الأحد 24 نوفمبر 2024
خارج الحدود

الانتخابات الرئاسية في الجزائر.. ولاية ثانية بغياب أي حصيلة للولاية الأولى

الانتخابات الرئاسية في الجزائر.. ولاية ثانية بغياب أي حصيلة للولاية الأولى الرئيس الجزائري تبون
في خطوة وُصَفت بالمُفاجئة وغير المنتظرة، قرّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تعجيل موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية إلى 7 شتنبر 2024، عوضًا عن دجنبر من نفس السنة، أي تقديمها بثلاثة أشهر عن موعدها الدستوري (تاريخ نهاية ولايته الأولى)، على أن تُستدعى الهيئة الناخبة في يوم الثامن من شهر يونيو المقبل.  
فقد جرت آخر انتخابات رئاسية في 12 دجنبر 2019، وفاز فيها تبون بحصوله على 58 في المائة من الأصوات، ليخلف حينها بوتفليقة الذي دُفع إلى الاستقالة بضغط من الجيش والحراك الاحتجاجي الشعبي، ثم توفي بوتفليقة في شتنبر 2021. هذا القرار وإن كان من الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية وفقا للدستور المعدل في سنة 2020، إلا أنّه أثار سجالا سياسيا وإعلاميا، حول إمكانية وجود طارئ ما. وذهبت التأويلات في عمومها إلى الاعتقاد بتكرار سيناريو الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، وعدم وجود توافق داخل السلطة العسكرية الحاكمة في البلاد حول عهدة ثانية للرئيس عبد المجيد تبون، بعد ولاية أولى صاحبتها أزمات داخلية وخارجية غير مسبوقة. 
كان المشهد السياسي الجزائري لغاية شهر مارس 2024، يتّسم بالهدوء ويسير نحو الإبقاء على تاريخ تنظيم الانتخابات الرئاسية على تاريخها المحدّد. إذ أكّدت برقيّة لوكالة الأنباء الرسمية (التابعة لرئاسة الجمهورية)، في سياق ردّ على مغني راب مغربي، انتقد الجزائر، أن الانتخابات الرئاسية في الجزائر ستجرى في موعدها، داعية المغاربة إلى الاهتمام والالتفاف حول ملكهم وقصرهم. كما أعلن بيان آخر لرئاسة الجمهورية الجزائرية، عن برمجة زيارة للرئيس عبد المجيد تبون لفرنسا نهاية شهر شتنبر وبداية أكتوبر. فُسّرت على أنها تهدف لجلب دعم قصر الإليزيه لعهدة ثانية. ثم انعقد في 21 مارس اجتماع ترأسه الرئيس تبون، وحضره قائد الجيش ورئيس المحكمة الدستورية ورئيس السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، أعلن فيه عن تنظيم رئاسيّات سابقة لاوانها في شهر شتنبر.
 
وكالة الأنباء الرسمية تبرّر والرئيس يتفاعل مع الجدل 
يتّفق جميع المحللين والمتابعين للشأن الجزائري، على هشاشة الجبهة الداخليّة، حيث لا تزال السلطة تتوجّس خيفة من احتمال عودة مسيرات شعبية مشابهة للمسيرات التي أطاحت بالرئيس السابق بوتفليقة لعدم تجسيد وعود الإصلاحات الاجتماعية وتخفيف المضايقات على المعارضة السياسية ومنظمات المجتمع المدني وإلغاء القيود المفروضة على وسائل الإعلام، التي كانت من أهم مطالب هذا الحراك. وهو ما يفسّر رفضها الترخيص للمسيرات الداعمة لغزة في ظلّ جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ومواصلتها اعتقال نشطاء الحراك لمجرد نشر تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي.  
وارتفع منسوب الجدل السياسي والإعلامي حول سيناريوهات وخلفيات استعجال هذا الاستحقاق المهم، مما حدا بوكالة الأنباء الرسمية إلى إصدار برقية تفسّرُ أسبابه ودوافعه، جاء فيها أن “الإعلان عن تقديم تاريخ تنظيم الانتخابات الرئاسية إلى شهر شتنبر 2024 يبدو أنه قد فاجأ الكثيرين، إذ فضل رئيس الجمهورية ضمن حرصه على الشفافية، إرباك خصومه وإلى حدّ ما حلفائه بهذا الإعلان الذي يبدو حادّا في الشكل، ولكنه متماسك في ألجزائر الجديدة التي تم انتقادها منذ ولادتها من قبل خبراء الانهزامية، ومحترفي الرداءة، والمتشبثين بفساد الدولة، وخونة الداخل الذين لا يرغبون في بروز هذه الجزائر المتجددة، قد سلكت طريقا مليئة بالعقبات. فكانت المهمة كبيرة، تعلق الأمر أحيانا بعوامل صحية (كوفيد)، أثبتت الانسجام بين الدولة والمواطن. ولكن في كثير من الأحيان كان ذلك لأسباب داخلية تعود لانحراف للنظام السياسي عن مساره”. كما اضطرّ الرئيس نفسه للتعليق على القرار، فصرّح خلال لقاء دوري له مع وسائل الإعلام، أن “إجراء انتخابات رئاسية “سابقة لأوانها” في 7 شتنبر 2024، جاء “لأسباب تقنية محضة”، لكنه لم يوضح ماهيتها، مكتفيا بالقول إن “المنطق الأساسي لهذا التغيير هو أن شهر ديسمبر ليس التاريخ الحقيقي للانتخابات”، في إشارة إلى شهر أبريل الذي دأبت فيه الجزائر في عهد الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة على تنظيمها. من جهته، اعتبر الرجل الثاني في هرم الدولة دستورياً، رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، بأنّ القرار راجع لتزامنها مع موعد إجراء انتخابات التجديد النصفيّ لمجلس الأمة (الغرفة الثانية في البرلمان).
 
تقاليد المؤسسة العسكريّة في صناعة الرؤساء 
حصرتْ السلطة منذ الاستقلال صلاحية صناعة الرؤساء في المؤسسة العسكرية التي بيدها فرض رئيس على الجزائريين ودعمه في تسيير شؤون البلاد أو دفعه للاستقالة أو الانقلاب عليه مباشرة. لم تغيّر سنتان من الحراك هذا التقليد. فبعد الاتفاق على تسليم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مقاليد الحكم سنة 1999، ودفع الرئيس الأسبق اليامين زروال قبله للاستقالة، دُفع بوتفليقة إلى الاستقالة في أعقاب توسع رقعة مسيرات الحراك الشعبي في البلاد، من قبل نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، الذي عينه هو نفسه سنة 2004 على رأس الجيش. وقد عاد هذا الأخير ليدعم اسم المترشح عبد المجيد تبون، من بين المرشحين الخمسة للرئاسة على حساب عزالدين ميهوبي، مرشح مدير المخابرات العسكرية السابق اللواء واسيني بوعزة. 
 ومع وفاة الجنرال القوي، أحمد قايد صالح، بعد أسبوع من أداء الرئيس تبون للقسم الدستوري، بات واضحا أن الإجماع العسكري على خليفة بوتفليقة أصبح بحاجة إلى مراجعة. لكن المؤسسة العسكريّة وضعت في صلب أولوياتها ملف تصفية مسيرات الحراك الشعبي وإعادة الجزائريين إلى بيوتهم بأية وسيلة كانت، مما عنى بالضرورة الإبقاء على استقرار رئاسة الجمهورية ولو نسبياً.  
وهو السيناريو الذي خصه الصحفي مدير منصة “راديو أم”، إحسان القاضي، بمقال تحليلي، كلّفه الاعتقال والحكم عليه بعقوبة السجن سبع سنوات، خمسة منها نافذة، مع تشميع مقرّ مؤسسته الإعلاميّة ومصادرة معدّاتها. 
 
وجوه حقبة “الحرب الأهلية” تعود للواجهة 
وظّف الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، بنجاح، خلال عشرين سنة من حكمه، تبعات الملفّ الأمني لفترة التسعينات والحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر، والتي خلّفت أكثر من مئتي ألف قتيل وآلاف المفقودين ، كـ “ورقة ابتزاز” في وجه عدد من رموز المؤسسة العسكرية النافذين، لإجبارهم على التواري عن المشهد السياسي وإحكام قبضته على مقاليد الحكم خاصة بعدما وجهت منظمات حقوقية وتنسيقيات عائلات المختطفين والمختفين قسراً، أصابع الاتهام لعدد من هؤلاء، حول شبهة ارتكاب مجازر ضد المدنيين، أمام الهيئات الأممية والقضاء السويسري. فتمكن الرئيس بوتفليقة، من إحالة عدد هام منهم على التقاعد، وإقرار قانون الوئام والمصالحة الوطنية. 
لكن سرعان ما بدأ هؤلاء الجنرالات من رموز حقبة التسعينيات، يعودون تدريجيا لسدّة الحكم. وبعد وعكة صحية مفاجئة ألمّت بالرئيس عبد المجيد تبون، في أكتوبر 2020، نقل على إثرها للعلاج في ألمانيا، غادر عددٌ منهم السجن العسكري وعاد البقية لأرض الوطن بعد اتهامهم سابقاً بالخيانة والتخابر والفساد. وفي شهر أوت من عام 2020، كرّم الرئيس عبد المجيد تبون، القائد الأسبق لجهاز المخابرات، الفريق محمد مدين، المعروف إعلامياً بالجنرال “توفيق”، والذي اعتقل في ماي 2019، على خلفية اجتماع 30 مارس الشهير للتخطيط لمرحلة انتقالية في خضم الحراك الشعبي، ووجهت له تهمة التآمر على السلطة والجيش، وأودع السجن العسكري رفقة مدير المخابرات السابق بشير طرطاق وشقيق الرئيس السابق السعيد بوتفليقة (ما زال الاثنان في السجن على ذمة قضايا أخرى)، إضافة إلى رئيسة حزب العمال لويزة حنون التي أفرج عنها لاحقاً.  
ويعتبر الجنرال توفيق، أحد أبرز صناع القرار ورجل الظل القوي في الجزائر خلال العقود التي امتدّت من التسعينات إلى غاية تنحيته من منصبه في شتنبر 2015. وقد حوكم على خلفية هذه التهم ب 15 عاماً قضى منها سنة ونصف سجنا على اثر قرار المحكمة العليا إلغاء تلك الأحكام وتبرئته من جميع التهم الموجّهة له. كما كرّم، الرئيس تبون، وزير الدفاع السابق خالد نزار، وردّ الاعتبار له بعد ملاحقة قضائية بحقه، إلا أنه فرّ إلى الخارج خلال فترة الحراك الشعبي في أبريل 2019، تجنباً لاعتقاله من قبل قائد الجيش حينها، في قضية اجتماع مارس الشهير. ووجه القضاء العسكري حينها لنزار تهمة التآمر على السلطة وقائد الجيش، وأدين بالسجن لـ20  سنة مع إصدار أمر دولي بالقبض عليه، قبل أن يعود إلى الجزائر، عقب إسقاط الحكم الصادر ضده، في دجنبر 2020 في طائرة رئاسية، بصفته عضواً في المجلس الرئاسي الذي حكم البلاد بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في يناير 1992.  
كما كرم الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، الملاحق هو الآخر سابقا من قبل القضاء، وكان قد أمضى عام 2016 أشهرا في السجن بسبب مداخلة له على قناة تلفزيونية أجنبية، دعا فيها الجزائريين إلى إنقاذ البلاد من نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد توجيه القضاء العسكري له تهمة إفشاء أسرار عسكرية. ثم أعيد اعتقاله في يوليو 2019، وسجن حينها ستة أشهر، قبل أن يفرج عنه بشكل مؤقت، حتى تمّت تبرئته من تهم إضعاف معنويات الجيش وإهانة قائد عسكري.  
وإن لم يتقلد أي من هؤلاء  الجنرالات اليوم مناصب جديدة في السلطة الحالية في الجزائر، إلا أن الرئيس عبد المجيد تبون قد منح مناصب هامة لرموز عسكرية أخرى ارتبط اسمها بحقبة التسعينات. فعيّن في البداية اللواء حبار مهنى، مديرا على رأس مديرية مكافحة التخريب التي كلّفت بشكل غير معلن بإجهاض مسيرات الحراك وشيطنة نشطائها واعتقال رموزها، قبل أن يعيّنه مديراً للمخابرات الخارجية بعدها. فيما أعاد الرئيس تبون، وفقاً لصلاحياته الدستورية كوزير للدفاع الوطني القائد الأعلى للقوات المسلحة، العقيد عبد القادر حداد المعروف باسم “ناصر الجن”، للواجهة وقلده رتبة عسكرية سامية، وعيّنه نائبا لمدير المخابرات الداخلية، ومن المرجّح أن يخلف مديره اللواء كحال المجذوب، الذي نقل إلى الخارج للعلاج، على رأس الجهاز الاستخباراتي الحساس خلال الأيام القليلة القادمة. 
كما عادت للواجهة بقوة في الآونة الاخيرة وجوه سياسية قديمة من رموز المجلس الوطني الانتقالي الذي مثل السلطة السياسية التي سيّرت البلاد في العشرية السوداء بعد اغتيال الرئيس الأسبق محمد بوضياف. حيث أعلنت السياسية والقاضية السابقة زبيدة عسول، عضوة المرحلة الانتقالية، ولويزة حنون رئيسة حزب العمال ترشحهما للانتخابات الرئاسية القادمة. بالتوازي ارتفعت أسهم عبد القادر بن قرينة، رئيس حزب البناء الوطني المحسوب على التيار الإسلامي، وجيلالي سفيان، رئيس حزب جيل جديد الموالين لتبون. كما عاد رئيس الحكومة السابق، سيد أحمد غزالي للظهور إعلامياً في الفترة الاخيرة، في سياق التعليق على الوضع السياسي الداخلي والخارجي للجزائر.
 
عهدة أولى متعددة الأزمات 
في غياب لحصيلة عهدته الأولى، تشير جميع التوقعات، على عزم الرئيس عبد المجيد تبون، الترشح لولاية رئاسية جديدة، تحت مبرّر “استكمال البرنامج التنموي”.  
تميزت سنوات حكمه الأربع بالتوافق مع قائد الجيش، الفريق أول سعيد شنقريحة، انعكس على مضمون إصدارات “مجلة الجيش” الناطق الإعلامي باسم المؤسسة العسكرية التي لم تتوقف عن الترويج والدعاية لـ”إنجازات الرئيس”. بينما كانت جزائر ما بعد الحراك الشعبي السلمي، تشهد انقلابا على المكتسبات الديمقراطية وعداء للحريات الديمقراطية. 
فقد دوّن في السجل السياسي للرئيس عبد المجيد تبون، حلّه للعديد من المنظمات الحقوقية التي أفرزتها التعددية السياسية والحزبية والإعلامية التي فرضت بعد انتفاضة أكتوبر الشعبية من عام 1988. فتم حلّ الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومنظمة “راج”، وحزب العمال الاشتراكي وحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية مع سجن منسقها الوطني، وإصدار إجراء قضائي من قبل وزارة الداخلية، يطالب بحلّ عدد آخر من الجمعيات والأحزاب.  
وبالتوازي، راجعت السلطة التشريعية، قانون العقوبات. فأقرّت عقوبات جديدة بالسجن، طبقت على شريحة واسعة من النشطاء السياسيين والحقوقيين ونشطاء الحراك الشعبي، والصحافيين والمحامين، الذين تمّت ملاحقتهم بتهم تتعلق بـ “الإرهاب” والمساس بالوحدة الوطنية وتلقّي أموالا من الخارج وغيرها من التهم، التي اعتبرها مجلس حقوق الإنسان الأممي بـ”التهم المطاطية”. كما عرفت العهدة الأولى للرئيس تبون، سجن عدد من الصحافيين وغلق مؤسسات إعلامية على رأسها منصة “راديو أم” التي تحولت لفاعل مهمّ في الساحة السياسية، وعدة مكاتب لوسائل إعلام دولية. كما صدرت تعليمات أمنية، حول المنع من مغادرة التراب الجزائري والدخول إليه ضدّ عدد من الجزائريين بسبب انتقادهم للسلطة، خارج سلطة القضاء.  
ودخلت السياسة الخارجية للجزائر مرحلة الأزمات المتعددة التي لم تعهدها في عهد الرئيس السابق، الدبلوماسي عبد العزيز بوتفليقة. حيث قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الجارة المغرب، وعلّقت العمل بمذكرة التعاون وحسن الجوار مع إسبانيا، وتدهورت علاقاتها مع باريس والإمارات العربية المتحدة ومن قبل مع سويسرا بسبب متابعة وزير الدفاع الأسبق اللواء خالد نزار، على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم ضد الانسانية خلال العشرية السوداء.  
كما فشلت الجزائر في دخول منظمة “بريكس” التي عوّل عليها الرئيس الجزائري تبون، من أجل النهوض باقتصاد البلاد، فيما استدعتْ كل من مالي، والنيجر ورواندا سفراء الجزائر للاحتجاج ضد “التدخل في شؤونها الداخلية”. أما على المستوى الاجتماعي فلم تتوقّف مشاهد طوابير المواطنات والمواطنين لاقتناء المواد الغذائية الأساسية بسبب ارتفاع أسعارها وندرتها. 
ومع كل ذلك يتواصل تصنيف الأزمة الاجتماعية والسياسية من قبل سلطة الرئيس تبون والإعلام الرسمي الموالي له في خانة “المؤامرة التي تستهدف زعزعة استقرار البلاد”. 
   عن موقع:  "المفكرة القانونية"