الأحد 8 سبتمبر 2024
في الصميم

عودة إلى «قُبلة» الوزيرة ليلى والكنغر الأسترالي!

عودة إلى «قُبلة» الوزيرة ليلى والكنغر الأسترالي! عبد الرحيم أريري
لم تهدأ فضيحة «قبلة الكنغر الأسترالي» التي نسبت لوزيرة الطاقة ليلى بنعلي، حتى طفت فضيحة غباء حكومة أخنوش في تدبير ملف «القبلة الساخنة»، بالنظر إلى أن قضية «القبلة» كشفت عن الإيقاع السلحفاتي الذي تشتغل به حكومة أخنوش.
 
فالمقال الأول المنشور بالصحيفة الأسترالية «دا أستراليان» الذي نسب الصورة للملياردير «أندرو فورست»، وتأكيد الصحيفة أن هذا الملياردير كان يقبل بشكل حميمي الوزيرة المغربية ليلى بنعلي بالشارع بباريس، صدر يوم الاثنين 27 ماي 2024 في الساعة 9 و52 دقيقة صباحا. ورغم وجود سفارة مغربية بأستراليا ومصالح قنصلية هناك ووزارة اسمها الخارجية المغربية، فلم نسمع أي تحرك لوأد الخبر في حينه أو تأكيده، خاصة أن الأمر يهم اتهاما مبطنا لمؤسسة الحكومة المغربية من كونها تمرر الصفقات بناء على ديبلوماسية «القبل» وليس وفق منطق الاستحقاق، علما أن الملياردير له مصالح اقتصادية بالمغرب. أضف إلى ذلك أن الأمر يهم اتهام وزيرة في حكومة المملكة المغربية بممارسة سلوك «شائن» وفق الموروث المغربي وليس قبلة عادية للتحية أو اللقاء.
 
الصحافة المغربية تعاملت برزانة مع الملف، وانتظرت أن تتململ جهة حكومية ما لتوضيح الحقائق. لكن للأسف لم تتحرك أي جهة: لا وزارة الخارجية الوصية على صورة المملكة في الخارج، ولا وزارة الطاقة التي ترأسها ليلى بنعلي المعنية بالاتهام، ولا عزيز أخنوش باعتباره رئيسا للحكومة، ولا الوزير بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة. وفي بداية زوال نفس اليوم، كان من الطبيعي أن تتفاعل مواقع وصحف مغربية مع الحدث، وبدأت بالنشر مع التحفظ ونسب الخبر للمصدر الأسترالي والتساؤل عن صمت السلطات الحكومية.
 
ومع ذلك، لا أحد من الوزراء خرج للعلن ليوضح للرأي العام المغربي حقيقة «القبلة الساخنة والحميمية» وما راج بشأن تضارب المصالح، واحتمال أن يكون الملياردير محظوظا بـ «لهف» الصفقات مستفيدا من ما يروج حول «دفء علاقاته مع الوزيرة بنعلي». بل الأخطر من ذلك تصادف أن الوزيرة ليلى بنعلي كانت يوم الاثنين 27 ماي 2024 بمقر البرلمان، ولما طرح عليها زملاء السؤال، كان جواب الوزيرة بليدا، في الوقت الذي كان عليها أن تجيب بالإيجاب أو نفي ما راج حول الصورة، بحكم أن القضية لا تحتمل جوابا ثالثا.
 
ومع ذلك، وقع التفاعل في المجتمع بشكل لافت، واشتعلت وسائط التواصل الاجتماعي طوال الزوال والليل بسؤال مركزي: «هل ما كتبته الصحيفة الأسترالية حقيقة أم فايك نيوز؟ وهل السيدة في الصورة هي فعلا الوزيرة ليلى أم لا؟». وكالعادة، ساد صمت سيبيري في الفضاء الحكومي، وذهبت الوزيرة ليلى إلى منزلها وتناولت عشاءها ونامت نوما هادئا.
 
صباح يوم الثلاثاء 28 ماي 2024، ظل الوضع على ما هو عليه إلى حدود منتصف النهار، وتم تعميم «بلاغ صحفي» للوزيرة بنعلي في الساعة الواحدة من زوال 28 ماي 2024.
 
يا ليت ليلى بنعلي لم تصدر هذا البلاغ بتلك الطريقة الملتبسة، وهي التي قدمت لنا، لدى إسقاطها على منصب وزيرة الطاقة في أكتوبر 2021، بأنها «مشبعة بالثقافة الأنجلوساكسونية»، والحال أن البلاغ التوضيحي كان مفككا. فبدل أن تكون الوزيرة ليلى في بلاغها واضحة وضوح الأنجلوسكسونيين في بلاغاتهم، ركبت سفينة الهروب إلى الأمام وأرادت إقحام المغاربة في الحياة الخاصة، والحال أن معظم المغاربة لم يخاطبوا السيدة ليلى بنعلي بصفتها أما أو زوجة أو أختا أو عمة أو خالة، بل خاطبوا ليلى بنعلي كوزيرة تسير حقيبة يراهن المغرب عليها لتحقيق أمنه وسيادته الطاقية. وشتان بين السيدة والوزيرة.
 
وبدل أن يكون بلاغ الوزيرة ليلى يحتوي على سطرين يتضمن نقطتين، وهما: أولا، أنا الوزيرة ليلى بنعلي لست في الصورة. وثانيا، أنا كوزيرة كلفت محاميا لمقاضاة الصحيفة الأسترالية، هربت الوزيرة بالرأي العام إلى خطاب الأمومة والأسرة، علما أن السيدة ليلى بنعلي كانت نكرة قبل أكتوبر 2021، ولم يكن تعرفها النخبة العالمة بالمغرب، فأحرى أن يعرفها السواد الأعظم من المغاربة، حتى تم إقحامها قسرا في حكومة أخنوش وتمت صباغتها بلون الجرار ومنحها حقيبة الطاقة.
 
وهذا الإقحام جاء في إطار المخطط المعلوم الرامي إلى تبخيس السياسة والسياسيين الشرفاء وضرب الأحزاب المغربية ونخرها من الداخل حتى تفقد مصداقيتها لدى الرأي العام. وبالمقابل، تم ملء الساحة السياسية بالانتهازيين وبقطاعي الطرق والمهرولين نحو الريع واللاهثين وراء الغنائم وبالبزناسة والشناقة وبالتكنوقراط المقطوعي الجذور عن ثقافة المجتمع المغربي وعن موروثه التاريخي والديني والأنتروبولوجي ليخلو المجال لأصحاب «الهمزة» ليفترسوا المغرب وخيرات المغرب بدون مراقبة من أحزاب قوية أو جمعيات قوية.
 
إن كان من حسنة لقضية «قبلة الوزيرة ليلى مع الكنغر الأسترالي»، وما تلاها من بلاغ توضيحي، فهي أن تنهض القضية كدرس للدولة لتستخلص العبر. المغرب في حاجة اليوم إلى سياسيين نزهاء يقودون التدافع المدني ويرشدونه بما يحصن المغرب ويقوي كامل مؤسساته وبنيانه الدستوري، وليس إلى حاملي «كارطونات» وديبلومات يشهرونها «لضرب المغاربة على الشعا» خلال التعيين في المناصب الحكومية، دون أن تنفع العباد في تدبير شؤون البلاد.