أكد سوفيان بوشكور، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الأول بوجدة، أن المغرب العربي اليوم محروم من الاستثمارات الأجنبية الموجهة للمنطقة باستثناء المغرب، وأضاف أن حل جزء من الأزمات التي تعرفها بعض الدول المغاربية، اليوم، يكمن في الاندماج والانفتاح ليس فقط التجاري المقنن بل في فتح الحدود أمام تنقل المواطنات والمواطنين لربط جسور الرحم بين العائلات من جهة، وإحداث ديناميات تجارية وسياحية بجل دول المغرب العربي.
ما الكلفة الاقتصادية لعدم الاندماج المغاربي؟
إن التكلفة الاقتصادية لعدم اندماج دول المغرب العربي كبيرة جدا حسب مخرجات دراستين حول المنطقة. الدراسة الأولى أصدرها صندوق النقد الدولي FMI نهاية 2018 حول «الاندماج الاقتصادي في المغرب العربي، مصدر للنمو لم يستغل بعد»، والثانية، أصدرها خبراء لصندوق النقد الدولي وهم رمزي الأمين وجان فرانسوا دوفان وأليكسي كيرييف، نشرة عنوانها «التوسع في التجارة عبر بلدان المغرب العربي» بتاريخ 24 أبريل 2019، وكلها تشير للتكلفة الاقتصادية للامغرب عربي.
حجم التجارة بين دول المغرب العربي لا يتجاوز 5% بين الدول مقارنة مع حجم التجارة الإقليمية الذي يبلغ 16% بإفريقيا و19% بأمريكا اللاتينية و51% بآسيا و70% بأروبا. كما أن جل مبادلات دول المغرب العربي التجارية تتم مع دول أروبا، وخاصة فرنسا وإيطاليا، في وقت تشكل ساكنة المغرب العربي حوالي 100 مليون نسمة. والساكنة من المنظور الاقتصادي هي المستهلك والزبون، وبذلك توفر المنطقة سوقا تتشكل من 100 مليون مستهلك غير مستغلة للأسف، وهي نسبة محفز جدّا للاستثمارات الخارجية ولتوطين الاستثمارات الكبرى بهذه المنطقة.
وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فالإنفتاح التجاري يؤدي إلى رفع نسبة نمو الدول المغاربية بنسبة 1% على المدى الطويل وهو ما يمكن من امتصاص عدد كبير من العاطلين بالمنطقة المغاربية، خاصة والأخيرة تسجل معدل بطالة الشباب جد مرتفع حوالي 25,2%.
ويبلغ حجم الناتج الخام لدول المغرب العربي حوالي 364,4 مليار دولار أمريكي وباندماج اقتصادي مفترض قد تصل حصة الفرد من الناتج الداخلي حوالي دولار 4000 للفرد وهو أمر غير متاح اليوم بالنسبة لمجموعة من الدول.
إن المغرب العربي اليوم محروم من الاستثمارات الأجنبية الموجهة للمنطقة باستثناء المغرب، وكان من البديهي أن تستفيد المنطقة المغاربة من توطين الاستثمارات الكبرى عوض توجيهها لدول إفريقيا. فالمغرب، كنموذج، توجه نحو العمق الإفريقي باستثمارات كبرى، وكان من الاولوية توجيهها لدول المغرب العربي في حالة اندماج حقيقي لدوله.
وماذا عن التكلفة الاجتماعية لعدم الاندماج المغاربي؟
بغض النظر عن الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، المفقودة والتي يمكن أن تعوض يوما من الأيام لأن السياسة لا تؤمن بحتمية الأشياء بل تؤمن بالمتغيرات، فالجرح الأعمق نتاج غياب الاندماج السياسي والاقتصادي بين الدول المغاربية هي التكلفة الاجتماعية التي لا تقدر بمال ولا ثمن.
كم من أسرة فقدت أبناءها أو عضو من أفرادها في هذا البلد أو ذاك ولم تقو على تشييع جنازته أو تأبينه وحتى توديعه مع وجود حدود وهمية؟ كم من شاب أو شابة احتفلت بزفافها او بمولود لها دون حضور الام او الاب وبعيدا عن دفئ الأسرة؟ كم من جثمان ووري الثرى في بلاد مغاربية بعيدا عن موطن العائلة؟ وازداد الشوق في زمن كورونا والخوف عن الأصول والفروع وللأسف لا ذنب لكل هؤلاء فيما يجري اليوم في المحيط الإقليمي، وهو ما أكده جلالة الملك في خطابه التاريخي الموجه لحكام الجزائر بغية طي صفحة الماضي بسبب انتفاء مسبباتها وفتح آفاق جديدة للتعاون وترجيح مصلحة الشعبين. فأجيال اليوم والغد ليست مسؤولة عن تركات الماضي، والتاريخ المشترك يؤهل دول المغرب العربي لبناء اتحاد قوي يمكن كل دولة اليوم من الخروج من أزمتها الاقتصادية بفضل سبل الاندماج الاجتماعي والاقتصادي.
ما هي أسباب عدم نجاح دول المنطقة في تحقيق تكتل إقليمي؟
هناك مجموعة هي الأسباب والدوافع وراء عدم تحقيق اندماج اقتصادي بين دول المغرب العربي، ولكن لا يمكن أن نختلف ان الدافع الأساسي هو الواقع السياسي بين المغرب والجزائر والذي سببه النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء.
فالعلاقات المغربية الجزائرية هي المؤثر الأساسي في واقع المغرب العربي اليوم، وللأسف بسبب دوافع غير مفهومة من الناحية العقلانية. لم يعد مسموح من الناحية الاخلاقية والعقلانية عدم تمكين الأجيال الحالية والمستقبلية من الإمكانيات التنموية المتاحة باندماج الدول المغاربية، وهو ما يستوجب ترك الخلافات السياسية جانبا والبحث عن سبل الاندماج التجاري.
هذا الأمر يستوجب استيعاب الجزائر، والجزائر فقط، للتكلفة الاقتصادية والاجتماعية للمغرب العربي، وأن تعي كذلك أنه حتى مع الحفاظ على غلق الحدود، أن تعتبرها عائقا، يمكن أن يتحقق الاندماج التجاري بمراجعة التعريفات الجمركية على التجارة بين البلدان المغاربية.
إن التعريفات الجمركية بين دول المغرب العربي جد مرتفعة وهو ما يعوق إنجاح سياسة تجارية بين الدول الأعضاء. فمتوسّط التعريفة الجمركية يبلغ بدول المغرب العربي 14% مقابل 5% بالاتحاد الأوروبي و4% بالولايات المتحدة الامريكية، في حين يرتفع هذا المعدل بالجزائر التي تسجل أعلى مستويات الحماية، لنسبة 19%.
ما الذي يتعين على الدول المغاربية القيام به؟
خلص خبراء صندوق النقد الدولي «أصحاب الدراسات السالفة الذكر»، إلى معطى مفاده أن “تتيح أوقات الأزمات الاقتصادية أو التحولات السياسية فرص لتسريع عملية الاندماج، كما أن التكنولوجيات الجديدة يمكن أن تكون معجّلات قوية للإندماج الاقتصادي لأن التكنولوجيات لا تعرف الحدود” .
وإذا خلص اقتصاديو وخبراء صندوق النقد الدولي لأهمية التوسع والانفتاح التجاريين لدول المغرب العربي في خلق الرفاهية ونسب نمو إضافية، فمن وجهة نظرنا نؤكد أن حل جزء من الأزمات التي تعرفها بعض الدول المغاربية، اليوم، يكمن في الاندماج والانفتاح ليس فقط التجاري المقنن بل في فتح الحدود أمام تنقل المواطنات والمواطنين لربط جسور الرحم بين العائلات من جهة، وخلق ديناميات تجارية وسياحية بجل دول المغرب العربي. ويبقى الأمل في أن تجد توصيات صندوق النقد الدولي الأذان الصاغية لتنزيلها على أرض الواقع لما فيه مصلحة الحكومات والشعوب لأن الوضع السياسي والاقتصادي لا يحتمل رهن مستقبل المواطنين المغاربيين بمزاجيات وحبيس عقليات بعض السياسيين. وخلاصة القول يكفي فقط ترجيح لغة العقل.
ما هو تأثير عدم تجديد اتفاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي على المغرب؟
بعد قرار الجزائر عدم تجديد الاتفاق الخاص بأنبوب الغاز والتي انتهى مفعول اتفاقيته يوم 31 أكتوبر 2021، المغرب لم يندد بهذا الإجراء وهو ما يفسر عدم تأثره، وذلك بفضل السياسة الرشيدة لجلالة الملك. المغرب منذ زمن استشرف أن مستقبل اقتصاده رهين بتوفير البلد لاستقلاله الطاقي وهو ما يفسر الاستراتيجية الطاقية الرامية لتوفير الطاقات المتجددة والنظيفة من خلال محطات نور بورززات وعين بني مطهر..... المغرب واع بأهمية ضمان الاكتفاء الطاقي من أجل دعم استقلالية الاقتصادية وهو ما يفسر اليوم نجاحات الدبلوماسية المغربية. فالمغرب قبل زمن كورونا ليس هو مغرب ما بعد كورونا. الرهان هو دعم هذا التّموقع الإقليمي المتميز بالسياسات الرامية لتوفير الاكتفاء الطاقي والصحي والغذائي وهو رهان النموذج التنموي الجديد.
بعد قرار الجزائر عدم تجديد الاتفاق الخاص بأنبوب الغاز والتي انتهى مفعول اتفاقيته يوم 31 أكتوبر 2021، المغرب لم يندد بهذا الإجراء وهو ما يفسر عدم تأثره، وذلك بفضل السياسة الرشيدة لجلالة الملك. المغرب منذ زمن استشرف أن مستقبل اقتصاده رهين بتوفير البلد لاستقلاله الطاقي وهو ما يفسر الاستراتيجية الطاقية الرامية لتوفير الطاقات المتجددة والنظيفة من خلال محطات نور بورززات وعين بني مطهر..... المغرب واع بأهمية ضمان الاكتفاء الطاقي من أجل دعم استقلالية الاقتصادية وهو ما يفسر اليوم نجاحات الدبلوماسية المغربية. فالمغرب قبل زمن كورونا ليس هو مغرب ما بعد كورونا. الرهان هو دعم هذا التّموقع الإقليمي المتميز بالسياسات الرامية لتوفير الاكتفاء الطاقي والصحي والغذائي وهو رهان النموذج التنموي الجديد.
المغرب لم ولن يتأثر بأي إجراء مستقبلي من الجارة الجزائر لأننا اليوم نتوفر على رؤية تنموية جديدة قوامها الاقتصاد الوطني والتقليص من التبعية الأجنبية من كل جوانبها دعما للوحدة الترابية للوطن.