الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: أمل هنية.. لن تلبس السواد

عبد الرفيع حمضي: أمل هنية.. لن تلبس السواد عبد الرفيع حمضي
في أول أيام عيد الفطر كان حازم و أمير ومحمد برفقة أطفالهم الصغار يباركون العيد لمعارفهم وينتقلون على مثن  سيارتهم  بين ما تبقى من بيوت أهاليهم المهدمة.

والجميع بلباس العيد، والصغار يملؤون  السيارة فرحا وهم في  الطريق، لزيارة أقرباء لهم في مخيم الشاطئ للاجئين، غرب قطاع غزة. أطل عليهم "هذا نتنياهو الحقير من داخل الهيليكوبتر ودمر مركبتهم بصواريخ من صنع الأمريكان  "( معذرة للشاعر عبدالله زريقة) تطايرت أشلاء أجساد الصغار قبل الكبار، حينها ظهر أبو العبد على شاشة العالم وهو يتلقى الخبر الصاعقة مباشرة عن استشهاد أبنائه ،معلقا بتماسك وهدوء وثبات هامسا "الله يسهل عليهم ".

ولعلني أتخيل في نفس هذه اللحظة السيدة أمل، أم محمد وحازم وأمير وهي تستمع إلى فرقة العاشقين الفلسطينية وهي تردد أنشودتها الخالدة (شوارع المخيم) والتي يقول مطلعها :"لا تلبسي السواد أم المكارم .. فموته ميلاد والفجر قادم" وتعود بها الذاكرة إلى لحظة ميلادهم، الواحد تلو الآخر فتتذكر ألم الولادة اللذيذ، الذي يقول عنه بعض الأطباء أنه يساوي ألم كسر أربعين عظم في الجسم، وهي التي أنجبت ثلاثة عشر مولود.

هي السيدة أمل نفسها التي بعد مئة وعشرين يوما فقط سيباغتها والعالم، الهاتف بخبر استشهاد زوجها  وأب أولادها وجد أحفادها إسماعيل  بقذيفة إسرائيلية في فراشه، وفي ضيافة بلد عضو في الأمم المتحدة، وستسمع على الطرف الآخر من الهاتف عويل المسؤولين الإيرانيين وهم يلطمون وجوههم (كعزايات المآتم) بعدما لم يستطيعوا حماية ضيفهم كالرجال الأشداء.

من غباء العدو الصهيوني أنه بعد ثمانين سنة من الاحتلال لم يستطع  ولن يستطيع فهم وتفكيك هذه العلاقة الفريدة للفلسطينيين مع الشهادة من أجل فلسطين. وهي علاقة يتساوى في نسجها اليساري والليبرالي والقومي والإسلامي  فقبل حماس كم قدمت فتح من قائد شهيد  وكم قدمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وغيرهم من الفصائل. منذ الشهيد أحمد موسى سلامة سنة 1965 الفتحوي مرورا بعلي حسن سلامة سنة 1979 وخليل الوزير أبو جهاد سنة 1988 بتونس يوم دخلت فرقة قوات خاصة  إسرائيلية واغتالته خلسة وفي جنح الظلام كما هي عادة اللصوص الجبناء، وصلاح  خلف  أبو  أياد سنة 1991 وأحمد ياسين سنة 2009، والآن أبو العبد إسماعيل هنية واللائحة طويلة جدا ويقينا المعركة لازالت  مستمرة.

من غباء الكيان الصهيوني كذلك والحمد لله انه لا يدري أن للموت طعم خاص في ثقافتنا  الإسلامية  فنحن أمة لا  نذكر موتانا في حياتنا اليومية إلا بالخير فما بالك عندما يكون المتوفى شهيد فلسطيني !فهل يبقى لحماس وللإسلام السياسي أو غيرهما  معنى؟ وهل تبقى للحدود بين العمل  السياسي والمقاومة المسلحة دلالة؟

فلسطين الشعب الوحيد في العالم الذي أحدث يوم الشهيد ويحتفل به كل سنة منذ 1969 يوم السابع من يناير، أهل فلسطين بكل فصائلهم ومعهم السلطة الفلسطينية انخرطوا في المنظومة الدولية بتشعباتها وتحولاتها وآلياتها واعتبروا أن المعركة، مع الكيان الصهيوني سياسية خارج فلسطين لكن المقاومة بكل أشكالها مستمرة في الداخل مادام الاحتلال متغطرس ومتمادي في احتلاله.

لكن يبدو أن العدو الإسرائيلي باغتياله لإسماعيل هنية بطهران، والعالم يتابع أولمبياد باريس ،2024 مُصِر على نقل المعركة لخارج فلسطين.

فهل من غباء نتنياهو أنه نسي أولمبياد ميونيخ 1972 ؟عندما تم احتجاز أحد عشر فردا من النخبة الرياضية الإسرائيلية المشاركة في تلك الألعاب، وذلك  للتفاوض على إطلاق سراح 236 من المعتقلين الفلسطينيين آنذاك في السجون الإسرائيلية،لكن الغطرسة أدت إلى وفاة  11 رياضي إسرائيلي  مع المنفذين الخمس لهذه العملية.

هل العالم محتاج الآن للعودة لأجواء  السبعينات؟
وفي الأخير أليس المواطن الإسرائيلي  نفسه مسؤول على ما يجري وما يحدث منذ السابع  من أكتوبر وقبلها، وهو الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها لمحاسبة حكومته ومسؤوليه، على فساد مالي بسيط، أو انحراف إداري هامشي، بما فيهم وزيرهم الأول وهو يحاكم  أمام القضاء الآن؟ ماذا فعل هؤلاء المواطنون والسياسيون والمثقفون والجمعويون والبرلمانيون  لمحاسبة نتنياهو وعصابته، وهاهو عدد الشهداء  قد بلغ الأربعين ألف جلهم نساء وأطفال ؟ 
سيذكر التاريخ أن همجية إسرائيل مسؤولية  المجتمع كذلك.