الأحد 24 نوفمبر 2024
جالية

أريري: من معبد البروتيستانت: وقل اعملوا.. فسيرى الله عملكم ورسوله !

أريري: من معبد البروتيستانت: وقل اعملوا.. فسيرى الله عملكم ورسوله ! الزميل عبد الرحيم أريري أمام معبد "سانتيتيان" البروتيستانتي بمدينة "ميلوز"
هذه الصورة الملتقطة قرب معبد "سانت إتيان"Le temple Saint-Étienne، بمدينة Mulhouse بشرق فرنسا ليست مجانية، بل إن التقاط الصورة كان متعمدا، وفاء من مغربي مسلم للبروتيستانتيين أينما كانوا، بفضل ماعرف عن البروتيستانت من تفانيهم في العمل وتقديسهم للوظائف التي يقومون بها، إلى حد أن البروتيستانت "ينتحرون" في مهنهم، أيا كانت طبيعة المهنة: قائد عسكري أو مصلح مفاتيح، أستاذ أو طبيب، سائق أو صانع تقليدي، مهندس أو مروض كلاب، تقني أو بارمان، موظف بنكي أو ميكانيكي، عامل نظافة أو بستاني، إلخ...
 
رغم أني مسلم واحترم كافة الأديان، إلا أني أكن جرعة زائدة من التقدير للبروتيستانت الذي تمردوا على كهنوت الكنيسة الكاثوليكية، وجعلوا من العمل أقدس ما يمكن للمرء أن يقوم به. بدليل أن الدول الأكثر تقديسا للعمل بالغرب، وبالتالي الأكثر تقدما، هي الدول التي تعتنق البروتيستانية من قبيل: الألمان والسويسريين والميركان والانجليز والهولنديين والاسكندنافيين.
 
فقبل الإصلاح الديني الذي قاده الراهب الألماني مارتان لوتر Martin luther في مطلع القرن 16، كانت المسيحية لا تمجد أي عمل، باستثناء العمل الذي يقوم به الكهنوت (رجال الكنيسة المسيحية)، الذين كانوا يروجون أن عملهم هو العمل الوحيد "المقدس"، لأنه يسمح بربط الصلة بين الله وعباده. وتأسيسا على هذه العقيدة ظلت كل المهن في مرتبة أدنى وكانت باقي الوظائف "مدنسة".
 
لكن مع الثورة التي قادها الراهب الألماني مارتان لوثر ضد صكوك الغفران وضد الكهنوت الكاثوليكي، ولدت العقيدة البروتيستانتية( من خلال قراءة صحيحة لتعاليم المسيحية وفق رأيهم)، التي وضعت ميثاقا أخلاقيا يقوم على مبدأ أساسي، ألا وهو أن الإنسان عليه أن يوظف معارفه وملكاته في المجال الذي يتقنه ليرضى الله عنه، بمثل ما كان المسيحيون الأوائل يقومون به.
 
مارتان لوثر وضع إذن الوظيفة الدينية في نفس المرتبة مع الوظائف الدنيوية، وأكد بأن الله يتجلى للمؤمن في العمل الذي يتقنه ويخلص في الوفاء له.
 
هذه الثورة الدينية لمارتان لوثر، ستجد صدى لها بفرنسا عند عالم اللاهوت جون كالفان Johan Calvin، الذي سيحمل مشعل الإصلاح الديني ويتمرد على الكنيسة الكاثوليكية بفرنسا، مما عرضه للقمع عام 1530، وبالتالي الهروب إلى مدينة Bâle السويسرية المحاذية لمدينة Muhlouse، قبل أن يذهب إلى ستراسبورغ( مدينة فرنسيةعلى الحدود مع ألمانيا)، ثم يعود إلى جنيف بسويسرا.
 
وبحكم أن السويسريين والألمان كانوا أول من تأثر بالإصلاح الديني، فإن المذهب البروتيستانتي شاع بالمناطق والمدن الفرنسية الموجودة على الحدود مع سويسرا وألمانيا، وأضحى هو المذهب الأكثر شيوعا بالشريط الفرنسي الحدودي، وعلى رأسها مدينة Muhlouse، هذه الأخيرة لم تكتف بتبني البروتيستانية فحسب، بل قامت في النصف الثاني من القرن 16 بطرد الكاثوليك من كنيستهم التي ألفوا التردد عليها منذ 1186. وأصبحت مدينة Mulhouse محجا للبروتيستانت، وهو ماقاد بلدية "Muhlouse في النصف الثاني من القرن 19، إلى تخصيص اعتماد مالي مهم لإعادة ترميم المعبد وتعلية الجرس بمعبد "سانتيتيان"، الذي يعد حاليا أعلى جرس في الكنائس البروتيستانتية بفرنسا.
 
ليس هذا ما تشتهر به Muhlouse، بل ورثث المدينة العقيدة البروتيستانتية التي تمجد العمل، وهذا ما يفسر لماذا أن منطقة الألزاس الفرنسية تشهد المعدلات الأكثر انخفاضا في البطالة( على عكس المناطق الفرنسية الأخرى)، وهذا ما يفسر لماذا أن مدينة صغيرة الحجم من نوع Muhlouse (التي لا تضم سوى 107.000 نسمة)، تضم جامعة بها كل الكليات الجامعة( آداب وحقوق واقتصاد وباقي العلوم الانسانية)، ومدرستين من أرقى مدارس المهندسين( في الروبوتيك والكيمياء) ومعهدين جامعيين للتكنولوجيا، دون احتساب عشرات مراكز التكوين المهني العالي المستوى في كافة التخصصات التقنية.
 
ترى: كم نحتاج من مصلح ديني بالمغرب ليتصالح المغاربة مع التفاني في العمل وتقديس العمل وأداء الوظيفة( أيا كانت الوظيفة: قطاع عام أو خاص، وظيفة إدارية أو تقنية، يدوية أو ذهنية، فلاحية أو تجارية، طبية أو تعليمية، قضائية أو ديبلوماسية، إلخ...)، بشكل خالص"لله عز وجل"، ورفع مقولة "العمل عبادة"، إلى مرتبة العقيدة الرسمية للمغرب والمغاربة؟!