كما هو معلوم، تعتبر الامتحانات المهنية، على غرار باقي المباريات المهنية (ولوج أسلاك الماستر والدكتوراه، التفتيش التربوي، التبريز، الترقية بالشهادات، مهندس دولة،...)، مناسبة للترقي المهني بالنسبة لنساء ورجال التعليم وتحفيزهم على بذل مزيد من الجهد والعطاء لما في صالح المنظومة التربوية ببلادنا.
لكن الملاحظ أن الامتحانات المهنية بشكلها الحالي تعاني اختلالات كبيرة منذ عدة سنوات والتي تخلف ضحايا في بعض التخصصات على حساب أخرى، مما يضرب في العمق مبدأ الانصاف وتكافؤ الفرص بين المتبارين إلى درجة أن العديد من نساء ورجال التعليم لا يجتازون الامتحانات المهنية لعلمهم الشديد أن احتمالات النجاح شبه منعدمة في تخصصاتهم.
ويمكن تصنيف هذه الاختلالات إجمالا فيما يلي :
أولا : لا يمكن إطلاقا تحقيق مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص بين متبارين يجتازون الامتحانات المهنية في مواضيع مختلفة وليست لها نفس درجة الصعوبة مع اعتماد كوطا خاصة بكل سلك عوض مادة التخصص. الشيء الذي يؤدي سنويا إلى ظهور نسب نجاح جد متفاوتة بين التخصصات (التربية الاسلامية، اللغة العربية، الاجتماعيات، الرياضيات، العلوم الفيزيائية، علوم الحياة والارض، اللغة الفرنسية، اللغة الانجليزية، الفلسفة، التربية البدنية).
ثانيا : أغلب المباريات التي يتم تنظيمها لنساء ورجال التعليم تعطي أهمية قصوى للجانب المعرفي التخصصي، مستوى السنة أولى وثانية من سلك الإجازة في التخصص (ولوج المراكز الجهوية، التفتيش، التبريز، الماستر، الدكتورة، الهندسة،..)، وهو الشيء الذي يتم افتقاده في الامتحانات المهنية حيث يتم التركيز على ما له علاقة بالحفظ واستيراد المعلومة والتعبير الانشائي وبعيد كل البعد عن تعميق التخصص (Approfondissement).
فأستاذ الرياضيات، على سبيل المثال، يحتاج بدرجة كبيرة لتجديد معارفه وتطويرها حتى تكون لها أثر إيجابي على أدائه المهني وتأهيل طرق التدريس (تيسير عملية النقل الديداكتيكي، اقتراح مواضيع الامتحانات الاشهادية، اقتراح وحل تمارين اولمبياد الرياضيات، توظيف الرياضيات في الحياة العملية CVC، اجتياز مباريات التفتيش والتبريز والماستر، تيسير تدريس الأقسام النهائية لشعب العلوم الرياضية، ...).
ثالثا : ظاهرة الغش التي أضحت مصاحبة للامتحانات المهنية خاصة مع ظهور وسائل تكنولوجيا متطورة وغياب الزجر مع المخالفين. فإذا تمعنا في مختلف المباريات المهنية التي يجتازوها نساء ورجال التعليم، سوف نجد أن نسبة الغش فيها شبه منعدمة بحكم اعتمادها على الجانب المعرفي التخصصي كما هو الحال بالنسبة للتبريز والتفتيش والماستر، دون أن ننسى الشق الشفوي الذي يصاحب الشق الكتابي في مثل هذه المباريات. الأمر الذي لا يمكن ايجاده في الامتحانات المهنية.
مقترحات وتوصيات :
إن جعل الامتحانات المهنية أكثر مصداقية وضمانا للإنصاف وتكافؤ الفرص بين المتبارين يبقى رهينا باعتماد توصيف للمباراة يعطي أهمية قصوى للجانب المعرفي وديداكتيك المادة، وهذا لن يتأتى إلا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار :
إن جعل الامتحانات المهنية أكثر مصداقية وضمانا للإنصاف وتكافؤ الفرص بين المتبارين يبقى رهينا باعتماد توصيف للمباراة يعطي أهمية قصوى للجانب المعرفي وديداكتيك المادة، وهذا لن يتأتى إلا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار :
أولا : الاعتماد على الجانب المعرفي التخصصي (السنة الأولى والثانية من الإجازة) وديداكتيك المادة في مواضيع الامتحانات على اعتبار أن الاستاذ المتمكن من مادة التخصص وديداكتيك المادة سيجعله أكثر عطاء في أداء مهامه داخل الفصل الدراسي وخارجه، مع الأخذ بعين الاعتبار أدوار التفتيش والإدارة التربوية في عملية التأطير الإداري والتربوي.
وفي هذا الصدد، وجب التذكير أن هناك نسبة 30 بالمائة من معدل الامتحان المهني يتم تخصيصها لنقطة تفتيش المادة والنقطة الإدارية.. وعليه، فالأستاذ المتمكن من المادة المعرفية وديداكتيك التخصص ولديه نقطة تفتيش أكبر من 15 على 20 ونقطة إدارية 20 على 20 سيكون جيدا جدا.
ثانيا : على غرار باقي المباريات المهنية، لا بد من اعتماد كوطا خاصة بكل تخصص لأن اعتماد الكوطا بكل سلك يضرب المنافسة في مقتل. ليس تفضيلا لتخصص على ٱخر، بل لأن المواضيع مختلفة من حيث المضمون ودرجة الصعوبة. وعليه، فاعتماد الكوطا سيقلص بشكل كبير حجم التفاوتات بين نسب النجاح في كل تخصص. فلا يعقل أن نجد سنويا نسب نجاح مرتفعة في تخصص X وشبه منعدمة في تخصص Y .
ثالثا : ضرورة الرفع من نسبة الحصيص في الترقية عن طريق الامتحان المهني (عوض 14 بالمائة المعمول بها حاليا) وذلك بهدف تحفيز نساء ورجال التعليم على التحضير الجيد للمباراة والاستعداد لاجتيازها على أكمل وجه.
رابعا : لا يمكن للامتحانات المهنية أن تكون ذات مصداقية إذا لم يتم تفعيل إجراءات صارمة لمحاربة وزجر الغش.
صحيح أن اعتماد الجانب المعرفي التخصصي وديداكتيك المادة في مواضيع الامتحانات المهنية سوف يقلل من حجم الغش الذي طالما ظل مرافقا للامتحانات المهنية، إلا أن اعتماد مقاربات زجرية أكثر صرامة سوف يساهم هو الاخر في محو هذه الظاهرة التي تنخر الامتحانات المهنية (حذف الاتصال بالانترنت بمراكز الامتحان، كاميرات مراقبة داخل الفصول، لافتات المنع الكلي بإحضار الهاتف النقال ووسائل الاتصال ...).
هشام أجانا (مفتش تربوي)