الأحد 8 سبتمبر 2024
سياسة

بومدين: احتقار البرلمان.. احتقار العمل السياسي

بومدين: احتقار البرلمان.. احتقار العمل السياسي عبد الصادقي بومدين، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
قال عبد الصادقي بومدين، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن احتقار البرلمان هو احتقار للدستور وللعمل السياسي، واحتقار العمل السياسي وازدراؤه يعمق أزمة الثقة والنفور من العمل السياسي المنظم والمسؤول ويفتح الباب أمام تعابير أخرى.
 
حديث القيادي في حزب "الكتاب" جاء إثر انسحاب المعارضة البرلمانية في الجلسة السابقة، بعد رفض وزير التعليم العالي المثول أمام مجلس النواب للرد على تدخلات نواب المعارضة في قضية طارئة تتعلق بإضراب طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان.
فيما يلي التصريح الذي خص به القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، جريدة "أنفاس بريس":
 

ما جرى في البرلمان يوم الثلاثاء 9 يوليوز 2024، من انسحاب للمعارضة احتجاجا على احتقار الحكومة للبرلمان، يتعين أن لا يمر كحدث بسيط ضمن مختلفات الإعلام، بل يتعين أن يتوقف عنده كل ديمقراطي وكل تقدمي، وكل وطني مدافع عن الديمقراطية وعن المؤسسات وعن حياة سياسية سليمة.

رفض وزير التعليم العالي المثول أمام مجلس النواب للرد على تدخلات النواب في قضية طارئة، تتعلق بطلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، رغم تقديم طلب رسمي من طرف مكتب المجلس تلبية لطلبات من المعارضة والأغلبية معا. 

ما معنى أن يتوصل مكتب المجلس برد غريب، هو أن الحكومة غير مستعدة للتفاعل مع طلب المجلس لمناقشة قضية حارقة تهم مصير سنة دراسية لطلبة الطب، ومصير آلاف الطلبة وآلاف العائلات، وتؤثر بشكل واضح على وضعية المستشفيات العمومية ومختلف المراكز الصحية من حيث سد الخصاص المتفاقم في الأطر الطبية، ومن ثمة على عشرات بل مئات آلاف من المواطنين المرضى؟ 

ما معنى عدم الاستعداد، والحال أنه من المفروض أن تكون الحكومة عامة، والقطاع الحكومي المعني خاصة، منشغل بمشكلة يواجهها، ولديه حلول يقدمها للمعنيين ولنائبات ونواب الأمة وللرأي العام؟ 

ليس لذلك سوى معنى واحد: احتقار واستهتار. احتقار لمؤسسة دستورية اساسية في الهرم المؤسساتي للمملكة ولدورها في مراقبة الحكومة، الذي ينص عليه الدستور، وبالتالي ازدراء للدستور نفسه، وهذا أمر غير مقبول إطلاقا ويحتم رفضا قاطعا من طرف الجميع، أيا كان الموقع، لأنه مس بالعمل السياسي في العمق واحتقار له ويتعين، والحالة هذه، اتخاذ المتعين من إجراء في حق وزير لا يراعي لا حرمة الدستور ولا حرمة مؤسسة دستورية ولا انشغالات الطلبة وعائلاتهم.. 

ومن المثير للاستغراب في جلسة انسحاب المعارضة، أن رئيس فريق من الأغلبية، ضمن دفاعه عن الوزير، قال أنه اتصل بالوزير وأخبره أنه لم يكن على علم ببرنامج المجلس في هذه الجلسة! هنا إشكال آخر لا يمكن وصفه سوى بالعبث إن صحت رواية رئيس الفريق. فمن أجل الدفاع عن وزير يتم توريط وزير آخر هو الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وتحميله ضمنيا وزر هذا الانحراف عن العلاقات الطبيعية بين مؤسستي الحكومة والبرلمان.
 
فالوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان دوره هو التنسيق بين المؤسستين الدستوريتين، وهو المكلف بإخبار الوزراء بجدول أعمال المجلس. وإن صح أن وزير التعليم العالي لم يخبر، فمعنى ذلك أن وزير العلاقات مع البرلمان تهاون واستهتر بمهمته الأساس، ويكون بذلك قد ارتكب "خطأ مهنيا جسيما" ترتب عنه مس بالدستور وبمؤسسة دستورية! ويتعين تكييف المحاسبة حسب درجة الخطأ بالاستئناس بقانون الوظيفة العمومية! 

ويبدو من خلال وقائع متكررة أن عبارة "رأيكم لا يهمني" لم تكن زلة لسان بل اصبحت تشكل مقاربة للعمل السياسي لهذه الحكومة وأصبح "رأيكم لا يهمنا" بصيغة الجمع. 

هذه " الأطروحة" الغريبة للعمل السياسي تشكل خطرا حقيقيا، ينبغي الانتباه إليه، على المسار الديمقراطي لبلادنا. لقد تمكن المغرب من تجاوز أزمات كبرى بفضل منع الحزب الوحيد، والتعددية السياسية ووجود فضاءات يعبر فيها الشعب عن قضاياه ومطالبه منها الأحزاب السياسية والبرلمان الذي، رغم كل عيوبه، فإنه منبر يتم فيه التعبير عن قضايا الشعب من طرف ممثليه الحقيقيين (وليس المصطنعين والمصنوعين). لنتذكر الماضي القريب: وجود حياة سياسية وبرلمان وفضاءات التعبيرالمختلفة، وتلاقي إرادة الملك والشعب، جنب بلادنا المنزلقات التي كانت ممكنة خلال ما سمي ب"الربيع العربي"، وبفضل دستور جديد متقدم تم الجواب المتبصر لملك البلاد على الحراك الشعبي.. هذا الدستور هو الذي يتعين احترامه والاجتهاد في تنفيذه وليس تجاهله أو الدوس عليه. 

احتقار البرلمان هو احتقار للدستور وللعمل السياسي، واحتقار العمل السياسي وازدراؤه يعمق أزمة الثقة والنفور من العمل السياسي المنظم والمسؤول، ويفتح الباب أمام تعابير أخرى، فالمجتمع يفرز أشكالا جديدة للتعبير أن فقد الثقة في الفضاءات الموجودة والمنظمة.