الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

لحسن سويري: أن تكون مهاجراً غير شرعي في أوروبا

لحسن سويري: أن تكون مهاجراً غير شرعي في أوروبا

أن تكون مهاجراً.. يعني أن تدرس حتى يشيب رأسك وتعود إلى بيت أبيك.. يعني أن تنسى شواهدك الجامعية وكتبك ومعارفك وترتبها في رفوف غرفتك.. يعني أن تقضي عامين أو أكثر في أحد المدن الكبيرة ثم تعود إلى مسقط رأسك.. يعني أن تقضي عامين آخرين ووالدك هو من يتحمل مصاريفك.

أن تكون مهاجراً.. يعني أن يبيع والدك قطعة أرضية.. أو أن تبيع أمك ما تملك من الذهب.. أو يقرضك أحد الأقارب مبلغا من المال فتغادر إلى أحد المدن الساحلية.. يعني أن تجرب حظك في الهجرة غير الشرعية "لحريك" فتجد نفسك في إسبانيا أو إيطاليا أو مخفر الشرطة "الكوميسارية".

أن تكون مهاجراً.. يعني أن تغامر وتواجه البحر من أجل لقمة عيش.. يعني أن تنجح في الوصول إلى أوروبا.. فتجد نفسك في عالم مختلف عليك دينا، لغةً و ثقافة.. يعني ألا يكون لك في البداية من سبيل للتواصل غير لغة الإشارة... وقد تقضي الأسبوع الأول في الشارع دون مأوى يحضنك ويسترك وتسكن فيه نفسك.

أن تكون مهاجراً.. يعني أن تجد نفسك في منزل لا تتجاوز مساحته 40 متر مربع.. يعني أن تبحث عن عمل مشرف فتجد كل الأماكن محجوزة فتعود إلى عمل متواضع. لا يرضيك نفسيا.. يعني أن تعمل فلاحاً أو بناء أو منظفا في أحد المقاهي أو العمارات.. يعني أن تكون مستعدا للعمل في أي شيء حفظا لماء وجهك من أن تتسول الناس.

أن تكون مهاجراً.. يعني أن تستفيق منذ بزوغ الفجر فتذهب إلى عملك وتعود مع غروب الشمس.. يعني أن تفني عمرك في تأهيل شبه الجزيرة الإيبيرية.. يعني أن يكون جسدك وطاقتك يداً عاملة لا أكثر.. فتتعرض للعنصرية والإقصاء الاجتماعي والثقافي.

أن تكون مهاجراً.. يعني أن تعصف بك أزمة مالية خانقة.. وأن تجد نفسك عاطلا وأمامك خيارين.. أن تعيش من المساعدات الاجتماعية أو التعويض عن البطالة (لاَيودَا).. أو مغادرة أرض المهجر نحو بلدك الأصلي.. يعني أنك أصبحت شخصا غير مرحب به.

أن تكون مهاجراً.. يعني أن تنقرض صورك من وسائل الإعلام بعد أن كانت تتصدرها بفضل عائداتك من العملة الصعبة التي كنت تبعث بها إلى موطنك.. يعني أن تستمد قيمتك من مال تكسبه.. يعني أن تبحث عن حلَّ لتجاوز الأزمة.. يعني أن تمتهن السرقة أو الدعارة وفي ذلك ذل شنيع تأباه النفوس الكريمة.

أن تكون مهاجرًا.. يعني إذا أردت أن ترى من ترعرعت معهم عليك بقطع المسافات الطويلة.. يعني أن تنتظر حتى تسمع المسؤولين بدأوا في الدعاية لتوفير عبور أفضل.. والواقع غير ذلك فما أن تحط الرحال في إحدى مدن الشمال حتى تبدأ فصول المعاناة ولساعات طوال.

أن تكون مهاجرًا.. يعني أن تجلب هدية من المهجر للصغير والكبير.. يعني أن تحمل معك أصدقاءك في سيارتك إن كنت تتوفر عليها.. يعني أن تذهب بهم إلى الشاطئ أو المقهى أو الملهى، وهناك ستدفع ثمن الاستمتاع لوحدك منحني الرأس والابتسامة على شفتيك حتى إن لم يكن لها مكان في قلبك فالكل يعتقد لأن لديك من المال ما يكفي ويجب إكرام كل من هب ودب الأهل والأصدقاء.

أن تكون مهاجرًا.. يعني أن تشترط عليك فتاة أحلامك مرافقتها إلى المهجر.. يعني أن تعيش معك لا مع أمك.. يعني السماح في من أوصلك إلى ما أنت عليه اليوم.. وإذا وافقت على شرطها و لم تف به فاعلم أن الطلاق قادم لا محال.. يعني أنك ستستنزف مدخراتك في المحاكم.. وتعود خالي الوفاض إلى المهجر...