الأربعاء 13 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: الإليزي يرفع من سرعة انجذابه إلى المغر.ب.. ما السرّ في ذلك؟!

محمد عزيز الوكيلي: الإليزي يرفع من سرعة انجذابه إلى المغر.ب.. ما السرّ في ذلك؟! محمد عزيز الوكيلي
من الأكيد أن معظمَنا يعلم حق العلم ذلك الدور الماكر والملتبس، بل الخبيث، الذي كانت فرنسا على امتداد العقود الثلاثة الأخيرة، رغم تعاقب الرؤساء والحكومات، تنتهجه تجاه المغرب وقضية وحدته الترابية، حتى أن الكثيرَ منا اقتنع بأن الحَجَر الجزائري الذي ظل يشتكي منه الحذاء المغربي كان حجرا فرنسيا بامتياز، بل ذهب كثيرون منا إلى الاعتقاد بأن فرنسا هي أساس النزاع المفتعل، الذي صنعته جزائر بوخروبة بالتعاون مع ذيول الاستعمار الإسباني ونظام القذافي غير المأسوف عليه،  ودائما بهندسة فرنسية متخفّية خلف بهلوانيات نفاقها الفاضح، إلى درجة سماعنا جميعا بأنباء تعبئة الإليزي للقيطته الكرغولية كي تشن علينا حربا خاطفة تتحول بقوة الأشياء إلى صدام عسكري شامل يأكل الأخضر واليابس، لتأتي فرنسا بعده بشركاتها المفلسة كي تعيد الإعمار في البلدين الجارين، بعد أن يكون كل منهما قد عاد القهقرى بنحو خمسبن سنة إلى الوراء، أو أكثر... والرابح في نهاية المطاف لن يكون سوى فرنسا ذاتِها، ومَن غيرَها يجرؤ على مزاحمتها في هذه المهمة، التي لن تكون والحالة هذه سوى تحصيل حاصل!!
 
ولأن رياح المغرب لم تأت بما كانت تشتهيه سفن الإليزي المهترئة، فقد فوجئت فرنسا بمغرب لا يشبه في شيء تلك الصورة النمطية التي كانت لديها عنا، نحن المغاربة، والتي اعتقدت مخطئةً أنها رسّختها فينا، لتجد نفسها، دون أن تفقه شيئا مما يحدث أمام ذهولها المتصاعد، وقد جرّدها المغربُ ذاتُه من كثير من امتيازاتها الاستعمارية في بلدان الغرب الإفريقي والساحل، حتى أن المغرب عوّض شركاتِها الاتصاليةَ وأبناكَها وكثيراً من مؤسساتها الوساطية، وحتى أنه شجع بلدانا إفريقية من مستعمراتها السابقة على التمرد عليها أقتصادياً والخروج من منطقة الفرنك الإفريقي، أو "الفرنك سيفا"، ثم ختَم ذلك بدعوة هذه الدول إلى "تكتل إقتصادي أطلسي" يخوّل المغرب لها من خلاله منفذا إلى المحيط الأطلنطي، وإلى ميناء الداخلة الآخذ في النشوء والاكتمال، وبذلك تكون لدى تلك الدول مخارج "عالمية المستوى" لتصريف خيراتها وصادراتها من مختلف الأصناف والأحجام!!
 
كان رد الفعل الأول والمتوقع، من لدن حكام فرنسا، أن يزيدوا في تحريضهم لصنيعتهم الجزائر، التي يمكن أن نسميها ولاية فرنسية إفريقية، باتجاه تصعيد لهجتها والرفع من منسوب عدوانيتها تجاهنا، إلى درجة التلويح الصريح بالحرب، والشروع فعلا في إعلانها عبر مراحيضها الإعلامية وذبابها الإلكتروني، بل تطوعت صحف ومؤسسات إعلامية فرنسية لنشر تسريبات مفبركة تؤكد أن الحرب المباشرة بين المغرب وجارته الشرقية توشك على الاندلاع، بل حدد بعض تلك الوسائل تواريخ لانطلاق الهجوم العسكري الجزائري الوشيك... ولكن شيئا من ذلك لم يقع، ولم يتحقق، لأن هناك مصالح أخرى أكبر من مخططات الإليزي لا يرغب أصحابُها في نشوب أي حرب بين الجارين بأي شكل من الأشكال، حتى ولو كانت حربا خاطفة وقصيرة الأمد خادمة لهدف الإبقاء على عجزة الموراديا في قمة هرم السلطة هناك، ونذكر في هذا السياق الولايات المتحدة الأمريكية، التي نزلت بكل ثقلها، بولسطة سفيرتها في الجزائر تارةً، وتارة أخرى بواسطة قائد جيوشها، أو قائد قوات الأسد الإفريقي، المستعدة لتحويل مناوراتها الإفريقية إلى ردة فعل حقيقية دفاعا عن مصالحها الحيوية لدى حليفها المتقدم، المملكة المغربية، ولدى القارة السمراء برمتها، والتي لأمريكا فيها، الآن، مآربُ منها الواضح ومنها المُستَتِر!! 
 
الجميل والغريب في هذا السياق الإقليمي والدولي، أن فرنسا اقتنعت شيئا فشيئا بأن خطتها سالفة الإشارة صار تنزيلٌها على أرض الواقع مستحيلاً، وخاصة بعد أن اعترفت الولايات المتحدة صراحة بمغربية الصحراء، ثم تبعتها إسبانيا وألمانيا... لتجد فرنسا نفسها أشبه "باليتيم فدار العرس"، وزاد طينها بلةً أن يُفضي ذلك الاعتراف الأمريكي إلى إبرام اتفاق أيرهام الثلاثي بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، وبذلك غسل الرئيس الفرنسي عمانوئيل ماكرون يديه من الجريرة التي كانت تجمعه بعجزة الجزائر، ولم يلبث أن ألفى نفسه، "مضطراً لا بطلاً"، مجبَراً  على دبج رسالته الشهيرة إلى المؤسسة الملكية المغربية كتهنئة فريدة من نوعها، بذكرى عيد العرش المغربي، "فيها حجة وزيارة"، والبقية على صعيد علاقة فرنسا بديكها المذبوح في شرق المغرب يعرفها الجميع!!
 
والآن، ها قد صار سر الانجذاب الفرنسي إلينا أكثر وضوحاً من ذي قبل، وكذلك أسباب هذا الاندفاع تجاه إصلاح ذاتِ بَيْنِ فرنسا مع المغرب، بعد أن تأكد لدى الإليزي أن آماله في استرجاع شيء ولو يسير من علاقاته بإفريقيا الثائرة والمتمردة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال البوابة المغربية، وبرضا وقبول من المغرب، الذي يبدو أن فرنسا تكوّنت لديها الآن قناعةٌ بأنه لا يشبه في شيء "مغرب الأمس"، وأنه صار بحق، قوة إقليمية بكل ما تحمله الكلمة من دلالات... 

ولا ريب أن "زيارة دولة" التي أعلن الإليزي أن الرئيس ماكرون سيقوم بها للمغرب في نهاية أكتوبر ستلقي المزيد من الضوء على المدى الذي سيقطعه التقارب المغربي الفرنسي أمام ذعر جزائري متنامي، وقلق إسباني يبرره خوف أسبانيا من استعادة فرنسا لمرتبتها السابقة كأول شريك للمغرب الجديد... والأيام القليلة القادمة كفيلة بحمل المزيد من المفاجآت، وربما من المستجدات غير المتوقعة!!