يتطرق محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري الى تاريخ الدروس السلطانية التي كانت تمارس منذ قرون في المغرب، حيث تعود الى فترة حكم المرابطين والموحدين، إذ كان النقاش في هذه الدروس يتمحور حول أمور فقهية وحول الأحاديث النبوية، قبل أن يقوم المرحوم الحسن الثاني بإعادة إحياء هذه الدروس تحت مسمى " الدروس الحسنية "وتم خلال فترة حكمه تجديد هذه المجالس. وأشار الزهراوي بأن حفاظ المغرب على هذا الموروث السلطاني في عهد الملك محمد السادس يعزز الارتباط بالإرث التاريخي – السلطاني للمغرب، في إطار الحفاظ على هذه الهوية الدينية المغربية التي تمتد الى 12 قرنا.
من المعلوم أن إلقاء الدروس الدينية في حضرة السلاطين كان له حضور متجذر في التاريخ المغربي، فماهي أبرز دلالاتها الدينية والسياسية ؟
لابد من التأكيد في البداية أن هذه الدروس تحت مسميات مختلفة كانت تمارس منذ قرون في المغرب، وقد كانت تدعى الدروس السلطانية. وحسب المؤرخين فإن هذه الظاهرة الدينية تعود الى فترة حكم المرابطين والموحدين، وقد كانت تعقد هذه المجالس بطرق تقليدية، حيث كان النقاش في هذه الدروس يتمحور حول أمور فقهية وحول الأحاديث النبوية. وقد قام المرحوم الحسن الثاني بإعادة إحياء هذه الدروس تحت مسمى "الدروس الحسنية"، وقد أخذت أبعاد أخرى، حيث تم تجديد هذا الإرث السلطاني، وأصبحت تقام بشكل اعتيادي سنويا خلال شهر رمضان. كما أن هذه الدروس أضحت تتناول مواضيع أخرى فيها نوع من الاجتهاد، بحيث تم التركيز على مواضيع مرتبطة بالعصر وبالإشكالات الدينية والإشكالات الفقهية ارتباطا بتطور المجتمع.
وما الغاية من إقدام المرحوم الحسن الثاني على إعادة إحياء هذه السنة، هل هو التخوف من غزو بعض التيارات الدينية من المشرق؟
صحيح..إحياء الفكرة كانت تحكمه خلفيات دينية وسياسية. فيما يتعلق بالخلفية الدينية، كانت هناك محاولة ترسيم وتعزيز وتقوية التدين المغربي وتحصينه: الإسلام المتسامح القائم على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوفي الجنيدي، أمام هجمة التيارات الدينية المشرقية في تلك الفترة. أما السبب السياسي، فكان يعود الى ارتباط الأزهر بالتوجه القومي – الناصري، وارتباط الخليج بنزعة تفسيرية تأخذ أبعادا دينية أخرى، وكانت هناك محاولة لقطع الطريق من طرف المرحوم الحسن الثاني على هذه التيارات. وما يؤكد هذا هو نوعية الأشخاص الذين تم استدعائهم، وقد كان المرحوم بذكائه يستدعي جميع الأطياف والخلفيات الدينية من المشرق ومن المغرب الكبير، وكان هناك انفتاح على كافة القراءات لإحداث نوع من التوازن داخل الحقل الديني المغربي وإعطاء الفرصة للقراءة المغربية، للتصوف والتفسير المغربي لكي يأخذ موقعه ضمن هذا الفسيفساء، والتنافس المحموم بين التيارات الدينية آنذاك.
وماذا عن الدلالات الدينية والسياسية لإقدام الملك الراحل الحسن الثاني على إلقاء درسين دينيين ضمن الدروس الحسنية؟
قيام الملك الراحل الحسن الثاني بإلقاء درسين دينيين ضمن الدروس الحسنية كان في مناسبتين، الأولى في دجنبر 1966 والثانية في غشت 1978، وقد كانت رسالته واضحة من ذلك، وهي كون إمارة المؤمنين في المغرب بقدر ما تمارس أدوارها في المغرب فيما يتعلق بتدبير وتأطير الحقل الديني، فهي كذلك قادرة أيضا على إعادة إنتاج بعض المفاهيم الفقهية والدينية وإعادة تفسيرها وخلق النقاش حول بعض التأويلات. الحسن الثاني خريج المدرسة المولوية، تتلمذ على يد أستاذة وفقهاء مغاربة. وأعتقد أن إقدام الحسن الثاني على إلقاء الدرس الديني كان محاولة لإعطاء صورة مغايرة لما كان سائدا عن بعض رؤساء الدول، وبكونه بقدر ماهو رئيس للدولة ويسهر على تدبير وحماية أمن الدولة واستمراريتها، فإنه أيضا كان يمارس دوره باعتباره أميرالمؤمنين، وكان يدبر إمارة المؤمنين باعتباره سلطان متفقه في أمور الدين ومنفتح على مختلف القضايا الدينية والفقهية والعقدية.
ما هي أبرز المحطات المشرقة في تاريخ الدروس الحسنية؟
في الحقيقة هذا سؤال ذو أبعاد تاريخية، ولعل أبرز ما أثارني وانا أحاول الرجوع بذاكرتي الى بعض الأحداث أن المرحوم الحسن الثاني كان لا يتردد في تصحيح بعض المغالطات التي قد تتسرب الى بعض الدروس الدينية، كان يصحح ويدقق. وأتذكر واقعة يوسف القرضاوي الذي أنهى الدرس دون رفع الدعاء للمرحوم الحسن الثاني، وغير ذلك من الأحداث. وصراحة فهذه الدروس تعد تراثا دينيا وينبغي الحفاظ عليها والعمل على تحيين الفيديوهات المتعلقة بالدروس الحسنية وإعادة نشرها، ولما لا إحداث خزانة رقمية تتضمن كل حلقات الدروس الحسنية. فالأجيال الحالية في حاجة ماسة إلى مشاهدة هذه الدروس التي لم تكن مجرد طقس رمضاني، بل كانت مناسبة للنقاش والمساجلات الفكرية والفقهية ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية مثل الزكاة في الإسلام وتأثيرها على الاقتصاد، من أجل الحفاظ على هذا الارتباط بهذا الموروث الامبراطوري والسلطاني .
بدوره الملك محمد السادس سعى الى تطوير “الدروس الحسنية” من خلال الانفتاح على مجموعة من العلماء المعروفين سواء في المشرق أو المغرب الكبير أو إفريقيا، بالتزامن مع تأسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ، فهل هي محاولة لتجديد هذه الدروس من أجل نشر التدين المغربي ؟
تماما.. الدين لم يعد مجرد عقيدة تقليدية بل الدين أصبحت له ادوار، ويعتبر بمثابة قوة ناعمة، وأعتقد أن حفاظ المغرب على هذا الموروث السلطاني في عهد الملك محمد السادس يعزز الارتباط بالإرث التاريخي – السلطاني للمغرب، وهذه مسألة أساسية في إطار الحفاظ على هذه الهوية الدينية المغربية التي تمتد الى 12 قرنا. ثانيا، فيما يتعلق بالدور الذي تقوم به مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، أعتقد أن المغرب يخوض صراعا مذهبيا ضد موجة التشيع التي تنخر الجسد المغاربي، وكذلك في شرق وغرب إفريقيا وهذا أمر لا ينبغي إخفائه، في ظل الجمود الإسلامي. المغرب بمكانته وأدواره التاريخية يحاول أن يقوم بدوره في نشر العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف الجنيدي، على اعتبار أن هناك ارتباط لبعض الشعوب في غرب إفريقيا بالمغرب، انطلاقا من ارتباطها بمجموعة من الطرق الصوفية وبالتدين المغربي. ونشر التدين المغربي هو نوع من الإيديولوجية التي تساعد على مواجهة خصوم المغرب والقوى الأخرى التي تسعى بدورها الى استعمال الدين كإيديولوجيا لنشر معتقداتها ولبسط سيطرتها ونفوذها على بعض المناطق، وهنا أتحدث عن إيران.
قيام الملك الراحل الحسن الثاني بإلقاء درسين دينيين ضمن الدروس الحسنية كان في مناسبتين، الأولى في دجنبر 1966 والثانية في غشت 1978، وقد كانت رسالته واضحة من ذلك، وهي كون إمارة المؤمنين في المغرب بقدر ما تمارس أدوارها في المغرب فيما يتعلق بتدبير وتأطير الحقل الديني، فهي كذلك قادرة أيضا على إعادة إنتاج بعض المفاهيم الفقهية والدينية وإعادة تفسيرها وخلق النقاش حول بعض التأويلات. الحسن الثاني خريج المدرسة المولوية، تتلمذ على يد أستاذة وفقهاء مغاربة. وأعتقد أن إقدام الحسن الثاني على إلقاء الدرس الديني كان محاولة لإعطاء صورة مغايرة لما كان سائدا عن بعض رؤساء الدول، وبكونه بقدر ماهو رئيس للدولة ويسهر على تدبير وحماية أمن الدولة واستمراريتها، فإنه أيضا كان يمارس دوره باعتباره أميرالمؤمنين، وكان يدبر إمارة المؤمنين باعتباره سلطان متفقه في أمور الدين ومنفتح على مختلف القضايا الدينية والفقهية والعقدية.
ما هي أبرز المحطات المشرقة في تاريخ الدروس الحسنية؟
في الحقيقة هذا سؤال ذو أبعاد تاريخية، ولعل أبرز ما أثارني وانا أحاول الرجوع بذاكرتي الى بعض الأحداث أن المرحوم الحسن الثاني كان لا يتردد في تصحيح بعض المغالطات التي قد تتسرب الى بعض الدروس الدينية، كان يصحح ويدقق. وأتذكر واقعة يوسف القرضاوي الذي أنهى الدرس دون رفع الدعاء للمرحوم الحسن الثاني، وغير ذلك من الأحداث. وصراحة فهذه الدروس تعد تراثا دينيا وينبغي الحفاظ عليها والعمل على تحيين الفيديوهات المتعلقة بالدروس الحسنية وإعادة نشرها، ولما لا إحداث خزانة رقمية تتضمن كل حلقات الدروس الحسنية. فالأجيال الحالية في حاجة ماسة إلى مشاهدة هذه الدروس التي لم تكن مجرد طقس رمضاني، بل كانت مناسبة للنقاش والمساجلات الفكرية والفقهية ذات الطبيعة الاقتصادية والمالية مثل الزكاة في الإسلام وتأثيرها على الاقتصاد، من أجل الحفاظ على هذا الارتباط بهذا الموروث الامبراطوري والسلطاني .
بدوره الملك محمد السادس سعى الى تطوير “الدروس الحسنية” من خلال الانفتاح على مجموعة من العلماء المعروفين سواء في المشرق أو المغرب الكبير أو إفريقيا، بالتزامن مع تأسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ، فهل هي محاولة لتجديد هذه الدروس من أجل نشر التدين المغربي ؟
تماما.. الدين لم يعد مجرد عقيدة تقليدية بل الدين أصبحت له ادوار، ويعتبر بمثابة قوة ناعمة، وأعتقد أن حفاظ المغرب على هذا الموروث السلطاني في عهد الملك محمد السادس يعزز الارتباط بالإرث التاريخي – السلطاني للمغرب، وهذه مسألة أساسية في إطار الحفاظ على هذه الهوية الدينية المغربية التي تمتد الى 12 قرنا. ثانيا، فيما يتعلق بالدور الذي تقوم به مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، أعتقد أن المغرب يخوض صراعا مذهبيا ضد موجة التشيع التي تنخر الجسد المغاربي، وكذلك في شرق وغرب إفريقيا وهذا أمر لا ينبغي إخفائه، في ظل الجمود الإسلامي. المغرب بمكانته وأدواره التاريخية يحاول أن يقوم بدوره في نشر العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف الجنيدي، على اعتبار أن هناك ارتباط لبعض الشعوب في غرب إفريقيا بالمغرب، انطلاقا من ارتباطها بمجموعة من الطرق الصوفية وبالتدين المغربي. ونشر التدين المغربي هو نوع من الإيديولوجية التي تساعد على مواجهة خصوم المغرب والقوى الأخرى التي تسعى بدورها الى استعمال الدين كإيديولوجيا لنشر معتقداتها ولبسط سيطرتها ونفوذها على بعض المناطق، وهنا أتحدث عن إيران.
والمغرب انطلاقا من إمكانياته ومؤسساته وعلمائه يحاول قدر الإمكان بتعزيز مكانة المغرب ضمنه موقعه التقليدي والطبيعي بالقارة الإفريقية بالاعتماد على المكون الديني، والنجاح الذي أثبتته مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة خير دليل على ذلك.