الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

حسن برما: "رمضانيات" عرس الذيب

حسن برما: "رمضانيات" عرس الذيب حسن برما
سجل الثنائي"بزيز وباز" طفرة نوعية ونقطة مضيئة في سجل السخرية السوداء والفكاهة الهادفة، كتوأم سليم يرضع من نفس البزولة، حضرت أعمالهما الفكاهية الجادة ضمن سهرات "ناس الغيوان" وفقيد الأطلس الجريح "محمد رويشة"، ونالت حواراتهما رضى الجماهير المتعطشة لمن يوصل همومها لأولى الأمر.

 كما هو متوقع اشتغل فيروس التفرقة ومنشار التشتيت، طال ميكروب وحش الشاوية هذا الثنائي الجميل، دون مقدمات معلومة مبررات مفهومة، راح كل واحد في طريق لا تلتقي بالآخر، استمر "بزيز" في عناده الفني، وحيدا واصل حضوره المشاغب رغم الحصار، واختار "باز" الطريق المهادنة، امتطى صهوة سخرية مملة لا تسرق الضحكة من الأعماق، ظهرت مبتذلة على شاشة دار البريهي، وصار زبونا دائما لها ولشقيقتها في طريق عين السبع اللي كتدي وما كتجيب.

ما زلت أتذكر، بعد اشتداد الحصار وانتصاب سيف المنع أمام عروض "بزيز" المنحازة السخرية الفضح والتعريف والإدانة، احتمى الولد القصير بمقرات أحزاب اليسار وفعاليات نقابة الكونفدرالية الديموقراطية وغيرها من جماعات النضال والاحتجاج، وتوقفت علاقتي المباشرة معه عند محطة "عرس الذيب" كعرض فني ساخر.

 والذي جعل هذا العمل راسخا في بالي، إضافة إلى قيمته الإبداعية والجمالية الراقية، أني عشت قبل بدايته حدثا طريفا ظل عالقا بذهني، بدا لي غريبا ولم أهضم جرأة ووقاحة أبطاله والمفاجأة التي جعلت مرارتي تنفجر ضحكا من سوريالية الموقف.

كانت القاعة المغطاةة الخاصة بكرة السلة وكرة اليد التابعة للمركب الرياضي محمد الخامس مكتظة بالجمهور، وبمجرد الصعود إلى درج الدخول الأخير ارتمت سيدتان منقبتان على أختي المرافقة لي وجررناها بطريقة اختطاف مفاجئ، تبعتها وأوقفني ملتحون أشداء وقالوا لي بصيغة الأمر: " ممنوع الاختلاط، هذيك الجهة ديال النساء وأنت ستجلس هناك!" وأشاروا لي بصفوف يتسمر فيها الرجال.

بقليل من الذكاء، وبطريقة التنظيم والصرامة في التآطير، فهمت أنهم من أتباع الشيخ ياسين وجنود "جماعة العدل والإحسان" المستقوية بالتجارة في الدين وما شابهه، استفزني الأمر، كتمت رغبة قوية في الضحك، تظاهرت بالبراءة وسألتهم: "وعلاش؟!"، صدمهم السؤال وأجابوني بحنق: "هذا هو القانون!".

نرفزتني اللغة الآمرة، أحسست بنيران الغضب تشتعل بداخلي، ورددت عليهم بصيغة الاحتجاج:"أسيدي شكون قالها لكم، عن أي قانون تتحدثون، أنا حر نجلس فين ما بغيت، وهذيك اللي اختطفتم من يدي الآن، راها أختي الصغرى، ستبقى معي، وأنا ما عندي ثقة لا فيكم أنتم الذكورا ولا في عيالاتكم المغنبرات".

ما علينا، تألق الفنان أحمد السنوسي "بزيز" في "عرس الذيب" ، قدم شهادة صارخة تدين الحاكم العربي من المحيط إلى المحيط، احتج بنبرته الساخرة من أمراء النفطاعون والبترودولار وخيانتهم لفلسطين، وأكمل فضحه لخذلانهم باستعراض حمق العقيد في ليبيا وبلادة قطيع الأتباع.