الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل تخلت باريس عن سياسة "خاسر- خاسر" بالمنطقة المغاربية؟

يوسف لهلالي: هل تخلت باريس عن سياسة "خاسر- خاسر" بالمنطقة المغاربية؟ يوسف لهلالي
يبدو أن قصر الاليزيه يتجه الى التراجع عن سياسته المغاربية في السنوات الأخيرة وهي سياسة يسميها الاعلام الفرنسي سياسة "خاسر -خاسر"، وهو ما تقصد به سياسة التقارب التي نهجها الرئيس الفرنسي في السنوات الأخيرة تجاه الجزائر والتي استثمرت فيها فرنسا جهدا كبيرا من اجل بناء علاقة طبيعية مع قصر المرادية، ويمكن القول، انه بعد سنوات من الاستثمار في هذه العلاقات خرجت باريس منها خاوية الوفاض، لم تنجح في هذا المسعى وفقدت في نفس الوقت حليفها التاريخي والكلاسيكي بالمنطقة وهو المغرب. اليوم تتراجع باريس عن سياسة الخسارة المزدوجة التي فقدت فيها جهدا كبيرا بدون اية نتائج تذكر.
حاليا تعود باريس الى تحالفاتها الكلاسيكية بالمنطقة، وتزايدت عدد الزيارات للمسؤولين بين الرباط وباريس يعكس هذا التحول الإيجابي، وتم تعيين سفيرة للمغرب مؤخرا كما تم استقبال شقيقات العاهل المغربي محمد السادس بقصر الاليزيه من طرفة السيدة الأولى وهي كلها مؤشرات الى عودة الدفيء الى العلاقات بين البلدين.
اليوم هناك اجماع حتى داخل الاعلام الفرنسي ان التوجه الفرنسي نحو المنطقة المغاربية يتجه بشكل أساسي نحو المغرب والى تحسين العلاقة معه او بالأحرى عودتها، على الأقل، الى المستوى الذي كانت عليه في السابق بعد سنتين من التدهور والبرود. او ما سمته اليومية الفرنسية العودة الى الوضع الكلاسيكي بالمنطقة بعد محاولة فاشلة لتقرب من الجزائر.
فرنسا كانت دائما تصبوا حسب مصادر الكيدورسي الى الحصول على علاقة متوازنة وإيجابية مع البلدين في نفس الوقت. لكنها لم تنجح قط في هذا المسعى. وسياسة العداء التي تنهجها قيادة الجزائر تجاه المغرب تجعل من هذه المقاربة مستحيلة. وخاصة في ظروف الاختيارات السياسية التي قام بها المغرب، الذي أصبح ينظر الى علاقاته الدولية من خلال الموقف من اقاليمه الجنوبية، وأصبح لا يتهاون في الرد بالطرق الديبلوماسية على كل من يمس بحقوقه ووحدته الترابية.
الجزائر اختارت ان تجعل من المس بالوحدة الترابية للمغرب وبتشجيع سياسة الانفصال بالأقاليم الجنوبية صلب سياستها، وهي استراتيجية تصبو من خلالها ابعاد المغرب عن مطالبه التاريخية و المشروعة خاصة في الصحراء الشرقية التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي من الأراضي المغربية، وهي أراضي فاتحت باريس الرباط حولها قبل منحها الاستقلال للجزائر وفضل المغرب التداول في الامر مع قيادة حرب التحرير آنذاك وهو الامر الذي تنكر عليه من استولوا على السلطة بالجزائر بعد استقلالها وهو ما تسببت في اول حرب بين البلدين وهي حرب الرمال سنة 1963 .
اليوم أدركت فرنسا وديبلوماسيتها انه أصبح امر معقدا الحصول على علاقات متوازنة تجمعها بين العاصمتين المغاربيتان في نفس الوقت. خاصة بعد قرار قصر المرادية في صيف 2021 قطع العلاقات الديبلوماسية من جانب واحد واغلاق المجال الجوي بالإضافة قطع امدادات الغاز نحو إسبائنا والتي كانت تمر عبر التراب المغرب وكان يستفيد منها المغرب في نفس الوقت. وسياسة العداء هذه ليست جديدة بل بدأت مند سنة 1975 بعد اعلان المغرب عن مسيرته الخضراء لتحرير الأقاليم الجنوبية من الاستعمار الاسباني وهو ما ردت عليه قيادة الجزائر بدعم وتمويل حركة انفصالية بالمنطقة وطرد عشرات الألاف من الاسر المغربية التي كانت تستقر بالجزائر في نفس السنة.
اليوم تسعى فرنسا الى تجاوز رهانها الذي كان خاطئا في التقرب قيادة الجزائر وقررت على لسان وزير خارجيتها ستيفان سيجورني اثناء لقائه بنظيره المغربي ناصر بورطة أكدا على كتابة " فصل جديد " في العلاقات الفرنسية المغربية. هذا الفصل الذي ينتظره المغرب في افق زيارة رسمية لرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الرباط وهي زيارة لم تتقرر بعد، لكن الجميع ينتظر اتفاق الطرفين على موعدها وما ستاتي به من جديد خاصة في موقف باريس من ملف الصحراء المغربية والتساؤل الكبير هو هل ستنحو باريس منحى واشنطن وهو ما يمكن ان يعطي للعلاقات بين البلدين زخما جديدا.
وفي انتظار لقاء القمة المرتقبة بين الطرفين، فان الزيارات بين مسؤولي البلدين تتزايد لتجاوز البرود الذي عرفته العلاقات بينهما في السنتين الاخيريتين سواء حول موضوع التأشيرة للمغاربة الذين يزررون فرنسا او حول الاتهامات بالتجسس التي وجهت لرباط، وكذلك مواقف فرنسا في البرلمان الأوربي والتي دعم خلالها حزب الرئيس قرارين معاديين للمغرب.
اليوم الطرفان مقتنعان بضرورة بداية صفحة جديدة، وكتابة فصل جديد كما قال وزير خارجية فرنسا وتشجيع العمل المشترك خاصة ان المغرب له علاقات متميزة واخوية مع كل بلدان الساحل الافريقي وله سياسة تعاون متنوعة مع هذه البلدان، في الوقت التي تشهد الجزائر ازمة في علاقتها بمالي والنيجر وهو الوضع الذي تراقبه باريس بدورها عن قرب، هي التي عانت في علاقاتها مع هذه البلدان واضطرت الى سحب جيشها من المنطقة بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية التي أطاحت بمصالح باريس بالمنطقة.
من المؤكد ان فرنسا تريد الخروج من سياسية خاسر-خاسر بالمنطقة المغاربية، وتريد الحد من الخسائر التي تعرضت لها في منطقة الساحل الافريقي، وتريد ايضا استفادة مقاولاتها من الاستمارات الكبرى التي تشهدها الصحراء المغربية. هذا ما يعني ان فرنسا تريد الخروج من سياستها الفاشلة بالمنطقة في السنوات الأخيرة الى سياسة جديدة مع المغرب، شعارها سياسة رابح-رابح، وباريس تعرف ان مفاتح هذه السياسية موجودة بالرباط، وتعرف أيضا المطلب الأساسي لشريطها الكلاسيكي لتحقيق ذلك. وهو ما ستجيب عنه القمة المقبلة بين البلدين.