الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: سم العقارب وخيول التجارب

محمد الشمسي: سم العقارب وخيول التجارب محمد الشمسي
حدثني طبيب صديق - رحمه الله -  عن مراحل استخلاص الأمصال المضادة لسم العقارب، تبدأ الرحلة بجمع أصناف متعددة من العقارب، يجلب بعض الناس عقاربهم من مختلف البوادي والفيافي إلى مقر معهد باستور بالدارالبيضاء، وهناك يتلقون نظيرها مبالغ مالية، بمعنى أنهم يبيعونها لإدارة المعهد، يتم تصنيف تلك العقارب بحسب نوعها ومفعول سمها، وزاد صديقي الطبيب أنهم كانوا يحتاجون لخيول خاصة، تربى في ضيعات خاصة وتلقى عناية خاصة، وعلاقة الخيول بالعقارب، هي أن الطاقم الطبي يقوم بحقن سم العقرب في عرق الحصان دون أن يؤثر ذلك السم في صحة الحيوان، وبعد مرور خمسة أيام يقوم الطاقم الطبي باستخارج كمية من دماء الحصان، ويجري بعد ذلك فرز المصل من دم الحصان، وإرجاع الدماء لجسم الحيوان، وإرجاع الحيوان لمربطه ثم إستكمال عملية تحضير تلك الامصال داخل المختبر، عبر تصفيتها وتنقيتها، حتى تصبح جاهزة توضع في قنينات طبية صغيرة كجرعات قابلة لمواجهة لسع العقارب...
 
كانت رواية صديقي الطبيب مثيرة، وزادت بعض طرائفها في إثارتها، فقد فلتت بعض العقارب من سيطرة حاملها وهو على متن حافلة في طريقه صوب معهد باستور، وخلقت رعبا وفزعا وعرقلة للرحلة وتهديدا للمسافرين، مما جعل المسؤولين يوقفون عملية شراء العقارب من الناس، وتكلفوا بأمر توفيرها بطرق أكثر أمنا وأمانا..
 
لكن الأكثر إثارة كان هو سؤالي عن مصير خيول التجارب بعدما يقضون منهم وطرا، لم يكن لصديقي الطبيب تفسير، ربما يشعرون بالحرج إن قالوا للناس إن تلك الخيول تنخرها الحقن المسمومة، وتحولها مع مرور الزمن إلى أشباح ينتظرها موت يريحها من عيشتها الضنكى.

ولأن المناسبة شرط كما قال الفقهاء، فإن سبب نزول هذه "التعاويدة" هو أني تصوت الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام الوطني مثل تلك العقارب بألوان وأشكال وأحجام مختلفة، وتصورت برامجها سموما تتأرجح بين القاتل والمحبط، وتصورت معهد باستور هو صناديق الاقتراع ليلة التغرير بالكتلة الناخبة، وتصورت حال تلك الخيول مع سموم العقارب كحال الشعب مع برامج الحكومات المتوالية، التي تحقن سمومها في عروق الشعب حتى يسري في كل أوصال بدنه، ويظل ذلك حاله حتى تنهكه التجارب وتضنيه السموم، فيرمى خارج الاصطبل ليؤتى بجيل جديد من أجل تجارب جديدة في زمن حكومة أو عقارب جديدة...(انتهى تصوري) ..