الجمعة 17 مايو 2024
فن وثقافة

مصطفى حمزة يوضح الفرق بين مدرستين تاريخيتين لتعليم الرماية وركوب الخيل بقبيلة أحمر بإقليم اليوسفية ( مع فيديو )

 
 
مصطفى حمزة يوضح الفرق بين مدرستين تاريخيتين لتعليم الرماية وركوب الخيل بقبيلة أحمر بإقليم اليوسفية ( مع فيديو ) الباحث المصطفى حمزة رفقة الزميل أحمد فردوس

نظرا للأخطاء الشائعة التي يتم ترويجها ويتداولها بعض "صناع المحتوى" من خلال تعاليقهم وكتاباتهم ومتابعاتهم لعروض تراث فن التبوريدة، حول المدرسة الحمرية للرماية وركوب الخيل بإقليم اليوسفية بقبيلة أحمر، والخلط بينها وبين مدرسة الأمراء العلويين التي تقع بمدينة الشماعية، حيث يطرحون فيديوهات بالصورة والصوت على مواقع التواصل الاجتماعي دون التحقق من مصادر معلوماتهم الخاطئة، والمراجع والوثائق التاريخية ذات الصلة. وعلى اعتبار أن الأبحاث والدراسات التاريخية قد حسمت الأمر بخصوص أسباب نشأة كل واحدة منهما، وفي سياق تنوير قراء جريدة "أنفاس بريس" وتصحيح تلك الأخطاء استضافت الجريدة الباحث الأستاذ المصطفى حمزة المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي.

أوضح الباحث والكاتب الأستاذ المصطفى حمزة أن هناك فرق شاسع بين مدرسة الرماية الحمرية، ومدرسة الأمراء العلويين، سواء من حيث تاريخ وأهداف التأسيس أو من حيث المهام التي أحدثت كل واحدة منهما.

في هذا السياق أكد بالقول أن مدرسة الأمراء العلويين بمدينة الشماعية قد تم تأسيسها في أواخر القرن الثامن عشر، على يد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، بينما تمّ تأسيس مدرسة الرماية الحمرية في القرن السادس عشر، على يد الأخوين سيدي سعيد وسيدي علي أبناء ناصر الحمري. وهما بالمناسبة من تلامذة الشيخ سيدي أحماد وموسى، ومعنى ذلك أنهما يشكلان امتدادا لمدرسة تازروالت المتواجدة في جنوب المغرب.

وحسم الأستاذ المصطفى حمزة الأمر، بالقول أن تأسيس المدرسة الحمرية للرماية كان خلال القرن السادس عشر على يد سيدي سعيد وسيدي علي، أبناء ناصر الحمري. وحدّد مكان تأسيسها بالقرب من شيشاوة على اعتبار أن تلك المنطقة كانت تابعة لقبيلة أحمر، موضحا أن زاوية النواصر التي تضم هذه المدرسة، كان وراء تأسيسها عدة أسباب من بينها:

يقول ضيف الجريدة الباحث المتخصص في التاريخ المحلي والجهوي المصطفى حمزة بخصوص السبب الأساسي الأول:

"كان يرتبط بمواجهة الغزو الإيبيري (الإسبان والبرتغال( للسواحل المغربية، خلال محاولة توغله داخل المغرب، حيث استحضر في هذا الجانب ظهور بعض القوى لمواجهة الغزو الإستعماري من بينها هذه المدرسة التي حملت على عاتقها تدريب الناس من أجل مواجهة الغزو الأجنبي. أما فيما يتعلق بالسبب الثاني، فقد أضاف محدثنا قائلا "لا ننسى أن هذه المنطقة كانت قد عرفت الغزو البرغواطي". مما يوضح أن وجود مدرسة الأمراء العلويين، كان موجها بالأساس لتثبيت شعائر الدين الإسلامي، وثانيا لمحاربة التوغل البرتغالي والإسباني داخل هذه المنطقة.

وعن تمدد المدرسة الحمرية للرماية داخل هذا المجال الجغرافي فقد أشار بأنها تمدّدت في كل من "زَاوَيَةْ النّْعَيْمِي"، ثم "زَاوْيَةْ الْخَنُّوفَةْ"، و "زَاوْيَةْ سِيدِي رَحْمُونْ" وأيضا تمددت في "زَاوْيَةْ قْبُبْ عُرِّيضْ"، وستصبح كل هذه الزّوايا، مراكز للتدريب وتعليم الرماية وركوب الخيل لعاملين الأول يرتبط بضمان مورد العيش، والعامل الثاني يتعلق بالدفاع عن المنطقة.

ومن المعلوم أن هذا المجال الجغرافي الذي ذكرنا سالفا، كان عبارة عن منطقة غابوية كثيفة وبها مياه غزيرة، حيث كانت تعيش بها عدة أنواع من الوحيش كحيوان الأروي مثلا، ولذلك فالإنسان الحمري كان يقتات ويعول على مورد عيشه من صيد الحيوانات والوحيش كنوع من العمل، فضلا عن دفاعه عن منطقته بالسلاح.

وأفاد نفس المتحدث بقوله أن "الحديث عن المدرسة الحمرية للرماية يقودنا مباشرة إلى الحديث عن القيم الدينية والإجتماعية، وعن الطريقة الناصرية التي تعتبر امتدادا لزاوية تامكرودت في جنوب المغرب، مؤكدا على أن أول متصوف دخل إلى هذه المنطقة هو الشَّيْخْ الصُّوفِي سِيدِي مُحَمَّدْ بُوسُونَّةْ، الذي يوجد ضريحه اليوم في منطقة عُرِّيضْ، وهو من عمل على نشر طريقة التصوف الناصري.

وأكد المصطفى حمزة على أن الطريقة الناصرية، التي نسمع ترديدها بين فرسان الخيل والبارود هي مأخوذة من تعاليم القرآن والسُّنُّةْ، على اعتبار أنه خلال تداريب الرماية كان أول سؤال يوجه لمن يرغب في تَعَلُّمِ أصولها هو "هل تصلي وتؤدي الشعائر الإسلامية؟"، بل أن المتعلم إن لم يقبل تعلم فرائض الصلاة فهو "لن يتعلم أصول ومبادئ وشروط الرماية".

ويستطرد مفسرا بقوله: "لا ننسى أن تعليم الرماية كان يتم عبر مراحل وعبر فترات زمنية. في البداية كان يتم تعليم الإنسان ركوب الخيل بدون وضع السّرج على صهوة الحصان "أي يركبه مَلَّاطِي"، ومن تمة يلج إلى مرحلة مطاردة الوحيش بالسّرعة واليقظة المطلوبة، ثم ينتقل إلى كيفية استعمال لوازم السّرج وتلجيم ثم تجهيز الحصان، ووضع أحزمته، وكل ما يتصل بامتطائه. ونفس الشيء كانت تخضع له تعاليم ومبادئ وشروط تعليم الرماية". حيث كان يتم "وضع شارة كهدف للرماية على مسافة قريبة من عين الرَّامِي المتدرّب، ثم بعد ذلك يتم إبعاد تلك المسافة، وهكذا دواليك، إلى جانب تقديم دروس كيفية مسك البندقية، ووضعية الجسم وطريقة التنفس لضبط الهدف جيدا". ونستخلص من كلام ضيف الجريدة "أن كل هذه التعاليم والمبادئ والشروط فهي "منبثقة عن الثقافة الدينية بالأساس، وخصوصا المتشبثة بالسُّنَّةِ، ولهذا السبب سميت بالطريقة الناصرية".

بخصوص أسلوب حركات طريقة لعب فرسان التبوريدة الناصرية بـ "الْمُكَحْلَةْ" على صهوة الحصان أوضح الأستاذ حمزة بأن هذه الطريقة كانت ومازالت سائدة في الجنوب المغربي، بما فيها منطقة الحوز بصفة عامة. ولها علاقة وطيدة أيضا بنوع الزّي والّلباس التقليدي أبيض اللون، الذي يعتبر أساسيا، مثل "السِّرْوَالْ الْقَنْدْرِيسِي" و "التْشَامِيرْ" و "الْفَرَاجِيَّةْ" و "الجِّلْبَابْ" و "السِّلْهَامْ" و "الْبَلْغَةْ" أو "التْمَاكْ" و "الْكُمِيَّةْ" ثم أساسا "دَلِيلُ الْخَيْرَاتِ". وهذا التميز له علاقة بطبيعة الإنسان ومحيطه البيئي والاجتماعي، لأن الطبيعة بذاتها مساهمة ومؤثرة في هذا النوع من اللباس والزّي.

في نفس السياق يعتبر المصطفى حمزة أن هذا التراث اللامادي الذي نتحدث عنه بهذا المجال الجغرافي الذي أفرز مدرسة الرماية الحمرية بإقليم اليوسفية منذ القرن السادس عشر، يعكس بدون شك مفهوم التعدد والتنوع الثقافي والاجتماعي، ويؤكد أن المنطقة عرفت انفتاحا وتعايشا منذ القدم، بحيث كان يتردد عليها الإنسان كثيرا، فمثلا نذكر أن القائد عيسى بن عمر العبدي أنه تلقى تدريبا وتعليما بمدرسة الرماية الحمرية، إلى جانب عدد كبير من أفراد الجيوش السلطانية، وأيضا بعض الأمراء الذين تعلموا وتدربوا بهذه المنطقة، لذلك فالملاحظ أن هذه المدرسة كان لها امتداد جغرافي وحضور قوي على المستوى التاريخي.

وشدد بقوله على أن المحافظة على هذا الموروث الثقافي، هو مفخرة واعتزاز بهذه الكنوز التاريخية، خاصة وأن هذا التراث اللامادي له امتداد منذ القرن السادس عشر إلى يومنا هذا، وهي فترة طويلة كان لها تأثير محلي بمنطقة أحمر، وفي كل المناطق المحيطة بها، ولذلك نجد فرسان التبوريدة يلعبون بالطريقة الناصرية التي يمكن أن نؤكد على أنها امتداد لطريقة سيدي احماد وموسى وتمتد من نهر أم الربيع إلى جنوبه.

مهام ونشأة وأهداف تأسيس مدرسة الأمراء بالشماعية

إن مدرسة الأمراء العلويين الموجودة حاليا بمدينة الشماعية التابعة لإقليم اليوسفية، والتي حظيت هذه السنة بتصنيف وزارة الشباب والثقافة والتواصل ضمن قائمة الموروث الثقافي والتراث الوطني بالمغرب، فقد تم تأسيسها للأسباب التالية:

فحسب نفس المؤرخ فالسبب الأول كان هو "رغبة السلطان سيدي محمد بن عبد الله في تربية أبنائه تربية جديدة، بعيدة عن تربية المدن، لأنها كانت تمني ما يسمى بالطموحات السياسية، وهذا ما نلاحظه من خلال التمردات التي قام بها الأمير اليزيد ضد والده".

أما عن أسباب تأسيسها فقد قال نفس المتحدث "أن مدرسة الأمراء العلويين، كان سبب تأسيسها في البداية كون أن السلطان الحسن الأول كان في إحدى حَرَكَاتِهِ السّلطانية، وقام بجولة ليلية داخل منطقة قبيلة أحمر، فوجد فقيها يدرس الأطفال القرآن الكريم، بطريقة جيّدة وبأسلوب جيدّ كان ينهجه الفقيه (وهو بالمناسبة من عائلة بَنْ الضَّوْ(، حيث كان ملمّا بالشّرح والتّفسير وما إلى ذلك من مبادئ التعليم في تلك الفترة. فرغب السلطان أن يتعلم أبنائه هنا في هذه المنطقة، وبنفس الطريقة".

في هذا السياق يوضح المصطفى حمزة "أعجب السلطان بالفقيه، فقرر تعينه قائدا على المنطقة نظرا لما يتوفر عليه من مكانة علمية"، ومن هذا المنطلق تأسست مدرسة الأمراء العلويين التي كانت تكوّن الأمراء علميا، من خلال تعليمهم القرآن والعلوم السائدة آنذاك، وفق برنامج زمني مضبوط، موزع على فترتين صباحية ومسائية، كما أنها كانت تدرسهم فنون الحرب، خاصة الرماية وركوب الخيل، إذ كان مخصصا لهم الفترة المسائية من يوم الأربعاء لتعلم الرّماية، ويوم الخميس كان مخصصا لركوب الخيل.

ومن أبناء السلطان الحسن الأول الذين درسوا بهذه المدرسة نذكر السلطان مولاي عبد الحفيظ والأمير مولاي لكبير، ولالة فاطمة، فضلا عن الأساتذة الذي كانوا يشرفون على تعليم الأمراء ومرافقيهم وهم من خيرة علماء القرن التاسع عشر، نذكر منهم مطوّر الخط المغربي، أبو العباس، والوزيران، منهم علي المسفيوي، والطيب بوعشرين والمرادسي (مؤرخ السلطان الحسن الأول). أما شيوخ تعليم الرماية وركوب الخيل فكانوا من الحمريين. حسب المؤرخ المصطفى حمزة.

 

رابط الفيديو هنا