السبت 27 يوليو 2024
جالية

أريري: كيف تحول المغرب إلى دجاجة تبيض 20 في المائة من المهندسين بفرنسا !

أريري: كيف تحول المغرب إلى دجاجة تبيض 20 في المائة من المهندسين بفرنسا ! الزميل عبد الرحيم أريري أمام مقر جامعة السربون بالدائرة 5 بباريس
إذا أسقطنا معاهد القطاع الخاص، نجد أنه من أصل 100طالب مهندس بفرنسا، هناك 21 طالبا قادما من الأقسام التحضيرية بالمغرب. فمن مجموع 107.000 طالب بمختلف معاهد الهندسة الفرنسية هناك 21.000 طالب مهندس مغربي مسجل بهذه المدارس، وهو ما يمثل 21% من المجموع العام للطلبة المهندسين بفرنسا.
 
ليس هذا وحسب، بل في كل الشعب والجامعات الفرنسية نجد الرتب الأولى في أعداد الطلبة الأجانب تعود للمغرب. فحسب campus france (وهي مؤسسة عمومية فرنسية تتولى مصاحبة الطلبة الأجانب وتتقاسم الوصاية عليها كلا من وزارتي الخارجية والتعليم العالي)، فالدول التي تخطف منها فرنسا العقول والأدمغة هي: المغرب (46.371 طالبا)، الجزائر (31.032 طالبا)، الصين (27.479طالبا)، إيطاليا(19.185 طالبا) والسينغال(15.264طالبا)، فيما تتوزع النسب الأخرى على باقي الجنسيات.
 
ومع نهاية كل موسم دراسي جامعي والاستعداد للتحضير للموسم الجامعي القادم، تحشد فرنسا كل آلياتها وتعبئ كل مصالحها لجلب مزيد من الطلبة الأجانب لمعاهدها وكلياتها ومدارسها. فإلى حدود بداية الألفية الحالية كانت فرنسا "تلعب في نادي الكبار " وتحتكر بمفردها نسبة مهمة من الطلبة الأجانب في العالم، لكن مع بروز دول أخرى عبدت طرق الاستقطاب ويسرت السبل لجلب الطلبة الأجانب، وجدت فرنسا نفسها في وضع حرج، إذ في سنة 2007 انزلقت فرنسا من الرتبة الرابعة عالميا إلى الرتبة الخامسة في استقطاب الطلبة، بسبب مزاحمتها من طرف أستراليا، تم توالي الانحدار في سنة 2017، بعد أن أصبحت روسيا في الصف الخامس عالميا على مستوى جاذبية الدراسة بالنسبة للطلبة الأجانب، لتحتل فرنسا الرتبة السادسة.
 
وخوفا من أن تفقد فرنسا مكانتها في هذا الباب، خاصة مع بروز دول أخرى صاعدة بدأت هي الأخرى تقضم حصة في جلب الطلبة الأجانب (من قبيل: الصين، تركيا، كوريا، ماليزيا، سنغافورة، الإمارات العربية، تايوان)، قامت حكومة باريس بوضع خطة بديلة لتسترجع "مجدها" في جلب الطلبة الأجانب الذين يبلغ عددهم 6،4 مليون طالب في العالم، وتبنت عام 2018 برنامجا أطلقت عليه اسم "Bienvenue en France" تضمن تحديا بوضع سقف الوصول إلى 500.000 طالب أجنبي بكليات ومعاهد فرنسا بحلول 2027.
 
من أهم مستجدات برنامج Bienvenue en France، القطع مع قانون 1979 الخاص بهجرة الطلبة، وتهوية قانون 2011 بإلزام ولاة الأمن الفرنسي بتقديم التسهيلات وتبسيط شروط إقامة الطلبة الأجانب بالتراب الفرنسي، فضلا عن اعتماد مونطاج مؤسساتي جديد يخص دراسة ملفات الطلبة الأجانب بالسفارات والقنصليات الفرنسية عبر تجميع المسارب المسطرية كلها في آلية واحدة تتولاها مؤسسة Campus France التي تبت في الملف وتحيله على المصالح القنصلية لتسليم الفيزا.
 
خطة فرنسا اعتمدت تدرجا في خطف العقول والأدمغة عالميا عبر تركيز مجهودها على إفريقيا، لاعتبارين رئيسين: الأول تاريخي مرتبط بالاستعمار وشيوع اللغة الفرنسية، فيما الاعتبار الثاني يتمحور حول رهان الطلبة الأفارقة الأجانب في العالم. إذ يشكلون 434.000 طالب إفريقي بالخارج، في حين لا تستقطب جامعات فرنسا سوى الثلث منهم (76.500 ينحدرون من دول المغرب العربي و65.600 بنتمون لدول جنوب الصحراء).
فرغم أن الصين ترسل مليون طالب إلى الخارج متبوعة بالهند بإرسالها 520.000 طالب، والفيتنام برقم 130.000 طالب، فإن طلبة هاته الدول يفضلون الحوض الأنجلوسكسوني( بريطانيا وأمريكا الشمالية وأستراليا، تم ألمانيا التي اعتمدت نظاما تعليميا بالإنجليزية في العديد من المؤسسات).
 
وفي الموسم الجامعي 2022\2023 تنفس حكام فرنسا الصعداء بعد أن أثمر البرنامج الجديد المعتمد من استقبال أرقام قياسية من الطلبة الأجانب. إذ لأول مرة تخطت فرنسا حاجز 400.000 بعد تسجيل 412.080 طالب أجنبي ( يمثلون 13% من مجموع الطلبة بفرنسا)، وهو ما أشاع الاطمئنان لدى حكومة باريس والباطرونا الفرنسية من احتمال بلوغ سقف 500.000 طالب أجنبي عام 2027.
 
هذا التسابق لاستقطاب الطلبة الأجانب لا يقف عند مستوى "البريستيج" وتسويق صورة براقة عن النظم التعليمية بالدول المتقدمة فحسب، بل ويتيح لهذه الدول تطعيم ماكينة البحث العلمي بأطر شابة وذات طاقات إبداعية في شتى المناحي، فضلا عن تطعيم الوحداث الإنتاجية في مختلف الأحياء الصناعية بفرنسا بكفاءات عالية التكوين، بدليل أن campus france بينت أن 60% من الطلبة الأجانب يختارون الاستقرار بفرنسا بعد انتهاء سلك تكوينهم الجامعي.
 
وهناك سبب آخر تغفل عنه الدراسات الرسمية، ويكمن في أن الطلبة الأجانب يشكلون "دجاجة تبيض ذهبا" لكونهم يضخون في خزينة البدان المستقطبة ملايين الدولارات كل عام، بفضل مصاريف التسجيل السنوية بالمعاهد ومصاريف الفيزا والمصاريف المحولة للطلبة من أسرهم ببلدانهم لتلبية حاجيات الأكل والكراء والملبس والترفيه، إلخ.
 
ففي فرنسا مثلا، يدر استقطاب الطلبة الأجانب على الخزينة العامة بفرنسا مبلغ 1،6 مليار دولار( الحصة الدنيا الشهرية للتحويلات القادمة من بلد الطالب هي 650 أورو، تم مصاريف التسجيل بالمؤسسة الجامعية التي تتراوح بين 3500 و2822 أورو). أما في أمريكا فإن العائد المالي يصل إلى 33 مليار دولار كل سنة، لسببين اثنين حسب منظمة NAFSA وهما: أن أمريكا هي الأولى عالميا في استقطاب الطلبة ب 833 ألف طالب أجنبي، وثانيا لكون رسوم التسجيل باهظة في جامعات أمريكا.
 
هذا حال الدول المتمدنة، أما الدول المتخلفة فلسان حالها يقول:"في الصيف ضيعت اللبن!"