة" وهو ما يمثل انتهاكا سافرا لكل القرارت والإعلانات الأممية ذات الصلة بمبدأ تقرير المصير.
وفي متن تعليله لإلغاء اتفاقية الصيد البحري، يذهب القرارإلى حد نفي حقوق الساكنة الصحراوية في الأقاليم الصحراوية للمغرب معتبرا إياها غير مُمثلة لما يزعمه القرار أنه "شعب الصحراء الغربية".
وفي هروبها نحو الأمام، استندت إلى مبدأ الأثر النسبي للمعاهدات" كحق أُريد به باطل لأن هذا المبدأ يسري فقط على الدول طبقا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، وحتى وإن سلمنا بإمكانية تطبيقه في هذه الحالة كاجتهاد قانوني، فإن المفوضية الأوروبية سبق وأن اعتبرت بأن الاتفاقية المغربية الأوروبية تعود بالنفع على ساكنة الأقاليم الصحراوية، هو ما جاء أيضا في الرأي القانوني للمستشار هانس كوريل بطلب من مجلس الأمن الدولي سنة 2002، وكذلك سيتعارض مع المبدأ الأسمى في القانون الدولي وهو مبدأ "واجب احترام المعاهدات" Pacta Sunt Servanda.
وهكذا يصبح قرار محكمة العدل الأوروبية متناقضا مع ما يقتضيه الحق في التنمية وفقا لإعلان الأمم المتحدة لسنة 1986، ومنافيا للحق في الديمقراطية عبر نفي الصفة التمثيلية للساكنة الصحراوية ومنحها لساكنة تندوف التي ترفض الجزائر إحصاءها في عدم امتثال متكرر لقرارات مجلس الأمن الدولي، علما بأن عدة تقارير دولية تتحدث عن كونها تنتمي لفضاءات جغرافية في الصحراء الكبرى أي من دول أخرى ولا علاقة لها بالحيز الجغرافي للصحراء المغربية، بالإضافة إلى ارتباطها بمنظمات إرهابية في المنطقة.
كل هذه المغالطات تشكل تبديدا وتزويرا للواقع وللحجج القانونية، واحتقارا للقرارت الأممية، وفي نفس الوقت تهديدا للشراكة الاستراتيجية بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي التي حاول البعض منها (فرنسا وإسبانيا) التخفيف من وقع القرار وتبعاته، عبر تأكيدها على أهمية شراكاتها مع المغرب، وهي تصريحات ذات طابع دبلوماسي في انتظار مواقف ملموسة.
لكن، من يعرف منطق عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي يعلم جيدا إن القضاء الأوروبي هو جزء لا يتجزأ من السياسة الأوروبية. وبالتالي، علينا استيعاب وتقييم القرارات الأوروبية وقرارات الحكومات الأوروبية التي تنصاع بشكل كامل لتوجهات بروكسيل على ضوء هذا المعطى الثابت منذ إبرام معاهدة لشبونة سنة 2008.
وكذلك من هو مطلع على النقاش الدائر في البلدان الأوروبية على مستوى المثقفين والنخب الفكرية غير المحسوبة على الأنظمة الأوروبية يعرف جيدا أن الدول الأوروبية لم تعد لها سياسة خارجية مستقلة عن التوجهات الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي.
أعتقد أن الاتحاد الأوروبي يحاول بشكل مغرض "تصفير" المكاسب الدبلوماسية التي حققها المغرب خلال الثلاث سنوات الأخيرة في علاقاته الثنائية مع الدول الأوربية والتي كان آخرها فرنسا والدنمارك بعد إسبانيا وهولندا وألمانيا.
وعليه، يجب التعامل مع مواقف الدول الأوروبية والاتحاد الاوروبي على كونها تخفي الكثير من الضبابية وبأنها تمتثل لمقاربة اقتناص الفرص والمكاسب الظرفية، وأنها تسير على قدمين القدم الأول تنفيذي والقدم الثاني قضائي ولا تناقض بينهما لأنهما يتحركان في نفس الاتجاه. وبناء عليه، فإن القرار الأخير للمحكمة الأوروبية لا يستند للقانون وحتى وإن وصفناه بالقرار السياسي فإننا سنمنحه صبغة لا يستحقها، وبالتالي فإن التصنيف الأنسب للقرار هو وضعه في خانة القرارات العدوانية.
وخلاصة القول، إن تعميق سياسة تنويع الشركاء أصبح اليوم ضرورة استراتيجية بالنسبة لمستقبل المغرب من منظور تعزيز موقعه في النظام الدولي قيد التشكل وهو نظام حتما متعدد الأقطاب.
وكخطوة في هذا الاتجاه، ينبغي التفكير بشكل جدي في الانضمام لمجموعة البريكس وتعزيز الشراكات الاستراتيجية على جميع الأصعدة مع روسيا والصين والهند ودول أخرى.