دعت فاطمة رومات، أستاذة جامعية عضوة في مجموعة الخبراء بشأن التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لليونسكو، إلى وضع استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي مبنية على المقاربات التنموية، وإلى خلق لجنة استشارية للذكاء الاصطناعي على مستوى رئاسة الدولة، على اعتبار أن الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم يرهن الأمن القومي والدولي.
وأكدت في حوار مع "أنفاس بريس"، أن التجارب الدولية أثبتت أن لجنة استشارية على مستوى رئاسة الدول هو الحل الناجع. والدليل على ذلك هو النموذج الأمريكي، إذ يشتغل البيت الأبيض مع المستشارين في كل من المجتمع العلمي والمجتمع الصناعي، وذات الأمر تنتهجه الفيدرالية الروسية وتجارب دولية أخرى.
وبالتالي فإن لجنة استشارية على هذا المقاس والمستوى أصبحت ضرورة يجب التقيد بها في مضمار الذكاء الاصطناعي، بعد أن أخفقت اللجنة التي عينها وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، في تنزيل التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بعد مرور أكثر من عامين على تعيينها، رغم أن المغرب كان أول بلد اختارته اليونسكو لتبدأ منه تنزيل التوصية.
كيف تواكب الجامعة المغربية تأطير وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات استراتيجية كالصحة والتعليم والنقل والصناعة؟
طبعا الجامعة المغربية اليوم منخرطة في المجهود الوطني والدولي للبحث العلمي، وهناك اهتمام متزايد من طرف الأساتذة الباحثين في مختلف التخصصات العلمية من العلوم الإنسانية إلى العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والعلوم الدقيقة بما في ذلك الرياضيات والهندسة وعلوم الحاسوب والصحة وغيرها من التخصصات. كما يقابله اهتمام متزايد في صفوف الطلبة والطلبة الباحثين في كل من الإجازة و الماستر والدكتوراه بهذا الموضوع. هذا الاهتمام من شأنه أن يساعد على تقدم البحث العلمي في المغرب، وأن يُسهم في تقدم الجامعات المغربية في التصنيفات الدولية التي تعتمد على قدرة هذه الأخيرة على إنتاج الأبحاث العلمية الأكاديمية. غير أن هذا الاهتمام تعترضه مجموعة من التحديات التي من شأنها أن تجر الجامعة إلى المراتب المتأخرة في التصنيفات العالمية أو الإقليمية بمعنى على المستوى العربي أو الأفريقي. وتتمثل أبرز هذه العراقيل في الفساد المتغلغل في الوسط الجامعي وإسناد المناصب الجامعية بناء على معيار المحسوبية والزبونية أو الانتماءات الحزبية وغض الطرف على معيار الكفاءة والجدارة والتميز. وقد أفضت هذه الظاهرة إلى خلق التفاهة وتعبيد الطريق لوصول أشخاص لا يملكون الكفاءة ولا القدرات العلمية المتطلبة لحسن تدبير الجامعات وتسيير المؤسسات الجامعية أو حتى الهياكل داخل الكليات وأقصد هنا سوء تدبير الشعب وارتجالية تدبير مباريات الماستر و الدكتوراه والتوظيف والترقيات المستندة على معيار المحسوبية لا الكفاءة.
علاوة على غياب ثقافة الاعتراف والتقدير في الجامعة المغربية وتبخيس إنجازات المخترعين والأساتذة الباحثين وعدم الاهتمام بها وتجاهلها حتى على مستوى المنصات الرقمية للجامعات، بينما في المقابل تلقى هذه المنجزات العلمية اهتمام من طرف الجامعات الدولية ذات المصنفة عالميا. كلها عوامل من ضمن أخرى، تضعنا بشكل أو بآخر أمام "ظاهرة هجرة الأدمغة" بكل أطيافها، لتضيع على الوطن أمام هذا الوضع فرصة الاستفادة من أطر قادرة على رفع التحديات المطروحة حاليا وتلك التي ستطرح مستقبلا. أيضا من الظواهر السلبية التي نتجت عن هذا النقاش العمومي والعالمي حول الذكاء الاصطناعي والذي يجب أن ينخرط فيه الجميع هو تنامي ليس فقط الأخبار الزائفة ولكن ايضا الخبراء والمتخصصون المزيفون وبالتالي تنامي العلم المزيف Fake Science. وتنامي هذا الأخير -العلم المزيف- علاوة على المتخصصين المزيفين ستكون له تداعيات خطيرة تنطلي على العديد من المجالات مثل الصحة والعدالة وغيرها. ويرجع تنامي الخبراء المزيفين إلى الاستخدام الواسع لشات جي بي تي من طرف بعض الطلبة وبعض الاساتذة على حد سواء. وذلك لافتقار الجامعات المغربية لأنظمة ذكية تكشف ما إذا كان المحتوى من إنجاز البشر أو النظام الذكي نذكر منها "شات جي بي تي" أو AI author.. ولئن كانت الجامعات تمتلك نظام الكشف عن نسبة المطابقة، واقصد هنا برنامج ithenticate الذي يكشف فقط السرقة الأدبية، فإنها لا تملك أنظمة AI detector أي أنظمة تكشف ما إذا كان المحتوى من صنع النظام الذكي. ايضاً يجب التوعية والتحسيس بأهمية استخدام هذه الأنظمة للحفاظ على الإبداع البشري في عصر الذكاء الاصطناعي.
ماهي التحديات الرئيسية التي تعترض إدماج الذكاء الاصطناعي في المغرب؟
التحديات يمكن أن نجملها في ما هو مالي مرتبط أساسا بضعف الميزانية المرصودة للبحث العلمي بشكل عام، عكس دول عربية وإفريقية تسبقنا في مضمار ترتيب الجامعات أو في الرتبة التي يحتلها المغرب في شأن الذكاء الاصطناعي. وتفيد بعض الإحصائيات أن الجامعات المغربية تحتل الرتبة 29 على مستوى القارة الأفريقية، فيما يحتل المغرب الرتبة 57 ضمن لائحة تضم 62 بلدا حسب مؤشر Global AI Index2023 ، وتسبق المغرب في هذا الترتيب كل من مصر وتونس وقطر وغيرها من الدول التي تستثمر بشكل أكبر في الذكاء الاصطناعي. فضلا على أن قطاع التعليم العالي يحتاج لإصلاح جوهري، لا من حيث تغيير الهندسة البيداغوجية، بل يجب ان يكون الإصلاح هيكليا على مستويات عدة منها ما يرتبط بالقوانين بما في ذلك حقوق المؤلف والملكية الفكرية وتعزيز أخلاقيات البحث العلمي وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وإعادة النظر في نظام ومسطرة الترقي التي يجب أن يكون الشرط الأساسي فيها قائما على الإنتاج العلمي الرصين لا المحسوبية. وفي صلة بهذا الوضع يكشف الواقع أن هناك العديد من اللجان العلمية التي تتألف من بعض الأشخاص المتابعين في قضايا فساد جامعي مرتبط بتزوير النقط أو قضايا أخلاقية، ورغم ذلك تجدهم في اللجنة العلمية للكليات أو حتى المراكز البحثية، وهو يتناقض بشكل قطعي مع نهج الإصلاح. كما يجب أن يشمل الإصلاح أيضا تعزيز قدرات الأساتذة الباحثين بالتكوين المستمر وخلق جسور بينهم وبين المجتمعات العلمية في الخارج لتجديد أفكارهم وتحيين معارفهم التي ستفضي لا محال إلى نسيج معرفي يرتقي بالجامعة المغربية إلى مصاف الجامعات الدولية المصنفة. ذلك أن الملاحظ من خلال المواضيع التي تناقش في سلكي الماستر والدكتوراه أنها مواضيع مستهلكة تعاني الجامعة التخمة منها ولا تضيف شيئا للبحث العلمي في المغرب، عدا أنها تمكن الطالب من الحصول على الشهادة الجامعية. ويبقى التحدي الأبرز في هذه المنظومة هو محاربة الفساد الذي يجتاح الإرادة السياسية والشعبية على حد سواء، لأنه يبدو أن الجميع يستغل هذا الواقع الذي تعيشه الجامعة في قضاء المآرب.
وأكيد أن المستقبل القريب سيكون شاهدا على أدائنا ثمن التطبيع مع الفساد الجامعي. وقد بدأت تجلياته تطفو على السطح بالفعل في سوء تدبير بعض الجامعات والكليات والشعب، بل حتى في قطاعات أخرى. إن التنمية الحقيقية تبدأ من حضن الجامعة وإن الديموقراطية هي الأخرى تبدأ من الجامعة، فإن فسدت الجامعة انتقل الفساد واستشرى في باقي القطاعات الأخرى. وإذا ما وضعنا تكلفة الفساد الجامعي في كفة والتحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي على المغرب داخليا وعلى المستوى الجهوي والدولي في الكفة المقابلة، فإن حظوظنا كمغاربة في الالتحاق بركب التنمية التكنولوجية في عصر الذكاء الاصطناعي تكاد تكون منعدمة.
المغرب بكل مؤسساته السياسية والاقتصادية ومن خلال جامعاته ومراكزه العلمية ونموذجه الاقتصادي الجديد، ماهي الحلول الممكنة لتعزيز استعمالات الذكاء الاصطناعي؟
بداية يجب وضع استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي مبنية على المقاربات التنموية، من مقاربة تشاركية وحقوقية ومجالية ومقاربة النوع الاجتماعي. كما يجب خلق لجنة استشارية للذكاء الاصطناعي على مستوى رئاسة الدولة، على اعتبار أن الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم يرهن الأمن القومي والدولي.
وقد اثبتت التجارب الدولية أن لجنة استشارية على مستوى رئاسة الدول هو الحل الناجع. والدليل على ذلك هو النموذج الأمريكي، إذ يشتغل البيت الأبيض مع المستشارين في كل من المجتمع العلمي والمجتمع الصناعي، وذات الأمر تنتهجه الفيدرالية الروسية وتجارب دولية أخرى. وبالتالي فإن لجنة استشارية على هذا المقاس والمستوى أصبحت ضرورة يجب التقيد بها في مضمار الذكاء الاصطناعي، بعد أن أخفقت اللجنة التي عينها وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في تنزيل التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بعد مرور أكثر من عامين على تعيينها، رغم أن المغرب كان أول بلد اختارته اليونسكو لتبدأ منه تنزيل التوصية، لكن سبقته في ذلك دول عربية مثل مصر وأيضا دولا أفريقية بدأت تقتفي أثر تقنين الذكاء الاصطناعي وأطلقت استراتيجية وطنية ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي ومبادرات أخرى.
من هي فاطمة رومات؟
فاطمة رومات، حاصلة على الدكتوراه، حائزة على لقب دكتوراه فخرية من جامعة المرأة في ليما، بيرو. أستاذة التعليم العالي تخصص العلاقات الدولية والقانون الدولي الاقتصادي في كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية أكدال، جامعة محمد الخامس، الرباط.
رئيسة مؤسسة للمعهد الدولي للبحث العلمي، مراكش منذ عام 2010.
رئيسة مؤسسة للمعهد الدولي للبحث العلمي، مراكش منذ عام 2010.
عضوة في مجموعة الخبراء الخاصة بالتوصية بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لليونسكو، المغرب.
عضوة في الوفد الممثل للمغرب في المفاوضات الحكومية الدولية حول التوصية بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لليونسكو.
عضوة في مجموعة الخبراء الخاصة بالذكاء الاصطناعي والفعالية البيئية في الاتحاد الدولي للاتصالات.
عضوة مؤسسة لمبادرة حوار الذكاء الاصطناعي كود إكسبلورر.
عضوة في كونسورتيوم الشبكة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل الخير الاجتماعي.
مؤسسة للشبكة العالمية للذكاء الاصطناعي والمجتمع الدولي.
خبيرة في الأمن السيبراني والتعاون الدولي، مجلس أوروبا كجزء من مشروع ويكي للجريمة الإلكترونية من 2014 إلى 2016.
حصلت على جائزة يفغيني كوزمين الدولية من اللجنة الروسية لليونسكو.
كتابها الجماعي الذي أشرفت عليه بعنوان "الذكاء الاصطناعي والدبلوماسية الرقمية: التحديات والفرص" دخل قائمة أفضل 20 كتابًا مبيعًا في الدبلوماسية على مر السنوات التي أصدرتها BookAuthority في أبريل 2024.
تم تصنيفها ضمن أفضل 10 قادة الفكر والمؤثرين العالميين في الذكاء الاصطناعي التوليدي لعام 2024.
هي ضيفة تحرير في العدد الخاص من مجلة دراسات السياسة الاجتماعية المدرجة في SCOPUS والمكرسة للذكاء الاصطناعي والسياسة الاجتماعية.
عضوة في العديد من لجان المجلس العلمي للمجلات المفهرسة مثل مجلة Cátedra Villarreal Posgrado والمجلة العلمية الدولية Revista Científica de Comunicación Social Bausate التي تنشرها جامعة خايمي باوساتي ميزا، ليما، بيرو. نشرت العديد من الكتب والمقالات المفهرسة بالعربية والفرنسية والإنجليزية. نظمت العديد من دورات التدريب للمعلمين الشباب والنساء المنتخبات ورواد الأعمال ونظمت العديد من المؤتمرات الدولية حول التعليم والعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والإعلام والاتصال والصحافة.
عضوة في العديد من لجان المجلس العلمي للمجلات المفهرسة مثل مجلة Cátedra Villarreal Posgrado والمجلة العلمية الدولية Revista Científica de Comunicación Social Bausate التي تنشرها جامعة خايمي باوساتي ميزا، ليما، بيرو. نشرت العديد من الكتب والمقالات المفهرسة بالعربية والفرنسية والإنجليزية. نظمت العديد من دورات التدريب للمعلمين الشباب والنساء المنتخبات ورواد الأعمال ونظمت العديد من المؤتمرات الدولية حول التعليم والعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والإعلام والاتصال والصحافة.
كانت متحدثة في العديد من المؤتمرات الدولية، من بينها مؤتمر نظم في قصر الرئاسة في فنلندا.
تم ترشيحها من قبل وزارة الخارجية الأمريكية للمشاركة في برنامج القادة الدوليين للزوار IVLP.