قال النعم ميارة رئيس مجلس المستشارين إن السياق الجيواستراتيجي الصعب "يضعنا جميعا أمام مسؤوليات جسام من أجل تحويل مخاض إعادة تشكل النظام الدولي إلى فرص حقيقية للتنمية الشاملة، ويجبرنا على تكثيف التنسيق الفعال للاستجابة الدولية المطلوبة للتعامل مع هذا السياق وما يؤدي إليه من ظواهر تزعزع الاستقرار والأمن العالمي من الناحيتين السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية".
واعتبر النعم ميارة، في كلمته الافتتاحية للدورة الثانية لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي للمنطقة الأورو متوسطية والخليج العربي التي تحتضنها مدينة مراكش يومي 11 و12 يوليوز2024، أن هشاشة نظام الأمن الغذائي العالمي، وتقلب الأسواق المالية والدولية، وأزمة الطاقة والتضخم وارتفاع أسعار المواد الأولية والأساسية تأتي في صدارة هذه الظواهر ، مما يرسم صورة قاتمة عن وضع دولي عنوانه العريض عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.
وأبرز ميارة أهمية المنتدى، الذي ينظم تحت رعاية الملك محمد السادس، كإطار برلماني يشجع التعاون والحوار والعمل المشترك داخل منطقتين تتمتعان بثقل استراتيجي وازن استعادتا، عن جدارة واستحقاق، اهتمام الجهات الفاعلة في الأسرة الدولية، بحكم موقعهما الجغرافي المتميز ومؤهلاتهما المادية والبشرية التي تجعلهما في صلب دوائر النقاش وروابط التعاون العالمي الهادف إلى استعادة العافية الاقتصادية الدولية ودعم الأمن والسلم الاجتماعي داخل وبين دول المعمور.
كما أبرز أهمية وقيمة المحاور والمواضيع التي سيشتغل عليها المشاركات والمشاركون طيلة انعقاد المنتدى والمتعلقة بآفاق الاقتصاد الكلي للمنطقة الأورومتوسطية والخليج، وضمان إمدادات الطاقة والتحول الأخضر في المنطقتين، وتمويل المشاريع، لاسيما الصغيرة والمتناهية الصغر، وريادة الأعمال في العالم الرقمي وتحدي الذكاء الاصطناعي، ودور الابتكار في الازدهار والتنمية الشاملة، وغيرها من المحاور الفرعية التي لا شك أنها ستأتي على متن المداخلات والنقاشات المتعلقة بها.
وفي هذا الصدد، قال رئيس الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط إن هذه المحاور "تجعلنا بالفعل في مواكبة آنية ومرافقة مستمرة للنقط الساخنة والملفات الحارقة التي تستأثر باهتمام المجموعة الدولية، خاصة وأنها ترتبط بشكل وثيق بالجهود المبذولة، وطنيا وفي نطاق التعاون المتعدد الأطراف، من أجل إرساء نماذج اقتصادية بديلة وأكثر ملائمة للاحتياجات الوطنية والإقليمية والعالمية".
ومن هذا المنطلق، اعتبر رئيس مجلس المستشارين أن المغرب، العضو الفاعل في المنطقتين المتوسطية والخليجية، وارتباطهما بمنطقة أمريكا اللاتينية، ما فتئ يبذل، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، وبالانخراط الكلي لجميع المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة البرلمانية، جهودا مقدرة تحظى بـ"الإشادة والتقدير من قبل شركائه من دول ومنظمات وهيئات مختلفة، بغاية إيجاد الحلول المبتكرة والمناسبة للإشكالات والتحديات المطروحة عليه في المجالات والقطاعات التي تحظى بالأولوية في لقائنا هذا، ولاسيما المتصلة بالتحول الطاقي والطاقات المتجددة".
وذكر في الإطار ذاته، أن المغرب كان سباقا للاستثمار في الحلول المستدامة، حيث مكنه موقعه الإستراتيجي ومؤهلاته من الارتقاء إلى مصاف البلدان الرائدة في مجال تمويل وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة والنجاعة الطاقية والهيدروجين الأخضر، وذلك ضمن استراتيجيته الطموحة لتسريع الانتقال الطاقي وتحقيق الحياد الكربوني.
وبهدف جعل قطاع الطاقات المتجددة أكثر جاذبية للاستثمار الخاص، كشف ميارة أنه تم إرساء إطار تشريعي وتنظيمي ومؤسساتي مناسب، أكد النعم ميارة أن "المملكة تواصل تحيينه بشكل مستمر، حيث يلعب البرلمان وضمنه مجلس المستشارين، أدورا هامة في تناغم تام مع تركيبته الفريدة والصلاحيات التي يخولها له دستور المملكة في المجالات التشريعية والرقابية وفي مجال تقييم السياسات العمومية".
وقال رئيس مجلس المستشارين في معرض كلمته، إن المملكة المغربية لا تكتفي بوضع ما تستلزمه التحديات المذكورة من سياسات عمومية وطنية فاعلة وناجعة، بل تتعدى ذلك إلى "طرح وقيادة مبادرات إقليمية تستهدف تحقيق أهداف مشتركة على مستوى التنمية الشاملة مع محيطه المتعدد، ولاسيما في عمقه الإفريقي".
وأضاف أن المملكة المغربية ـ إدراكا منها لموقعها الاستراتيجي الذي يجعل منها نقطة تلاقي وصلة وصل بين إفريقيا والعالم العربي وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وتصريفا لقناعاتها الثابتة بأهمية التعاون المشترك وخاصة التعاون جنوب-جنوب ـ تعمل على تعزيز وتطوير علاقات التعاون والشراكة مع البلدان الصديقة وبالخصوص الإفريقية لأجل تنمية قارية مستدامة.
وذكر في هذا السياق بالمبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس لتعزيز ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي والتي تشكل إطارا متفردا لتحقيق تعاون إفريقي متعدد الأبعاد وتنسيق جهود التنمية بما يؤسس لميلاد إفريقيا جديدة مزدهرة ومستقرة.
ولم يفت رئيس المجلس التذكير بالجهود المكثفة التي تبدلها المملكة المغربية لتنفيذ مشروع خط أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا وفقا لمقاربة اقتصادية تركز على تحسين الأوضاع الاقتصادية للدول الإفريقية ذات الدخول المتوسطة التي سيمر بها المشروع، وذلك في إطار تعظيم المكاسب الاقتصادية لهذه الدول وفق مبدأ “رابح-رابح”، كلها مشاريع تهدف إلى جعل المواطن الإفريقي في صلب التنمية وخلق فضاء للتكامل والتنمية المشتركة مع هذه الدول.
هذا بالإضافة ـ يقول النعم ميارة ـ تأتي الجهود المبذولة مع شركائنا في شمال المتوسط ومع الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي الذين تربطنا معهم شراكات نموذجية، متجددة وشاملة قائمة على التكامل والتعاون في مختلف المجالات.
وأشاد رئيس مجلس المستشارين بمستوى التقدم المحرز في العلاقات بين المغرب وأمريكا اللاتينية، لاسيما على المستوى البرلماني، حيث يحظى البرلمان المغربي بوضعية خاصة لدى التكتلات البرلمانية الفاعلة في هذه المنطقة.
وشكلت أقوى لحظات المنتدى والتي تضفي عليه قيمة استثنائية تلك المرتبطة بتسليم جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لفائدة وكالة بيت مال القدس الشريف الذراع التنفيذية للجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السادس، اعترافا لما تقدمه الوكالة من خدمات جليلة ومجهودات قيمة، من أجل العمل الإنساني والاجتماعي الميداني الملموس، والذي يتلازم مع المسار السياسي والقانوني للقضية الفلسطينية، الذي تضطلع فيه الدبلوماسية المغربية، بقيادة جلالته بدور ريادي وإنساني مشهود بثباته ونبل مساعيه.
وجدد رئيس مجلس المستشارين بالمناسبة، تعبيره عن أسفه الشديد وقلقه البالغ من استمرار فصول الحرب في غزة وتداعياتها المدمرة على المدنيين الأبرياء وعلى البنيات التحتية التي بدونها لا يستقيم الحديث عن التنمية المستدامة والكرامة الإنسانية.
هذا وكشف النعم ميارة أن هذه الدورة ستتميز كذلك بإطلاق "المرصد البرلماني للجنوب العالمي من أجل التنمية المستدامة للمنتدى البرلماني جنوب جنوب" بشراكة مع برلمان البحر الأبيض المتوسط، وذلك في إطار تنزيل قرارات الإعلان الختامي للمؤتمر البرلماني للتعاون جنوب - جنوب المنعقد بالرباط في فبراير 2024 والذي شارك فيه ممثلو مجالس الشيوخ الشورى والمجالس المماثلة والاتحادات البرلمانية الإقليمية من إفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والذي دعوا من خلاله إلى تعزيز التنسيق والتعاون والتشاور، وذلك عن طريق إنشاء مؤسسات دائمة.
وعبر عن أمله في أن يكون هذا المرصد إطارا فاعلا ومنتجا من أجل مواكبة المنتدى في تحقيق أهدافه واقتراح الحلول والخطط العملية التي من شأنها تقوية وتعزيز قدراتنا كبرلمانيين في المنطقيتين من أجل النهوض بمسؤولياتنا المشتركة على أحسن وجه.
وبعد أن استعرض المتحدث الأدوار الأساسية للبرلمانات في النهوض بالرؤية الشاملة لأهداف التنمية المستدامة، لاسيما من خلال العمل على تأمين آليات التحمل الأفقي لمهام التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية والإذن بتعبئة الموارد ضمن الميزانية، وكذا مهام التمثيل عبر السهر على إسماع صوت مختلف شرائح المجتمع في عملية صنع القرار، أعتبر رئيس مجلس المستشارين أن هذه المناسبة سانحة للدعوة إلى إحداث هذا المرصد.
وتوقف النعم ميارة عند أهمية ورهانات المرصد، مشيرا في الآن ذاته إلى أنه يمكن أن تتفرع عنه مراصد إقليمية ووطنية، وأن يشكل إطارا مؤسساتيا لتعزيز التعاون جنوب-جنوب وأن يتيح لبرلمانات وبرلمانيي الجنوب إمكانية تبادل التجارب والممارسات الفضلى فيما يتصل بتتبع تعهدات حكوماتهم وتقييم الاستراتيجيات والسياسات العمومية من منظور أهداف التنمية المستدامة، وكذا إمكانية التنسيق المنتظم وبلورة مواقف مشتركة للترافع في المحافل والتظاهرات الدولية لصالح بلدان وشعوب الجنوب.
وفي ختام كلمته الافتتاحية، عبر رئيس مجلس المستشارين ورئيس برلمان البحر الأبيض المتوسط عن أمله الكبير أن تتوج الدورة الثانية للمنتدى بمقترحات ملموسة تسهم في تعزيز التعاون والتكامل بين برلمانات المنطقة الأورومتوسطية والخليج وشركائنا في أمريكا اللاتينية، وتدعم جهودنا المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية لشعوبنا، وكذلك بتوصيات مهمة تشكل خارطة طريق تقودنا نحو مستقبل أكثر ازدهارا واستقرارا في منطقتينا، وتسهم في تعزيز دور برلمان البحر الأبيض المتوسط على الساحة الدولي.
ويشكل المنتدى البرلماني الاقتصادي للمنطقة الأوروـ متوسطية والخليج، الذي احتضنت مراكش دورته التأسيسية قبل نحو سنتين، إطارا للحوار حول القضايا الراهنة التي تهم منطقتي البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي، وكذلك إطارا لتفاعل البرلمانيين والشركاء المؤسسيين لبرلمان البحر الأبيض المتوسط مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين من القطاعين العام والخاص، وكذلك مع الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني.
وتركز النسخة الثانية من المنتدى على موضوعين رئيسيين، وهما: "التحول إلى الطاقة الخضراء"، و"دعم ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة في هذه العملية".