الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الطاهر الطويل: "محلل تلفزيوني" يعين مديرا لمطار الجزائر!

الطاهر الطويل: "محلل تلفزيوني" يعين مديرا لمطار الجزائر! الطاهر الطويل
اعترت الحيرة والدهشة الإعلامي الجزائري جمال الدين طالب في قناة "المغاربية"، وهو يطرح تساؤلا عريضا: "مَن يعيّن مَن في الجزائر؟"، وذلك على خلفية تعيين "محلل تلفزيوني" مديرا لمطار العاصمة. 

على امتداد حوالي ساعة، وصاحب برنامج "في العمق" يحاول، بمعية ضيفيْه، فكّ أسرار وملابسات هذا التعيين الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بعدُ في منصات التواصل الاجتماعي.

ذلك أن تعيين المحلل العسكري المتقاعد، مختار مديوني، مديرا لمطار الجزائر أثار جدلا واسعا "غلب عليه طابع الدهشة والصدمة وحتى السخرية"، كون الرجل عُرِف محللا مثيرا للجدل في القنوات المحلية، ولم يعرف عنه أي علاقة بالإدارة، مثلما قال الإعلامي جمال الدين بن طالب، خاصة حين يتعلق الأمر بمطار دولي بحجم مطار الجزائر. في مقابل ذلك، أشارت بعض التعليقات المؤيدة إلى علاقة الرجل بالطيران باعتباره كان قائد طائرات "هيلوكوبتر"، وكان يُقدَّم في القنوات الجزائرية على أنه خبير حتى في الملاحة المدنية. ومن ثم، جدّد تعيينه الجدل حول معايير التعيين في "الجزائر الجديدة"، وفق ما جاء في مقدمة برنامج "في العمق".

وحتى تكون الحلقة التلفزيونية متوازنة وموضوعية، عملاً بمقولة "الرأي والرأي الآخر"، استضافت البرلماني السابق منور جعدي الذي انبرى مدافعا عن تعيين مختار مديوني مديرًا لمطار الجزائر، من منطلق أن المسؤوليات تحتاج إلى أشخاص أقوياء أصحاب "كاريزما" ويملكون الشجاعة في اتخاذ القرار، كما قال. وتابع جازما: "ليس كلّ من يملك شهادة جامعية عليا مؤهلاً للمسؤولية. فالكفاءة وحدها لا تكفي، وإنما لا بد من القدرة على التدبير والتسيير"، خالصا إلى القول إن مختار مديوني "شخص غيور على بلاده وعلى الشعب، وينتقد الفساد الذي كان قائما من قبل، وله تجربة مهمة كعقيد في الجيش."

كل ذلك لم يقنع الإعلامي جمال الدين طالب، وهو يستحضر سيرة الرجل موضوع الجدل، التي تشير إلى أنه "تخرّج من مدرسة المسرح والفنون الجميلة"، ثم التحق بالجيش وأصبح في القوات الجوية... لكن، "ما علاقة مَن يقود طائرات هليكوبتر بإدارة مطار بحجم مطار الجزائر؟" يتساءل صاحب البرنامج مستغربا!.

أما ضيفه البرلماني السابق، فكان كمن عثر على سرّ بوابة "سمسم" الشهيرة في قصص "ألف ليلة وليلة"، ولذلك ردد في نفسه "وجدتها... وجدتها"! طبعًا، لم نسمعها كمشاهدين، وإنما سمعناه يقول: "إن المطارات تحتاج إلى الحماية الأمنية، ولذلك عُيّن العسكري السابق مختار مديوني مديرا للمطار"!.

في الجهة المقابلة، كان الضيف الثاني، الناشط سيف الإسلام بن عطية، من أبرز المعترضين على قرار التعيين المشار إليه، فعلّق ساخرًا عبر منصة للتواصل الاجتماعي: "كنت أتوقع أن يُعيَّن مُفتيا للجمهورية!".

يقول مجيبًا عن سؤال إعلامي قناة "المغاربية": لقد أصبحتْ الأمور في "الجزائر الجديدة" تُسنَد إلى غير أهلها، وبدون تبرير، وتُنهَى مهام مئات الأطر في المؤسسات العمومية دون تقديم تفسير لتلك القرارات. ومقاييس التعيين ـ بحسبه ـ هي إما الولاءات، أو المقاربات الجهوية، وإما المصالح الشخصية.  
 
وبنبرة ساخرة قال: على الأقل عُيّن مختار مديوني مديرًا للمطار، ولم يعين مُفتيا، لأنه أفتى في كل المواضيع السياسية والتجارية والأمنية والدبلوماسية وغيرها...

لم تكن المسألة تحتاج إلى خبرة أو كفاءة في مجال إدارة المطارات التي تشترط الإلمام بالعديد من الأمور التقنية والعلمية واللوجستية وغيرها، بل جاء التعيين الذي تزامن مع الذكرى الخامسة للحراك في الجزائر، كنوع من المكافأة للمدير الجديد، لا سيما أنه عُرِف بمهاجمته الشديدة للحراك الاجتماعي والسياسي في بلاده الجزائر. والعهدة هنا على الراوي، الناشط سيف الإسلام بن عطية. 

أما المعلّقون المغاربة في شبكات التواصل الاجتماعي، فاستنتجوا أن مكافأة الرجل بالمنصب الذي يسيل له لعاب الكثيرين، جاءت بسبب هجومه المتواصل ـ بالوكالة عمّن هم خلفه ـ على المغرب في تحليلاته التلفزيونية، لدرجة التحريض على العنف والإرهاب ودعوة جبهة "البوليساريو" إلى القيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي المغربية.

الكل يتذكر صيحته التي خرجت من قناة تلفزيونية جزائرية وانتشرت عبر المنصات الإلكترونية، حيث أعطى أوامره العسكرية لأنصار الجبهة الموجودين في مخيمات "تندوف" بالتراب الجزائري، قائلا بعظمة لسانه: "يا صحراوة! خذوا بأيديكم الاستقلال، موتوا واستشهدوا على بلادكم! حوّلوا الحرب حتى إلى داخل التراب المغربي، وليس فقط في الأراضي المحتلة" (قاصدا الصحراء المغربية). وللإمعان في التحريض، حدد المناطق المستهدفة بالهجوم "في الدار البيضاء وفي مراكش"، وخاطب سكان المخيمات: "هناك أعمال تقدرون على القيام بها لخلق الرعب في المجتمع المغربي. ويمكنكم أن تجذبوا المغاربة (الصلحاء) إلى جانبكم. ولكن، إذا بقيتم تنتظرون الحصول على الاستقلال من الأمم المتحدة، فانسوا ذلك!".

في أي خانة، إذنْ، يمكن أن يُدرَج هذا الكلام، بحسب معايير القانون الدولي والعدالة الجنائية؟ لقد حاول البعض التماس العذر للرجل لأنه بدا في حالة "سكر طافح" خلال حديثه التلفزيوني... وتأكد خبراء من ذلك، انطلاقًا من الوثيقة المرئية والمسموعة التي ما زال "يوتيوب" يحتفظ بها، ومن ثم استنتجوا أن المعني بالأمر ينطبق عليه حكم "المرفوع عنه القلم"!.

بيد أن المسألة تتعدى كونها هذيانا غير مسؤول إلى اعتبارها حلقة من بين حلقات أخرى من الهجوم الإعلامي المتواصل على المغاربة، والتي وصلت أخيرًا حد احتضان ما سمّي "الإعلان عن جمهورية الريف." 

في المغرب اعتُبر ذلك "لا حدث"، وبالتالي جرى التعامل معه بالتجاهل وبـ "لا تعليق"! أما في الجزائر، فقد أقام الكثيرون "الزفّة" لهذا (الحدث) عبر مختلف وسائل الإعلام. وبذلك، لم يعد قصر "المرادية" يتبنى طرفا واحدا، هو البوليساريو، وإنما شمل التبني ما سمّي بـ"جمهورية الريف"، والهدف هو الطموح الواهم في أن يصير المغرب جسدا مقطّع الأوصال، في الشمال كما في الجنوب. كلّ ذلك بسبب حديث سابق لممثل الرباط في الأمم المتحدة عن "حق شعب القبايل في تقرير المصير"، ردا على ترديد الجزائر باستمرار لهذا المبدأ خلال حديثها عن نزاع الصحراء.

لكن، ربما لا يدري المتحمّسون لما يُسمى "جمهورية الريف" بأن ثمة نقط تشابه كبيرة بين "ريافة" ذوي الشهامة في المغرب وبين أشقائهم سكان "القبايل" في الجزائر. فإذا كان البعض يؤيّد انفصالا في هذا البلد، فليتوقّعوه في البلد الجار! والعكس صحيح، إذا كانوا يميلون إلى الوحدة الوطنية فلا يبخسوها للطرف الآخر! .

إذنْ، أليس حريا بعقلاء المنطقة المغاربية وحكمائها أن يستبعدوا كل دعوة انفصالية في أي بقعة من البلدان الخمسة؟.