الاثنين 16 سبتمبر 2024
اقتصاد

عبد الله غميمط: أزمة التعليم انعكاس لعجز الدولة عن تحقيق تعليم عمومي مجاني وموحد

عبد الله غميمط: أزمة التعليم انعكاس لعجز الدولة عن تحقيق تعليم عمومي مجاني وموحد عبد الله غميمط، الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي
يقدم عبد الله غميمط، الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، نقداً شاملاً لواقع التعليم في المغرب. في هذا الحوار، يوضح غميمط أسباب فشل الإصلاحات التعليمية المتتالية رغم الجهود المبذولة، مبرزاً دور الدولة وسياساتها المتخبطة في تعميق الأزمة. كما يناقش تأثير الخوصصة، وتراجع المجانية، وأزمة الحكامة، والسياسات المتبعة التي تتجاهل الواقع الاجتماعي والاقتصادي. ويختم غميمط بطرح حلول تهدف إلى إعادة الاعتبار للتعليم العمومي من خلال تغيير شامل في السياسات التعليمية، يرتكز على قيم الحرية، الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
 
 مع كل دخول مدرسي يبدأ الحديث عن إصلاح التعليم ولا شيء يتحقق على أرض الواقع، لماذا في نظرك؟
لا يخفى على الجميع أهمية التعليم، ليس فقط بالنسبة للأفراد بل حتى بالنسبة للشعوب والأمم، حيث يشكل إحدى الركائز لرقيها أو أحد أسباب تقهقرها وانحطاطها. ويتمتع موضوع التعليم براهنية النقاش العمومي عند كل دخول مدرسي، حيث لا يقتصر النقاش على الجوانب التقنية، بل يتعداه إلى نقاش العرض التربوي العمومي بالمؤسسات التعليمية العمومية من الأولي إلى العالي، وتقييم السياسات التعليمية المنتهجة من طرف الدولة، ونقد البرامج والمخططات التي تقدمها الدولة وتدعي عبرها "إصلاح التعليم". لكن ما يكاد برنامج يصل إلى مرحلته النهائية حتى يضعه برنامج آخر في وضعية التقادم، ولا يكون مصير المخطط اللاحق أوفر حظاً من سابقيه، حيث لا ينجو من الإزاحة أيضاً، وهكذا دواليك إلى يومنا هذا.
 
قد يظن ساذج أن وفرة البرامج والمخططات بمنظومتنا التعليمية، رغم ارتجاليتها الظاهرية، تدخل في إطار حرص الدولة الشديد على تتبع أحوال المنظومة التعليمية من أجل تحسين أدائها باستمرار حتى تؤدي وظائفها الأساسية بكل نجاح لتكون في مقدمة البلدان. غير أن الواقع الموضوعي يكشف أن أزمة التعليم مستمرة وتتعمق بعد كل "إصلاح"، وعدد المعطلين يرتفع، وتردي مستوى التحصيل الدراسي في ارتفاع مرعب، وجودة التعليم المغربي جد متدهورة بإقرار داخلي وخارجي. وأعتقد أن سبب الفشل يكمن في العديد من العوامل أبرزها:
* تملص الدولة من التزاماتها تجاه المجتمع في مجال التعليم، وهو التوجه الذي تمت شرعنته دستورياً في 2011 (المادة 29 من الدستور).
* التخلي عن مجانية التعليم من الأولي إلى العالي وخوصصته (فرض رسوم التسجيل تبعاً لاتفاق الإطار 17-51).
* الحكامة: لا شك أن لتدابير الحكامة الجيدة أهميتها في تسيير عقلاني وتدبير رشيد للموارد المالية والبشرية، بغض النظر عن عدم اتفاقي مع هذا المفهوم، لكن الدولة بطبيعتها الاستبدادية عاجزة كل العجز عن إعمال العقلانية حتى بالمعنى الرأسمالي في تدبير القطاع، وعاجزة عن العمل وفق منطق الحكامة المعمول بها في البلدان المتقدمة، والمتغنى بها في الأدبيات والمرجعيات الرسمية والدولية.
* يبقى السبب العميق وراء كارثة التعليم ببلادنا هو طبيعة الدولة القائمة، فقد تعاقب على تدبير قطاع التعليم وزراء من مختلف الأحزاب والتشكيلات، طبقوا نفس السياسة التعليمية بمسميات مختلفة وكانت الحصيلة هي نفس النتائج.
* المدرسة المغربية ورثت أمراض النخبوية وثقافة الترتيب والتنافس والهدر المدرسي وإعادة إنتاج الفوارق بين الطبقات الاجتماعية.
* تعليم هاجسه الوحيد هو خدمة مصالح الدولة وطبقاتها الاجتماعية السائدة من أجل فرز نخبة مقلصة جداً، وإهمال القاعدة العريضة من التلاميذ والتلميذات.
* إعطاء الأولوية للغايات الاقتصادية في عمليات التربية والتكوين.
* النموذج التربوي المغربي طبع بشكل بنيوي مع المنطق الاقتصادي النيوليبرالي، في كل أدبياته.
* سيادة سياسة الارتجال في المجال التعليمي، وغياب التقييم والمحاسبة وعدم احترام البرمجة الزمنية للبرامج والمخططات.
* غياب الحرية والديمقراطية والمساواة في فضاء المدرسة، مما جعلها عاجزة عن مواكبة مستجدات التربية والتعليم، وغير قادرة على التطور.
* استمرار عداء الدولة وحكوماتها المتتالية للمدرسة ومكوناتها، مما جعل المدرسين والتلاميذ والآباء والأمهات لا يقبلون ولا ينخرطون في مشاريعه التخريبية.
 
 ما المسؤول في اعتقادك عن هذه النكسة التي يتخبط فيها القطاع رغم الأموال الكثيرة التي صُرفت عليه؟
 تعمقت أزمة التعليم في المغرب بعد توالي البرامج والمخططات المسنودة معنوياً ومادياً من طرف المؤسسات المالية الدولية، حيث يصنف المغرب في مراتب متأخرة مع دول تعيش الحروب والمجاعة. لكن للأسف الشديد، تنزع المواقف الرسمية بإصرار إلى مغالطة الرأي العام الوطني والدولي، بتحميل المؤسسة التعليمية ونساء ورجال التعليم إخفاق استنهاض المنظومة التعليمية وتجويد تعلماتها ومخرجاتها، بينما لا أحد من أصحاب القرار يسائل الدولة وسياساتها التربوية في ما وصلت إليه حالة النظام التربوي المغربي من تقهقر وتراجعات في عروضه ومحتوياته سنوياً وعدم تحقيقه حتى جزءاً من الأهداف التي وضعت من طرف هذه البرامج، وعدم قدرته على الاستجابة لحاجيات المجتمع.
 
تم الإجهاز على مراكز التكوين (مركز تكوين المعلمين، المركز التربوي الجهوي، المدرسة العليا للأساتذة) التي كانت تعتبر رافعة التكوين، ولجأت الدولة إلى فصل التوظيف عن التكوين استجابة لتوجيهات البنك الدولي، وقامت بتشجيع التعليم الخصوصي من خلال دعمها المستمر له (حرية اختيار العرض التربوي، تفويت مؤسسات التعليم العمومي للوبي القطاع الخاص، الترخيص للأطر التربوية العمومية بالتدريس في التعليم الخصوصي...).
 
إن النكسة التي يعيشها قطاع التعليم لا تعبر فقط عن عدم قدرة النظام التربوي على الاستجابة لمتطلبات المواثيق الدولية ذات الصلة بالحق في التعليم، أو في عدم الاستجابة لمطالب الشعب المغربي المتعلقة بالتعليم، بل إنه فشل ذريع حتى في تحقيق الأهداف التي تسطرها الدولة في قطاع التعليم خدمة لمصالحها. وعليه، أضحت الأزمة التي تعيشها المدرسة العمومية في الواقع تعبيراً عن عجز عام للدولة القائمة في تحقيق تعليم عمومي مجاني وموحد، رغم الشعارات البراقة التي تؤطر برامجها المتوالية، والموارد المالية التي تخصصها لكل برنامج. ورغم كارثية أوضاع المدرسة العمومية وتدهور مستمر للأوضاع المهنية والاجتماعية لنساء ورجال التعليم، للأسف الشديد تصر الدولة عبر حكوماتها البرجوازية والمخزنية أن تدعي أنها لوحدها تملك الرؤية القادرة على إصلاح التعليم. في نظري، تبقى الدولة وحكومتها ووزرائها في التعليم هم المسؤولون الفعليون عما آلت إليه المدرسة العمومية.
 
ما الحل في نظرك لرد الاعتبار لمنظومة التعليم العمومي؟
إذا كان تشخيص حال المدرسة ووضع التعليم اليوم محط اتفاق عام بين كل الفاعلين في المجتمع، وحتى الدولة، واتفاق عام ببلادنا في صفوف مختلف الفئات الشعبية والقوى المناضلة والحية أن التعليم هو شرط من شروط تقدم ورقي الأمم. فلا يمكن للحلول الترقيعية أن تساعد منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي على تخطي أزمتها. فكل المخططات والبرامج واستراتيجيات الإصلاحات المفترى عليها، عرفت فشلاً ذريعاً، ولم تستطع تغيير مسار المنظومة التربوية في اتجاه خدمة المجتمع وتمكينه من تعليم عمومي مجاني ديمقراطي وموحد. وعليه، في نظري، إن أي إصلاح لا يحتكم لفلسفة واضحة تترتب عنها رهانات واضحة، في مقدمتها رهان المدرسة التي يريدها المغاربة هي ذلك الفضاء العام المشترك بين كافة أبناء وبنات شعبنا من كافة الطبقات الاجتماعية، الذي تتلقى فيه الناشئة تكويناً متوازناً مبنياً على الكيف والنوع وليس الكم. مدرسة عمومية تصقل الذكاء وتطوره، تستجيب لحاجيات المجتمع من الكفاءات العلمية القادرة والمؤمنة بخدمة شعبها، وتجذر المعرفة النقدية والتاريخية والانفتاح المعرفي وتنبذ التعصب والانغلاق والشوفينية وتحارب الجهل والأمية والخرافة والدجل. مدرسة تخاطب العقل والوجدان والضمير في تآلفها.
 
مدرسة تجمع بين التعليم النظري والتكوين العملي والميداني، مدرسة تجذر التربية الحقوقية والمدنية. فالأزمة البنيوية للتعليم بالمغرب تفرض تغيير السياسة التعليمية، وانتهاج سياسة بديلة:
* تضمن الحق الكامل في التعلم الجيد والمنصف لجميع التلاميذ والطلبة بكافة الأسلاك التعليمية.
* إقرار مناهج وبرامج تلتزم بالمرجعية الدولية لحقوق الإنسان.
* اعتماد منظور ثقافي شمولي لمواجهة أزمة التعليم عوض المنظور التعليمي الذي يحصر أسئلة وأجوبة التربية بجدران القسم، أو المنظور الاقتصادي الذي يحول التربية الى سلعة 
* جعل المدرسة تتمحور حول الإنسان عوض تركيزها على خدمة المقاولة ،
* التدبير الديمقراطي للمؤسسات التعليمية 
*تأسيس التعليم على قيم الحرية ،الديمقراطية ،العدالة الاجتماعية والمساواة الفعلية .
* الاهتمام بأوضاع  الأطر التربوية والادارية وكل العاملين بالقطاع ،والاستجابة لمطالبهم ،
* إقرار مقاربات وطرائق بيداغوجية تستفيد من التجربة الانسانية ،ومن فهم حقيقي للواقع الاجتماعي والاقتصادي ،وتمتيع المدرس بالحرية البيداغوجبة والأكاديمية ،
* محاربة الفساد في قطاع التعليم ومحاسبة المتورطين في مختلف ملفات نهب المال العام والتبذير ،وكل المسؤولين عن الاختلالات العميقة للمنظومة التربوية ،
* حل مشكل الاكتضاض  بتجاوز الخصاص في البنيات التحتية وفي الأطر التربوية والإدارية عبر توظيف العدد الكافي منها لسد متطلبات المدرسة العمومية ،وتوفير مايكفي من المؤسسات والبنيات عوض الحلول الترقيعية اللاتربوية المتبعة حاليا.
* ابعاد التعليم وقرارات الاصلاح الحقيقية عن تدخل الجهات الخارجية ( المؤسسات المانحة)
* اتخاذ إجراءات واضحة فيما يخص توحيد التعليم ومجانيته وعقلانية محتوياته 
* مراجعة أساليب تدبير المؤسسات التعليمية 
* ربط إصلاح التعليم المدرسي بإصلاح منظومتي التعليم العالي والتكوين المهني لاعتبارهما حلقات مترابطة ومتلازمة.