السبت 27 يوليو 2024
كتاب الرأي

أحمد فردوس: في الحاجة إلى وصفة تمغربيت "غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ" لقطع دابر الغش والفساد  

أحمد فردوس: في الحاجة إلى وصفة تمغربيت "غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ" لقطع دابر الغش والفساد   أحمد فردوس
يتعدد وصف تَمَغْرَبِيتْ "غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ" حسب التعبير الشفهي الموسوم ببصمة "شْغُلْ" المرأة البدوية التي كانت وما زالت تنساب ينابيع أناملها المبدعة في شتى حقول العمل اليومي برحيق الجودة والجمال، رغم مظاهر "فِتْنَة" تكنولوجيا التمدن التي غزت "الدَّوَّارْ"، وغزوات تسونامي "روتيني اليومي" وما إلى ذلك من حروب بواسطة الفضاء الأزرق.
"غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ" هو تعبير مجازي يحيل المتلقي على مختبر الكدّ والعمل المتقون بجودة عالية، حيث استعمل هذا الوصف وتداولته ساكنة العالم القروي للتنويه بمهارات المرأة الْحَادْﮜةْ التي تشتغل في صناعة منتوجات صوف الغنم وتحويله لمنتوج استهلاكي متعدد الاستعمالات سواء كان زيّا أو لباسا تقليديا، أو غطاء و فراشا مزركشا بألوان طبيعية ساحرة، بعد مروره هذه المنتوجات بواسطة وسائل عمل بسيطة وتقليدية، ومن عدة مراحل ومهام شاقة تتطلب المهارة والصّبر والإتقان والنخوة وإذكاء روح التضامن والعمل المشترك بدءا من عملية "دَزَّانْ" الصوف بالمقص ثم الإنتقال إلى مرحلة الغسيل والتنظيف والتنشيف، ثم مهمة "التْقَرْشِيلْ" بـ "الْقُرْشَالْ"، وتليها عملية "التْخَلْخِيلْ" بـ "الْخُلْخَالْ"، وصولا إلى عملية لَغْزِيلْ بـ "الْمُغْزَلْ" فتأتي بعد ذلك لحظة التسدية للحصول على المبتغى.
هكذا وثق التعبير الشفهي "مشروع" عملية ومراحل الإنتاج في مختبر المرأة المكافحة التي كانت تعشق مهامها اليدوية، تلبية لحاجيات كل أفراد الأسرة، حيث يتقاسم ذلك باقي أفراد القبيلة والدّوار في السهل والجبل وبجانب النهر والشاطئ، وقس على ذلك كل الأعمال والحرف والمهن التقليدية بمختلف المستويات ذات الصلة بالعالم القروي الذي كان فعلا مدرسة تحافظ على منبع الحياة الجميلة التي تغدق العطاء على المجتمع برمّته.
كذلك "غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ" وصف كان ينطبق على مهمات وأشغال الفلاح البسيط طيلة شهور السنة في علاقة بالفلاحة والزراعة وتربية المواشي والدواجن، وإتقانه لعمله الشاق بكل مسؤولية، بدءا بعملية الحرث إلى جمع المحصول، وتوفير الأمن الغذائي لمحيطه الاجتماعي، إيمانا منه بروح التضحية وعشق الأرض والإنسان، بنفحة وازع التضحية والوفاء لدورة الحياة، رغم مآسي الجفاف وتبعات المخططات الخضراء والزرقاء. 
ونفس وصف تَمَغْرَبِيتْ كان ينطبق على الأستاذ في المدرسة، و كذا الفقيه المربي داخل فضاء لَمْسَيَّدْ/الجَّامَعْ الذي يقوم بكامل أدواره ذات الصلة بزرع قيم الوفاء والإخلاص لمبدئ التضامن الإنساني في كل مستوياته وأبعاده الدينية والروحية والاجتماعية والتربوية.
لقد نوه القول المأثور بهذا السلوك بتعبيره الرائع: "رحم الله من عمل عملا وأتقنه"، وهي جملة أوفت القول وانتصرت لوصف "غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ" بمعنى أن أي منتوج يقدم للمجتمع وجب بالأساس أن يخضع لشرط الجدية والإتقان والمعقول، ولا يستقيم ذلك إلا بفعل التربية على "لَحْدَاﮜةْ" والعمل "الْمَطْرُوزْ" دون غشّ أو خداع أو نقص أو زيّادة.  
للأسف الشديد في يومنا هذا، لم يعد هناك ما يستحق أن يوصف بـ "غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ" على جميع المستويات، بعد أن أصبح الغشّ والخداع والنقص والزيادة وآفة النّصب والاحتيال موضة العصر، كسلوكيات تجد لها مبررات في أوساط المجتمع. 
لقد أصبح الإنسان في زمننا هذا يتنافس على أفعال انتهازية ووصولية. أفعال رهيبة ومدمرة، لا علاقة لها بقيم تمغربيت الحقيقة التي أنتجناها من صميم شغاف قلب العلاقات الإنسانية العميقة عبر التاريخ التليد، حيث طالت كل مناحي الحياة والعلاقات الاجتماعية في البيت والمدرسة والشارع وبعض المؤسسات...وبدون رجعة.
إذا نظرنا جيدا في مرآة واقع حالنا السياسي وأردنا أن نسقط عليه وصف تمغربيت "غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ"، يصيبنا الذهول، وتسقط أمامنا حقيقة أقنعة الزيف والبهتان، بفعل التنكر والتنصل من المسؤوليات الجسيمة والأمانة التي قلد المواطن بها عنق الفاعل السياسي. 
ونفس الشي ينطبق على الفاعل الاقتصادي الذي تسلق المواقع وتسلط على كراسي تدبير الشأن الوطني، حيث تنهال علينا أوراق عقود إبرام زاوج عالم المال والسياسية دون ضمير وطني ومهني، اللهم البحث بجميع السبل عن مراكمة الثروة دون حسيب أو رقيب. ونفس الشيء ينطبق على ما فعله بالمجتمع دعاة وشيوخ التدين الذين بدورهم عقدوا قران زواجهم بين الدين والسياسة لتحقيق مآربهم الذاتية والشخصية.
مقاولات في البحر والبر تنهب ثروات طائلة علما أن القائمين على مكاتبها المكيفة، وكراسيها المريحة لا يؤدون واجباتهم اتجاه الوطن والمواطن، وكل أعمالهم المنجزة بعيدة كل البعد عن وصف تمغربيت "غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ". 
أما مجالسنا المنتخبة بمختلف جماعاتنا الترابية المحلية والإقليمية والجهوية فعملها الناقص والكارثي، مشوه ومبتور الأوصال، وجسدها المريض يتنفس بمشقة داخل غرفة الإنعاش، بل يمكن القول أنه لا فائدة ترجى من شفائه من أمراضه المزمنة حاليا أو مستقبلا بعد أن عمق من يدبر الشأن المحلي جراح الهوة بين الطموح والآمال وواقع الحال.
فهل مازال الأمل معقود على تفعيل كناش تحملات وصفة تمغربيت "غْزِيلْ الْحَادْﮜاتْ" والقول المأثور "رحم الله من عمل عملا وأتقنته" لإنعاش خافق دورة الحياة وضخ روح العمل "الْمَطْرُوزْ" الجاد والمسؤول الموسوم بالجدية ونكران الذات، أم أن الأمر يحتاج إلى عملية جراحية لبتر أورام هذا المرض الخبيث؟