السبت 27 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: الحمام…والملكة إيزابيلا

عبد الرفيع حمضي: الحمام…والملكة إيزابيلا عبد الرفيع حمضي
الاستحمام في أوربا كان يعد كفرا والبورجوازيون الأوروبيون في نهاية القرن التاسع عشر كانوا  يستحمون فقط حين يمرضون، أو على وشك الزواج. هذا الإقرار هو للصحفي والكاتبSandor Murai عضوٍ الأكاديمية الهنغارية، في مذكراته، التي اختار لها عنوانا دالا:confessions d’un  bourgeois، حتى ان مبعوث روسيا القيصرية وصف  ملك فرنسا لويس الرابع عشر قائلا :« رائحته أقذر  من رائحة الحيوان البري».
وفي نفس  كتابه يعود Sandro Murai  الى التاريخ ويحكي  أن الملكة إيزابيلا صاحبة مجازر الأندلس لم تستحم في حياتها إلا مرتين.كما قامت بتدمير الحمامات الأندلسية.
في المقابل كتب  المؤرخ الفرنسي دريبار: "نحن الأوروبيون مدينون للعرب بالحصول على أسباب الرفاه في حياتنا العامة، علمونا كيف نحافظ على نظافة أجسادنا، إنهم كانوا عكس الأوروبيين الذين لا يغيرون ثيابهم إلا بعد أن تتسخ وتفوح منها روائح كريهة فقد بدأنا نقلدهم في خلع ثيابنا وغسلها. كانوا  يلبسون الملابس النظيفة الزاهية وقد كان بعضهم  يزينها بالأحجار الكريمة كالزمرد والياقوت والمرجان، وعُرف عن قرطبة أنها كانت تزخر بحماماتها الثلاثمائة في حين كانت كنائس أوروبا ترى ان الاستحمام أداة كفر وخطيئة .
أما في المغرب فالحمام التقليدي هو جزء من  المورث الاجتماعي المغربي. ونظرا لاهميته الاجتماعية فهو دائما مجاور لمسجد الحي ولفران الحومة، إن لم يكن بينهما .والفران لإرتباطه بالخبز  فهو كالمسجد  لهما حرمتهما وقدسيتها في الذاكرة الجماعية وفي وجدان المغاربة.
تاريخيا، في القرن العاشر الميلادي كان هناك حمام تقليدي بمنطقة اغمات بمراكش. وبمدينة الرباط حاليا حمام لعلو والذي كان يطلق عليه حمام الجديد سابقا، تم بناءه في عهد ابو العنان المريني في القرن الرابع عشر 1348-1358 م مساحته حوالي 200 متر مربع  شكله الهندسي مشابه  لحمام موقع شالة.
ورغم تواضع مساحته فهو يتوفر على ثلاث قاعات: البارد والسخون والدافئ التي  تعلوها  قبة بثمانية أضلع. أما الزنقة التي يتواجد بها الحمام فقد ألهمت الفنان التشكيلي الفرنسيBernard Boutet  1881- 1949) وعكسها في لوحته الشهيرة.
والآن بالمملكة  المغربية  يمكن عد مابين 12.000 و13.000حمام تقليدي عمومي يشغلون حسب المهنيين عدة آلاف من الأجراء ( الكلاسة، والكسالة، والفرناتشية …)
وهكذا ففي تقديري فان الادارة الترابية خيرا فعلت عندما أعادت فتح الحمامات طيلة الاسبوع، لان إغلاقها،للحفاظ  على الماء أمر فيه نظر. ومعنويا فيه مس "بالرفاهية confort “في حدها الادنى الذي يشعر به المواطن البسيط. ومن شأنه ان يشكل احساسا بعنف اجتماعي ومعنوي.
أما إذا تعلق الأمر بالثروة المائية فالمجلس العالمي للماء wwc  صنف في إحدى نشراته عددا من الدول حسب استهلاك مواطنيها للماء الصالح للشرب يوميا.
فهناك دول تستهلك اكثر من 250 ليتر يوميا للفرد ،منها سويسرا واليابان والولايات المتحدة الأميركية.
وأخرى يستهلك مواطنوها ما بين 160و250 ليتر كإيطاليا والبرتغال وحتى بلد الملكة ايزابيلا إسبانيا. 
في حين دول اخرى كفرنسا بلد لويس الرابع عشر، فتستهلك ما بين 130 و160 ليتر للفرد في اليوم .
أما المواطنون المغاربة فلا يتجاوز استهلاكهم  في أحسن الأحوال 70 ليترا، في الوقت الذي يستهلك التوانسة 120 ليترا وبلدهم تعرف إجهادا مائيا كذلك. وقد بلغ المعدل العالمي للاستهلاك اليومي 140 ليتر للفرد.
في بلادنا يجب قراءة الرقم الإجمالي للاستهلاك في علاقته مع المجال (البادية والمدينة)، وفي علاقته مع السكن وفي علاقته مع الأوضاع الاجتماعية. حينها سنكتشف لا محالة أن الاستهلاك الإجمالي لهذا المواطن  الذي يقصد الحمام التقليدي  هو محدود جدا. مع الاشارة أن المكتب الوطني للماء والكهرباء سبق في تحليله لعادات استحمام المغاربة بالمنزل أن أكد أن الفرد الذي يغتسل بالرشاش (الدوش) يستعمل في استحمامه ما بين 60 و80 ليتر. أما اذا استعمل الحوض baignoire فالاستهلاك يرتفع ما بين 120 و200 ليتر.
ما بالكم إذا اضفنا عدد مرات اغتسال د هولاء بالمنزل اسبوعياً واستحمام اولائك بالحمام التقليدي فالبون شاسع يقينا.
إن ترشيد استهلاك الماء هو مسؤولية الجميع ما في ذلك شك. وإن وضعية بلادنا جد حرجة، لكن ضمان انخراط الجميع يقتضي في تقديري ثلاثة شروط أساسية:
أولا: لا بد من نقاش هادئ بدون تخويف ولا تهويل حتى ينفذ إلى العقل ويتجاوز العواطف. لان الموضوع يرهن مستقبل البلاد والعباد.
ثانيا: لابد للفاعل العمومي ان يتجاوز الكلام والخطاب ليجسد  ترشيد استهلاك الماء في سلوكه اليومي الذي يراقبه المواطن. خاصة في زمن التواصل الاجتماعي .
ثالثا: لابد من الرهان على الأجيال الصاعدة من خلال بناء استراتيجية تربوية منسجمة وبيداغوجية فعالة.
أقول قولي هذا وأنا اعلم أن الفلاحة وحدها تستهلك اكثر من 85%من الرأسمال المائي لبلادنا.