الثلاثاء 18 يونيو 2024
كتاب الرأي

الصادق العثماني: حب الوطن من اﻹيمان..

الصادق العثماني: حب الوطن من اﻹيمان.. الصادق العثماني
 يجب علينا جميعا المحافظة على الوطن، فالمواطن الصالح هو الذي يحرص على مصلحة وطنه ومجتمعه قبل مصلحة بيته وأسرته؛ ﻷن المصلحة العامة تندرج تحتها المصلحة الخاصة، وعندما يزدهر الوطن يزدهر معه الفرد والجماعة.. علما ان حب الوطن فِطْرة طبيعية في داخل أي إنسان، ينبض بها قلبه، ويجري بها دمه، وإن غادر الإنسان وطنَه لضرورة ما يبقى الشوق والحنينُ إليه ساكنًا في أعماقه ووجدانه، وفي هذا السياق قال الغزالي: " والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص " . هذا الحب للوطن عبر عنه النبي- صلى الله عليه وسلم- في بداية بعثته وحين هجرته..
 
ففي بداية نزول الوحي عليه السلام بغار حراء ذهبَ مع زوجتِه خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل، وقصَّ عليه ما حدث معه من أمر نزول جبريل عليه، وورقة يفسر له ذلك حتى قال: " ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَو مُخْرِجِيّ هم؟!، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا "  رواه البخاري .

قال السفيري قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أو مخرجي هم؟ ": " استفهام إنكاري على وجه التفجع والتألم، كأنه استبعد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخرجوه من حرم الله وجوار بيته، وبلدة أبيه إسماعيل من غير سبب، فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن منه فيما مضى ولا فيما سيأتي سبب يقتضي إخراجاً، بل كانت منه المحاسن الظاهرات والكرامات المقتضية لإكرامه وإنزاله بأعلى الدرجات ".  وفي ليلةِ هجرتِه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى المدينة، وعلى مشارف مكّة وقف يودعُ أرضها وبيوتها، يستعيد المواقف والذكريات ـ ولو خالط هذه الذكريات الألم ـ مخاطبا لها بكلمات تكشف عن حبٍّ عميق، وتعلُّق كبير بديار الأهل والأصحاب، وموطن الصِبا وبلوغ الشباب، وعلى أرضها بيت الله الحرام، قائلا: "والله إني أعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجتُ"  وفي رواية أخرى: " ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ!، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنْتُ غيرك " رواه الترمذي. وفي ذلك دلالة واضحة على حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشديد لبلده ووطنه مكة، كما تدلُ علَى شدةِ حزنِه لمفارقته له، إِلا أَنه اضطُرَ لذلك، ولهذا حب الوطن من اﻹيمان ومن اﻹسلام أيضا، ومن خان وطنه وسعى فيه بالفساد واﻹفساد، أو تحالف مع اﻷشرار والخونة والبغاة واﻹرهابيين ضد بلده ووطنه لزعزعة أمنه وزرع الفتنة فيه، فهو خائن لله ولرسوله، ومصيره يوم القيامة جهنم خالدين فيها أبدا، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: " إن الذين فتنوا المومنين والمومنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق " .