الأحد 19 مايو 2024
جرائم

"شرر كبي اتاي".. إعادة تركيب تفاصيل ملف أغنية أدت إلى السجن

 
 
"شرر كبي اتاي".. إعادة تركيب تفاصيل ملف أغنية أدت إلى السجن أصدرت عدد من المنظّمات بيانات تطالب بحذف محتوى الأغنية من منصّات التّواصل الاجتماعي
بتاريخ 29 أبريل 2024 أصدرت المحكمة الابتدائية بفاس حكمها بإدانة مغنيي "راب" بالسجن النافذ لمدّة سنتين لكل واحد منهما، وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم، وذلك بسبب كلمات أغنيتهما المثيرة للجدل “شرر كوبي أتاي” حيث أدانتهما المحكمة  بتهمة “تحريض القاصرين على الدعارة أو البغاء”، و”التحريض على ارتكاب جناية أو جنحة بواسطة وسيلة إلكترونية تحقق شرط العلنية والمشاركة في ذلك”. 

تعود فصول القضية إلى شهر أبريل 2024، حينما انتشرتْ عبر مواقع التواصل الاجتماعي أغنية راب جديدة تحمل عنوان “شرر كوبي أتاي”، ففور تداول الأغنية، حقّقت أرقاما قياسيّة في نسب مشاهدتها التي بلغت ملايين في ظرف ساعات، إلا أن مضامين الأغنية خلقت جدلا واسعا حيث تتعرض لعدد من الظواهر الاجتماعية من قبيل الاستغلال الجنسيّ للقاصرات، وإدمان المخدرات والخمور. 

أصدرت عدد من المنظّمات بيانات تطالب بحذف محتوى الأغنية من منصّات التّواصل الاجتماعي لاحتوائها على كلمات نابية، تنتهك القيم الأخلاقية، فيما وصفها البعض بأنّها تشجع على استغلال القاصرات جنسياً. وتفاعلا مع هذه الانتقادات، أكّد المغنّي أمين المحبوبي أنّ “أغنيّته لا تحرّض على اغتصاب القاصرات بل ترسل برسالة تحذيرية للآباء، وهو ما يميّز فن الراب”، وأضاف أنه لم يقمْ سوى بتوضيح الحقيقة كما هي بأسلوبه كفنان، مؤكدا أن العمل لاقى إقبالاً كبيراً من قبل الشباب وأنه سيستمرّ في مشواره الفني”. 

النيابة العامة تتحرك 
على خلفية الجدل الذي خلفته أغنية “شرر كوبي أتاي”، قرّرت النيابة العامة فتح تحقيق في القضية، وتم تفريغ كلمات الأغنية في محضر قانوني من طرف الشرطة القضائية، أسفر عن توقيف مغنيي الراب “أمين المحبوبي” و”يوسف الملياني” ومتابعتهما في حالة اعتقال من أجل جنح “التحريض المباشر للأشخاص على ارتكاب جنايات وجنح  باستعمال وسائل إلكترونية من شأنها تحقيق شرط العلنيّة” و”تحريض قاصرين دون الثامنة عشرة على الدعارة وتشجيعهم عليها والمشاركة في ذلك”، طبقا للفصول 299(1) –و497 –و129  من القانون الجنائي. 

أثناء المحاكمة التي عرفت حضورا إعلاميا كبيرا، تمّ الاستماع إلى المتّهميْن اللذيْن نفيا المنسوب إليهما وأكّدا أنّ كلمات الأغنية تمّ تأويلها بشكل غير صحيح، وأن مضمونها هو تعبير عن الواقع، هدفه انتقاد ظواهر اجتماعية مثل الاستغلال الجنسي للقاصرات أمام المدارس والثانويات، وهو ما يميّز فنّ الراي من أسلوب نقدي.

وأكد دفاع المتهمين أن عناصر المتابعة غير قائمة الأركان أمام إنكار المتّهمين في سائر مراحل البحث للمنسوب إليهما، وانعدام القصد الجنائي خاصة وأن الأمر يتعلّق بمجرّد أغنية تنتمي إلى فنّ الراب المعروف بأسلوبه النقديّ الصّادم، وأضاف الدفاع أن الهدف من تنزيل الأغنية في موقع التواصل الاجتماعي هو “التوعية فقط ونقل صورة الواقع والحيّ الشعبيّ الذي يعيش فيه المتّهمان” ولم يكن بتاتا هو “المساس بالأخلاق العامة أو التحريض على الدعارة” وإنما بالأساس “استهداف الظاهرة التي يعيشها المجتمع ودق ناقوس الخطر اتجاه انتشارها”. 

وأعطيت الكلمة لممثل النيابة العامة الذي أكد أن الأغنية التي ذاع صيتها وسط وسائل التواصل الاجتماعي تتضمّن كلمات تحرّض القاصرات على الدعارة وهتك العرض بالعنف وبدون عنف وأن كلماتها واضحة ودالّة في معانيها لا تحتمل أيّ تأويل، ملتمسًا إدانة المتّهمين من أجل ما نسب إليهما مع تشديد العقوبة في حقهما. 

السجن النافذ في حقّ مغنيّي الراب 
قضتْ المحكمة الابتدائية في فاس بمؤاخذة المتهمين من أجل المنسوب إليهما  والحكم  على كل واحد منهما بالحبس النافذ لمدّة سنتين وغرامة نافذة قدرها خمسون ألف درهم وحذف وإتلاف مضمون الأغنية من الموقع الإلكتروني المعني بها. وقد اعتمدت على العلل التالية: 
- الثابت من محضر الضابطة القضائية أنه تمّ إيقاف المتهمين لعلاقتهما بمحتوى فيديو يقدمان من خلاله أغنية باللهجة العامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتمّت الدعوة فيها لاغتصاب القاصرات والتغرير بهن من خلال جمل تتضمّن إيحاءاتٍ بذلك. 

- بعد تحميل الأغنية بقرص مدمج عن طريق المختبر الجهويّ لتتبّع وتحليل الآثار الرقمية وتفريغ محتواه و استقراء كلمات الأغنية، تبين أنها  تتضمن عبارات غير أخلاقية تمس بالقاصرات كما هو ثابت بمحضر استقراء القرص المدمج .  

- بعد عرض مضمون الأغنية المصورة على المتهمين أكدا أنهما من قاما بتدوين عباراتها وتكلف كل منهما بكتابة جزء منها  وقاما بنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي باتفاق مع أحد المنتجين وأنها حققت مشاهدات كبيرة وصلت إلى مليوني مشاهد كما أنها حققت أرباحا مادية برغم العبارات  النابية والمخلة بالحياء التي طالت مضامينها. 

- إنكار المتهمين للمنسوب إليهما أمام المحكمة تفنّده تصريحاتهما المدوّنة في محضر الشّرطة القضائيّة الذي اعترفا فيه بأنهما لاحظا أنّ كلمات الأغنيّة تتضمّن مصطلحات خادشة بالحياء مثل “الجنس المجاني”، “العاهرة”، “هزي هزي”، فتم الاتفاق على حذف هذه العبارات تجنبا للمتابعات القضائية أو فهمها كتحريض على ممارسة الفساد أو أية إساءة تجاه القاصرات، لكن ونتيجة ضيق الوقت خصوصا وأن منتج الأغنية كان يستعدّ للعودة إلى فرنسا في اليوم الموالي ونظرا لارتباطات الفرقة الموسيقية الشعبيّة تقرّر تسجيل الكليب من دون حذف الكلمات أو العبارات المخلة بالحياء، وبعد مرور حوالي خمسة أيام أرسل لهما المنتج تسجيل كليب الأغنية عبر العنوان الإلكتروني، تمّ نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد موافقتهما ثمّ نشرها بقناة صديقه باليوتوب ليتمّ انتشارها عبر الإنترنت. 

- إنّ تحريض القاصرين على الدعارة  يقتضي أن يكون الفعل المنسوب للجاني يندرج ضمن جرائم الوساطة ويرتكب إرضاء لشهوات الغير وفي حقّ قاصر دون الثامنة عشرة من عمره.

- وعليه، خلصتْ المحكمة إلى أن الأفعال الصادرة عن المتّهمين  وفقا للصياغة الواردة بالأغنيّة تشكّل تحريضًا على ارتكاب جنايات وجنح  باستعمال وسائل إلكترونيّة من شأنها تحقيق شرط العلنية وتحريض قاصرين دون الثامنة عشرة على الدعارة وتشجيعهم عليها والمشاركة في ذلك، وقد نتج عنها مفعول وتأثير في حق الغير من خلال تجاوب المنخرطين والمتتبعين في مواقع التواصل الاجتماعي مع مضامين الأغنية التحريضية وإعادة نشرهم لها. وهو ما يبرز في وصول نسب المشاهدة إلى أزيد من مليونيْ مشاهد.

ردود الأفعال 
تباينت ردود الأفعال داخل الأوساط الحقوقية بالمغرب بعد صدور حكم محكمة فاس بالسجن النافذ لمدة سنتين. ففي الوقت الذي أكدت فيه جمعية “ماتقيسش ولدي” والتي تعنى بمحاربة الاستغلال الجنسي للأطفال، أنها لم تنتصب كطرف مطالب بالحقّ المدني في القضية كما لم يسبق لها أن طالبت بإصدار عقوبة سجنيّة في حقّ مغنيي الراب وإنما طالبت فقط بحذف محتوى الأغنية الذي يبدو وكأنه يشجّع على ظاهرة الاعتداءات الجنسية ضدّ القاصرات.
 
ورحّبت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو بالحكم الابتدائي الصادر، مشددة على أنه سيكون درساً وعبرة لأي شخص آخر تسول له نفسه التحريض على استغلال القاصرات، أو التحريض على الفساد. وأكدت أن “التغاضي عن مثل هذه السلوكات سيشجع آخرين على إعادتها، لذلك أثمن هذا الحكم الذي سيكون بمثابة رادع للآخرين، خصوصاً أننا اليوم أمام وسائل التواصل الاجتماعي التي تسمح بالانتشار الكبير للمحتوى الرقمي، ما يمثل خطراً على القاصرين إذا ما تضمن مثل هذه التجاوزات التي جاءت في كلمات الأغنية”.