الجمعة 7 فبراير 2025
سياسة

لماذا تحولت مجالس علمية بشمال المغرب إلى "حضانة" للتطرف والإرهاب؟

لماذا تحولت مجالس علمية بشمال المغرب إلى "حضانة" للتطرف والإرهاب؟ سعيد الكملي يتوسط أحمد التوفيق ويسف وسعيد القنطري (يسارا)
ما حصل في مرتيل  من رهان التيار الوهابي على جعل المدرسة العليا للأساتذة،مجرد رافعة لاستعراض القوة من جهة،وتمرير حمولته الإديولوجية من جهة أخرى،من خلال محاضرة الشيخ سعيد الكملي :"حلية معلمي الناس الخير"(21 فبراير 2024)،وما رافق ذلك ،وقد تم إلغاؤها،من هستيريا هذا التيار التكفيرية،مما يبين حرص الأصولية على توظيف الفضاءات الرسمية في مخططاتها التبشيرية،في حين أن أرض الله واسعة، بما توفره الأماكن العمومية، من فرص التعبير عن مختلف القناعات.
وحيث أن منسق "نادي القرآن الكريم والسنة النبوية"، الذي سهر على تنظيم هذه المحاضرة، سعيد القنطري،هو عضو بالمجلس العلمي بتطوان،سبق له من داخل المؤسسة العلمية الترويج لأدبيات "الخوارج"،فإنه من المناسب أن نعيد نشر افتتاحية سبق لـ"
الوطن الآن"و"أنفاس بريس" ،نشرها في فبراير 2016، فضحنا فيها آنذاك تورط منتسبين لمجالس علمية في الترويج لتدين ينافي التدين المغربي.
ويا لمكر الصدف، هانحن نعيش في نفس الدوامة. اليكم المقال لعل الذكرى تنفع المؤمنين!
 

الآن، أصبح بإمكان المغاربة معرفة بعض خبايا انتشار الفكر الجهادي بشمال المغرب، ومعرفة لماذا تحولت مدن الشمال إلى خزان للانتحاريين وللدواعش وللطالبان. ففي الوقت الذي تقوم الأجهزة الأمنية بمجهود كبير لتجفيف منابع التطرف وحماية المغرب، نجد أعضاء بالمجالس العلمية الرسمية ينشرون التطرف ويوفرون البيئة الحاضنة لتسهيل الاستقطابات لفائدة الخلايا الإرهابية. فالمغرب يضم 83 عمالة وإقليم ومن حقنا أن نتساءل عن حصيلة المجالس العلمية المحلية في هذا الإقليم وذاك لمعرفة من من المجالس العلمية تنخرط هياكله وعلمائه في هذا التحدي الكبير الذي يواجهه المغرب، ومن من أعضاء المجالس العلمية الذي «يحفر» للمغرب الأنفاق لتسهيل انسياب الفكر الجهادي إلى أرض الأولياء.
إن الفترة الممتدة من 2003 إلى 2016 كافية لإجراء المسح والتقييم لوضع بروفيل رؤساء وأعضاء المجالس العلمية تحت المجهر. لا يعقل أن تبقى عمالات المضيق وتطوان والناظور ووجدة وطنجة هي الخزان الأكبر للجهاديين خاصة إذا علمنا أن رؤساء مجالس وعلماء يتقاضون المال من خزينة الشعب لنحر الشعب.

وهذا أمر مرفوض ويجب الحسم فيه ووضع حد له. إن المغرب خلق المجالس العلمية لحماية موروث المغاربة الديني من القصف المذهبي المشرقي ويمولها من ضرائب المواطنين لضمان أمنه الروحي، ولم يخلقها لتتحول إلى قاذفة للمجانيق الوهابية والإخوانية لنسف تمثل المغاربة لعيد المولد النبوي تمثلهم وللتصوف وللزوايا وللأشراف ولضرب الخيار الديمقراطي الذي أصبح الثابت الرابع من ثوابت البلاد بعد اعتماد دستور 2011.

فالدستور أطر الاختصاصات والعلاقات بين السلط، والسلطة الوحيدة المخولة دستوريا لتأطير الحقل الديني هي مؤسسة إمارة المؤمنين، وهي المؤسسة الوحيدة التي يرتاح لها المغاربة ويرتاحون لتحكيمها.
ومن قلة الحياء أن ينهض من يدعي «العلم» ليقول للمغاربة أنه يريد «إقامة الدين بالمغرب» (!) وكأن المغرب أرضا خلاء لم يستوطن فيها الإسلام فحسب بل وتميز المغاربة على غيرهم من الشعوب منذ 14 قرن بالتعلق الشديد بالرسول الكريم وبالغلو في محبته. وبالتالي فالتساهل مع ترويج مثل هذا الخطاب يعد إهانة لذاكرة المغاربة ولذكائهم. قد «نقبل» أن تكون للمرء العادي ولاءات مذهبية، بل وسياسية، مع من يموله بالبترودولار، لكن من الصعب علينا أن نقبل بوجود «خونة» في قلب بعض المجالس العلمية لا يدينون للمغرب سوى بالولاء السياسي بينما ولاءهم المذهبي مع «سيدنا» أبو بكر البغدادي أو مع «سيدنا» محمد بن عبد الوهاب أو مع «سيدنا» المرشد العام للإخوان.

نعم، المغرب في مرحلة مخاض والإصلاح لم ينضج بعد، وأول قناعة ينبغي استحضارها هي وجوب تطهير المؤسسات الرسمية (مجالس علمية و إدارية) من كل من يعارض تطلع المغاربة إلى بناء مغرب حداثي وديمقراطي ووسطي وحقوقي. فمن يحب المغرب والمغاربة ننحث له مكانا في القلب ومن يعبد البترودولار عليه أن «يخوي البلاد بالماء والشطابة إلى قاع البحر».